الموازنة الجديدة وتحميل الكادحين فقط أعباء الأزمة


إلهامي الميرغني
الحوار المتمدن - العدد: 4849 - 2015 / 6 / 26 - 08:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     


تنص المادة (124) من دستور 2014 علي ان تعرض الموازنة العامة بكافة إيراداتها ومصروفاتها في نهاية شهر مارس.وفي ظل غياب مجلس النواب كان يفترض ان يطرح مشروع الموازنة للحوار المجتمعي وهو ما لم يحدث.
لكن أكتفت وزارة المالية بطرح ما اسمته " بيان مالي تمهيدي للموازنة " في مارس الماضي ولكنه لم يتضمن الأرقام الحقيقية للموازنة بل تضمن تقديرات وتم حوار محدود حول هذه التقديرات التي لم تتضمن قيمة العجز وقيمة الديون الجديدة التي ستضاف وبالتالي كان حواراً شكلياً بلا بيانات يمكن مناقشتها.ثم أعلنت الصحف موافقة مجلس الوزراء المصري في بيان له يوم 18 يونيه على مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2015- 2016 يتضمن عجزا قدره 9.9% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالرجوع لموقع وزارة المالية والإطلاع علي بيان الوزارة أتضح الآتي:
- إذا وضعنا في ا لاعتبار ما اعلنه البنك المركزي المصري من تجاوز معدل التضخم 13.1% فإنه يمكن أن نقول أن الموازنة الجديدة تعكس استمرار لنفس قيمة موازنة العام الماضي بل وأقل في بعض البنود.
- ارتفع حجم الموازنة العامة من 789.4 مليار جنيه في العام الماضي إلي 885 مليار جنيه في الموازنة الجديدة وارتفاع قيمة العجز من 241 مليار جنيه إلي 281 مليار جنيه ، ويمثل العجز 9.9% من الناتج المحلي 2015/2016 بينما كان يمثل 10% في العام الماضي. أي استمرار نفس نسبة العجز إلي الناتج المحلي وعدم طرح سياسات حقيقية لعلاج العجز.
- رغم ارتفاع مخصص الأجور في الموازنة من 207 مليار جنيه في العام الماضي الي 228 مليار جنيه في الموازنة الجديدة ظلت الأجور تمثل 26% من مصروفات الموازنة. وإذا أضفنا معدل التضخم كان يفترض ان تصل مخصصات الأجور إلي 234.2 مليار جنيه وهو ما لم يصل له المخصص الجديد.
- إذا أضفنا لذلك بدء تطبيق نظام الأجور الجديد المقرر بقانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015 سنجد أنه تم تثبيت الأجور سواء من حيث تأثير التضخم عليها أو من حيث أهميتها لإجمالي مصروفات الموازنة. إضافة لإلغاء العلاوة الإضافية السنوية التي كانت تصرف للموظفين وأصحاب المعاشات منذ عام 1987 وتوقفت مع الموازنة الجديدة .
- تثبيت قيمة الأجور المتغيرة للعاملين بالدولة والإبقاء علي التفاوت الكبير بين مختلف قطاعات الدولة بل وداخل الوزارة الواحدة وكأنه قدر محتم يضع بعض فئات الموظفين في مكانة متميزة ولا يلتزم بالحد الأدنى والاقصي للأجور.
- لا يزال 8.5 مليون من اصحاب المعاشات والمستفيدين لا يعرفون مصيرهم في ظل الموازنة الجديدة بعد توقف منح العلاوة الاجتماعية الاضافية التي كانت تشمل الموظفين وأصحاب المعاشات. وزادت معاناتهم مع ارتفاع اسعار السلع الغذائية والمرافق والخدمات العامة . بينما استولت الدولة علي أكثر من 750 مليار جنيه من صناديق المعاشات ولم توضح كيف سيتم ردها وكيف ستمول زيادة المعاشات.
- رغم أزمة التنمية التي تعيشها مصر استمر انخفاض المخصص للاستثمارات في الموازنة الجديدة بحدود 75 مليار جنيه ورغم الحديث المتكرر عن التنمية وتوفير فرص العمل انخفض نصيب الاستثمارات العامة لإجمالي مصروفات الموازنة من 9% في العام الماضي إلي 8% في مشروع الموازنة الجديدة.وهو ما يعكس استمرار نفس مخصص العام الماضي مع حساب قيمة التضخم والاستمرار في الاعتماد علي القطاع الخاص لتمويل استثمارات التنمية وهو ما لا يلتزم به القطاع الخاص أو يلتزم به مع فرض اسعار تفوق قدرات محدودي الدخل.
- كان المخصص للإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية المباشرة والبعد الإجتماعى في موازنة العام الماضي 431 مليار في العام الماضي تمثل 55% من مصروفات الموازنة وظلت ثابته عند 431 مليار في الموازنة الجديدة لتقل أهميتها لأجمالي المصروفات إلي 49%. وبذلك تم إهمال تأثير التضخم علي مخصصات الحماية الاجتماعية.
