عساكر الفصل الثالث


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4850 - 2015 / 6 / 27 - 13:07
المحور: الادب والفن     

التحق بهم ديك دوكر، نائب الرئيس، ورومستيك، وزير الدفاع، وكلاهما في لباسه المدني. كانا قد بدآ حديثًا ماراثوني الطول، في الممرات اللامتناهية للبناية ذات الهيبة والنفوذ.
- لكني يهودي، بالاستناد إلى جينات أمي، ولا تهمني كاثوليكيتك لا من قريب ولا من بعيد، قذف ديك دوكر.
- أنت نائب رئيس ويهودي!
- نعم، أنا نائب رئيس ويهودي. هذا يزعجك؟ نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يهودي! صَاحَ.
- نائب رئيس قفاي، نعم!
- نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يا رب الكلاب! نعم، يهودي.
- نائب رئيس قفاي، أقول لك!
- نائب رئيس قفاي أنا، رومستيك، علق الرئيس.
- معذرة، سيدي الرئيس. لكننا بيننا، بلا كاميرا ولا آلة تصوير، ونحن نسمح لأنفسنا أن نقول ما نريد. نائب رئيس... هتف رومستيك من جديد دون أن ينهي جملته.
- قفا السيد الرئيس، أكمل ديك دوكر. فقط لإسعادك، بولوش. لكني كما لو لم أكن يهوديًا، بما أنني ملحد وأتظاهر بكوني مؤمنًا، كما هو منصوص عليه في دفاتر الرئاسة.
- تتظاهر بكونك مسيحيًا ولكن في الواقع لست مسيحيًا! احتج وزير الدفاع.
- ليس الأمر خطيرًا، يا زميلي العزيز، قال بووي-بووي. يبقى هذا بيننا. نحن فريق صلب كالحديد، فلا تنسوا.
- خارج الكاميرا، خارج آلة التصوير، أنتم تضجرونني، صاح الرئيس. بالنسبة لي، ديكي مسيحي حتى ولو كان يهوديًا.
وأخذ يزعق بالألمانية كالمعتوه:
- العرق الأرقى هو العرق الآري، الأنقى، الأعلى. سنسيطر على العالم! سنسحق السلالات الصغيرة بقدمنا سحقنا للحشرات! لن نتركنا لعبة في يد السماسرة اليهود، ولا الجَمَّالين العرب. هاتان السلالتان سنضعهما بعد القرود. سنذبحهما، سننهي عليهما، سنمحوهما... سننظف الأرض من حضورهما... هايل هتلر!
وكلهم في جوقة:
- هايل هتلر!
قاموا بالتحية النازية، ثم استعاد الرئيس هيئته العادية.
- ديكي، بالنسبة لي، يهوديًا أو مسيحيًا، هذا يبقى ديكي. هذا يبدل ماذا، قل لي؟ سأل بصوته الأكثر رقة رومستيك.
- هذا يبدل أشياء كثيرة، محور الشر لن يعود محور الشر، من وجهة النظر الإنجيلية.
- وماذا سيكون في رأيك، طلبت مس رز، محور الثرثرة، من وجهة النظر "البولوشية"؟
- محور الخراء، أجاب رومستيك.
- إذا يبقى هذا بيننا، خارج الكاميرا وخارج آلة التصوير، فكما تشاء رومي، سيكون محور الخراء، أفلت الرئيس.
- لا، لا، ولا، سيدي الرئيس، احتد وزير الدفاع. نحن قبل كل شيء مِلَّة صلبة كالحديد...
- فريق صلب كالحديد.
- مِلّةَ، سيدي الرئيس، مِلَّة أكثر صلابة وأكثر التحامًا من فريق.
- ربما أنت على حق، مع اجتماعاتنا الروحية الأسبوعية.
- مِلَّة صلبة كالحديد، متحدة، وجهًا لملل أخرى في العالم، كملل لاد-لاد وصد-صد وكيم-كيم، إلى آخره. هو قدرنا، وهي واجباتنا نحو حضارتنا، المسيحية، ضد حضارتهم، الإسلامية، الشيوعية، أو غيرهما، لكن على الخصوص في هذه الساعة الإسلامية، السوداء، السوداء كلها، كسواد لحاهم وجلابيبهم، سوداء، سوداء...
- توقف أو أنا الأسود، سأصبح مسلمًا، قال بووي-بووي حَرِدًا.
- لستَ أسود، أنت. مس رز ربما، لكن أنت لك جلد أبيض كجلدي، شعر أبيض كشعر كلبتي العجوز.
- هذا لأن أمه كانت تغسله وهو صغير، نعم، في الغسالة، ثلاث مرات في اليوم، أوضحت مس رز.
- أربع مرات، صحح بووي-بووي.
- إذن، أنت أسود، بووي-بووي، قال وزير الدفاع باحتقار، لم ألاحظ ذلك أبدُا. أنت أسود ومسيحي؟
- وسأكون مثلك الأبيض والمسيحي بطل الحرب الصليبية الجديدة، أجاب الآخر بنفس الاحتقار.
- وزوجة الرئيس، موافقة؟
- ما لها في كل هذا، زوجتي؟ سأل بولوش بنرفزة. صد-صد منذ قليل وأنت الآن، رومي!
- عندما كانت زوجتك عشيقتي، قال بووي-بووي متوجهًا بالكلام إلى وزير الدفاع، كنتَ ملازم أول خراء يأسن في الطابق التحت الأرضي العاشر للبنتاجون. نشبت حرب الخليج، فسلبها لبّها أن أكون بطلاً للحرب الصليبية الأولى. اسأل الرئيس الأب يقل لك.
- يقول لي ماذا؟
- إنني أنجزت مهمتي بنجاح بوصفي أسود ومسيحيًا. وزوجتك تعرف هذا جيدًا، وفي العمق.
- وأنت، لما كانت زوجتك تطاردني...
- زوجتي تطاردك، أنت الضابط الإمعة؟ تطارد ديكي أو مس رز شيء يُعقل، لكن أنت!
- كانت تطاردني، أنا، لهذا ترقيت على ظهرك، يا غبي!
- على ظهري، قواد الخراء...
وأراد ضربه، فتدخل الآخرون. صاح الرئيس عليهم، وقالت مس رز إنها ستنادي الكاميرات والصحفيين، فهدأوا كلهم. لثلاثين ثانية، وبدأوا من جديد:
- ولما كنتَ لا تشبع زوجتك...
- ولما زوجتك لم تكن تشبع كلبي...
- ولما زوجتك كانت تنام مع زوجتي...
ولما زوجتك... ولما زوجتك... ولما زوجتك...
قذفت مس رز، بِمَسٍ وحَنَق:
- وأنا إذن، لست امرأة؟
- لا، أجاب الآخرون في جوقة.
- يمكنني النوم مع الكل، أنا... وحتى إشباع كل الجيش الأمريكي.
- لا، أحابوا في جوقة.
في الأخير، اتفقوا كلهم على الحرب ضد العراق، لكن تفاهمهم حول هذه النقطة لم يدم طويلاً، لأن الغنيمة التي سيتقاسمها أفراد الفريق في السلطة وشركاتهم أو الشركات التي يدعمونها كانت منبع الخلاف. بهذه الكلمات لخص الرئيس مستقبل النفط العراقي:
- ثلاثة أرباع لي، أريد القول، لشركة بابا، وبما أن شركة بابا ستعود إليّ في المستقبل، ثلاثة الأرباع هذه ستكون لي. سيبقى ربع لكم الأربعة.
- ليس هذا ما ارتأيناه، سيد الرئيس، احتج ديك دوكر.
- ماذا ارتأينا؟ هل يمكنك قوله لي؟
- يمكنني.
- هيا! قل.
نظر نائب الرئيس حواليه، وتردد، كان لا يريد أن يسمعه الآخرون.
- هيا! قله أمام الكل.
- نعم، قله أمام الكل، ألزم رومستيك.
- قله ديكي، طلب بووي-بووي.
- نعم، مم أنت خائف، ديك-ديك؟ قالت مس رز بصوتها الذكوري.
- الحقيقة سيد الرئيس، تردد ديك دوكر ثانية، أفضل التكلم معك على حدة.
احتجوا كلهم بمن فيهم بولوش نفسه.
- طيب، سأقوله، قال نائب الرئيس عندما عاد الهدوء. اتفقنا، رئيس، أن تعود ثلاثة أرباع البترول العراقي إليك، والربع الباقي إليّ! قذف "إليّ" كالصاروخ بصوت مجلجل اهتزت له المصابيح الموضوعة على مكتب الرئيس.
من جديد، رُشقت الاحتجاجات رشق الشظايا من كل الجهات.
- إذا كان الأمر كذلك، الربع الأخير، سآخذه أنا أو أشعل النار في كل المكسيك، قذف رومستيك.
- لا تمس المكسيك، سارع الرئيس إلى القول. أنت تنسى شركات باباي.
- أنا سأشعل النار في فنزويلا، رد بووي-بووي.
- هناك أيضًا شركات باباي.
- وأين الرئيس الأب لا شركات له، سألت مس رز، في الصحراء الغربية؟
- خاصة لا تمسيها، رز ولحم وتوابل، هناك شركات فوسفات باباي.
- هو خراء أيضًا، الفوسفات؟
- خراء مختلف لكنه لبابا هو كذلك، إذن ممنوع مسه.
- إذن أشعل النار أين، أنا؟ سألت مس رز باكية.
أنزل ديك دوكر بنطاله:
- قفاي!
- قفاك، لن أحرقه، هذا أكيد، أمتلكه.
وركضت لتأخذه، فلجأ نائب الرئيس خلف الرئيس.
- في الواقع، هذا ما اتفقنا عليه، أنا وديكي، بلا علمكم، اعترف الرئيس، وهو يطبطب على وجنته. أنت تنسى أننا في البيت الأبيض وأنني الرئيس. عندما تصبح رئيسًا بدورك، ربما بعد فترتي الثانية، ستعمل مثلي.
- الفترة الثالثة؟
- أعني عندما يأتي دورك.
- إذا كان الأمر كذلك، أخذت على عاتقي إعادة بناء كل جسور دجلة والفرات، بشرط أن تدمرها قاذفاتنا كلها. هذا هو شرطي، قذف ديك دوكر.
- اتفقنا، قال بولوش. لكن بعد أن تجتازها دباباتنا وجي آيْنا.
- والموانئ.
- والموانئ. لكن بعد إنزال مارينزَنا. قل لي، ديكي، منذ متى أنت تهتم بالباطون؟ أنت لا شركة بناء لك.
- أصدقائي لهم، وهم مستعدون لاقتسام كل شيء نص-نص. ليس كواحد يأخذ ثلاثة أرباع ويترك ربعًا صغيرًا لأربعة!
- الحرب القادمة بعد الحرب القادمة، سأكون عادلاً أكثر معك، ديكي.
- وأنا، قال بووي-بووي، سآخذ على عاتقي إعادة بناء كل البنايات الإدارية وكل البنايات التي تحيط ببغداد، كل بغداد إذا شئت، وكل البصرة، وكل نجف، وكل... بشرط أن تدمرها قاذفاتنا كلها.
- اتفقنا، قال الرئيس. خلاص، أنت كذلك ستستثمر في الباطون؟
- في الواقع، منذ انهيار الورلد تريد سنتر، هذا النوع من الاستثمارات يغويني، ف... مع هدم العراق، قلت لنفسي لِمَ لا.
- شخصيًا، قال رومستيك، سآخذ على عاتقي بناء دولة للأكراد.
- ماذا؟! احتج الرئيس. بناء دولة كردية؟! هل أصبحت مجنونًا؟ تبني دولة لشعب بلا دولة منذ جاء إلى الوجود؟ هذا غير مُدِرّ كمشروع.
- بلى، رئيس. دولة غير موجودة يجب بناؤها حجرًا حجرًا، وهذا يكلف غاليًا، غاليًا جدًا.
- ومن سيدفع؟
- أنت، رئيس.
- أنا، أبدًا!
- أعني الكونجرس.
- تعني بفلوس الضرائب تريد أن تعمل دولة للأكراد.
- أريد أن أعمل ثروتي، ثروة أولادي وأولاد أولادي.
- لماذا؟ تنقصك النقود، أنت الملياردير؟
- نعم، رئيس. تنقصني النقود إلى هذه الدرجة، أنا، الملياردير. مع الحروب وكل صروف الدهر التي تعقب ذلك، أحد لا يعلم. وفوق هذا، هؤلاء الأكراد المساكين هم حلفاؤنا، تحالفوا معنا لأحقق حلمهم، دولة كردية، على الأرض الكردية، للشعب الكردي.
- أنت جاد، رومي؟ والأتراك، والإيرانيون، والسوريون، والعراقيون لهذا الخراء "جلبي"، قذرنا الذي سيحل محل قذرهم صد-صد، هل سيتركونك تفعل؟
- نعم، بما أنني وعدتهم كلهم بهدمها، هذه الدولة، بعد أن أبنيها. وزير على رأس البنتاجون هذا شغله. عمل قذر، أؤكد لك.
- أنا، لا أريد أية نقود تأتي من حرب، حتى ولو كانت حربك عادلة، رئيس، تدخلت مس رز.
- حلوه هادي، قال بووي-بووي ضاحكًا.
- وأمك؟ قالت بصوتها الرجولي. لم تكن تكلمك عن المعونات الإنسانية عندما كانت تنشف رأسك بعد حمامك في الغسالة؟ نعم، بريزيدنت، أريد التفضي للأدوية، للماء، للغذاء. الشعب العراقي جائع، يعيش في بؤس غير معقول تحت سباط صد-صد، الغني الوحيد لبلد هو مع ذلك غني. وسيزداد البؤس حدة مع الحرب عند آخر الشهر. وترددت: نعم، أعرف، السبب الأول لكل هذا البؤس هو صد-صد. وأريد التفضي له.
- أبدًا! أنا من سيتفضى لصد-صد.
- أريد التفضي للشعب العراقي، رئيس.
- أنت متأكدة، رز ولحم وتوابل؟ ألم تفقدي عقلك؟
- منذ زمن طويل، سيدي الرئيس، قذف بووي-بووي.
- لم أكن أعلم.
- لا، لم أفقد عقلي، يا خول، قذفت متوجهة بالكلام إلى رئيس الدبلوماسية.
- أسود وكاثوليكي وخول! علق رومستيك.
- وزوجتك، هل نسيتها؟ قذف بووي-بووي.
- زوجتي لن تنسى أبدًا، تدخل ديك دوكر بتيسنة.
- شكرًا ديكي، لمرة، همهم بووي-بووي.
- أنا المقصودة، يا ماخور الخراء، المرأة الوحيدة هنا، وليست زوجاتكم، صاحت مس رز.
- كنت أظن، يا حبيبتي، أنكِ الرجل الوحيد بيننا، قال الرئيس.
- وشعوري الأنثوي أمام بؤس شعب بأكمله، هذا لا يقول لك شيئًا، بولوش؟ صرخت "بولوش" كرجل ولا كل الرجال.
- اعذريني، رز حبيبتي، أحسن ناطق رسمي في العالم! أنت قلب كبير ك... قال الرئيس باحثًا عن شيء كبير مدور في المكتب البيضاوي. لم يجد غير كرة صغيرة تحتوي على برج إيفل، تناوله مكملاً جملته:... هذا! طفا الثلج داخل الكُرَيَّة، فابتسم الرجال الأربعة الأقوى في العالم كالأطفال.
قرع الهاتف، فرفع الرئيس السماعة:
- الصليب البرتقالي؟ النمرة غلط.
وأراد الإغلاق، لكن:
- آه! طيب. هذا لك، مس رز.
مد لها السماعة.
- آلو؟ نعم، أنا، مس رز. 15%؟ تفاهمنا على 20%. ساوَمَ الكويتيون كالأبالسة؟ هذا لا يدهشني من طرف جراذين الصحراء. مع ذلك هم محشوون بالنقود، هؤلاء القذرون! لكن المقصود المعونات الإنسانية، يلعن دين! طيب، فهمت. لهذا انخفضت عمولتي. 15% بدلاً من 20. ليس الأمر خطرًا. لإنقاذ الشعب... الأطفال الذين يموتون بالآلاف. مليون طفل؟ تقول مليون ونصف طفل سبق أن ماتوا، والحرب لم تبدأ بعد. بسبب الحصار؟ بسببنا؟ على كل حال لي 15% دومًا. اتفقنا، اتفقنا، سأكلم الرئيس. نعم، ستكون الحرب عما قريب. متى بالضبط؟ لا أستطيع قوله لك. نعم، هو سر من أسرار الدولة حتى هذه الساعة.
وأغلقت.
وهي تلتفت نحو زملائها الذين ينظرون إليها، ويعجزون عن إخفاء ابتساماتهم، انفجرت:
- مااااذااا؟ وبعد ذلك؟ أنا أيضًا لي شركائي، الإنساااانيوووون، ليس مثلكم الوحوش!
انفجروا كلهم ضاحكين.
ثم تمحور الحديث من جديد حول الشركات النفطية في تكساس التي أسهمها ستسقط، وهكذا سيمكنهم بيعها بالسعر الأعلى قبل الإعلان عن الحرب. عملها الرئيس ذات مرة عندما كان موظفًا في إحدى هذه الشركات، بعد أن علم بذلك من وثائق سرية وقعت في يده. قروش المالية ليسوا أفضل منهم، بشرط ألا يمسوا شركات الرئيس الوالد.


يتبع الفصل الرابع