- لم يتم الاعلان عن تفاصيل الانفاق علي بند الدعم والذي تم تخفيضه العام الماضي برفع اسعار الكهرباء. وإن كان بيان وزارة المالية قد أوضح أن الشريحة الجديدة لأسعار الكهرباء لن تطبق علي من يقل استهلاكهم الشهري عن 200 كيلووات / ساعة إلا أنه تغافل توضيح نسب الزيادات الجديدة . فإننا نظل بحاجة لمعرفة توزيع هذه البنود.
- توضح بيانات مشروع الموازنة ان المخصص لدعم الخبز والسلع الغذائية قد ارتفع من 31.6مليار جنيه في العام الماضي إلي 38.4 مليار جنيه في الموازنة الجديدة. ولكن لازلنا بحاجة لمعرفة توزيع مصروفات دعم السلع التموينية ونسبته لإجمالي الانفاق علي الحماية الاجتماعية الذي انخفض من 13.5% في العام الماضي إلي 9% في الموازنة الجديدة.
- أوضحت بيانات التضخم الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن الانفاق علي الطعام والشراب زاد بنسبة 15.1% ، الانفاق علي النقل والمواصلات ارتفع بنسبة 21.5% و الانفاق علي التعليم ارتفع بنسبة 24.1% . بينما اضاف تقرير البنك المركزي عن التضخم في شهر مايو 2015 أن خدمات المی-;-اه ارتفعت بنسبة ٢-;-٫-;-٢-;-٠-;- % و ھو رابع ارتفاع خلال العام المالى ٢-;-٠-;-١-;-٤-;-/ ٢-;-٠-;-١-;-٥-;- وبذلك بلغت الزی-;-ادة التراكمی-;-ة في خدمات المياه فقط ٢-;-٠-;-٫-;-٠-;-٨-;- %.
- اتخذت الموازنة الجديدة اتجاه هام بتقليل الاعتماد علي المنح لتمويل إيرادات الموازنة من 23.5 مليار جنيه في العام الماضي إلي 2.2 مليار جنيه فقط في العام الجديد ولكن استمرت في الاقتراض لتمويل عجز الموازنة بما يزيد من أعباء الديون علي الجيل الحالي والأجيال القادمة.
- كما أن زيادة الانفاق علي الصحة والتعليم هو خطوة نحو الوصول للنسبة التي أقرها دستور 2014 وتحتاج إلي ربطها بمعدلات جودة الخدمة .كما أن إدخال معدلات التضخم في حساب الانفاق علي التعليم والصحة والمعاناة التي يعيشها المواطنين في الحصول علي هذه الخدمات والاحتجاجات المتوالية لمقدمي الخدمات التعليمية والصحية لتؤكد أن هذه المخصصات لازالت غير كافية . ويجب ان تحدد أهداف كمية لجودة التعليم والصحة يمكن متابعة تنفيذها والتأكد من تحققها.
- رغم زيادة الضرائب المتوقعة من 364.3مليار جنيه في العام الماضي إلي 422 مليار جنيه في الموازنة الجديدة وبحساب تأثير التضخم نجد ضعف نمو الموارد الضريبية وانخفاض أهميتها لتمويل إجمالي الموازنة. كما أن الحكومة قررت ايقاف زيادة الضرائب علي الدخل لشريحة 25% وفرض ضرائب تصاعدية علي الدخول وكذلك وقف تنفيذ ضريبة الارباح الرأسمالية بينما قررت استكمال خطوات تطبيق ضريبة القيمة المضافة والتي ستزيد الاعباء الضريبية علي الكادحين والطبقات الفقيرة.
توقعت الحكومة في بيانها المالي التمهيدي ان المقدر من الضريبة على القيمة المضافة أن يحقق ما يوازى ٣-;-٢-;- مليار جنيه وهي عبئ جديد علي كاهل الكادحين. والإبقاء علي الحد الاقصي للضريبة علي الدخل عند 22.5% مع توسيع قاعدة الممولين ليشمل قطاعات جديدة من الانشطة التي كانت لا تسدد ضرائب في السنوات الماضية.
إن أهم ما يميز موازنة العام الجديد انها استمرت في الاعتماد علي القطاع الخاص وأوكلت له الكثير من مهام التنمية في ظل السوق المفتوح ، إضافة إلي استمرار التمويل بالعجز والديون وبما يحمل الأجيال القادمة أعباء إضافية بدلاً من فرض ضرائب تصاعدية علي الدخول أو ارباح البورصة.كما ان الضريبة العقارية تطبق علي الشقق السكنية والمحلات والورش بينما ملايين الشقق المغلقة والخالية والآلاف الشاليهات لا تسدد عنها اي أنواع من الضرائب وبما يعكس استمرار نفس السياسات والانحيازات القديمة.
بعد أيام يبدأ تطبيق الموازنة الجديدة والتي لا يعرف موظفي الحكومة حتى الآن وضع أجورهم عن شهر يوليو القادم،وكذلك موظفي وزارة المالية المسئولين عن مراجعة مخصصات الأجور وطرق حسابها ، ويظل أصحاب المعاشات بانتظار تحديد مقدار علاوتهم السنوية.ولا تزال الديون المحلية والخارجية تتراكم لمواجهة عجز الموازنة ، ولا تزال الدولة مصرة علي التخلي عن دورها الاقتصادي وتركه للقطاع الخاص والاستثماري .
لذلك نري إننا لسنا بصدد موازنة جديدة ولكننا بصدد استمرار نفس السياسات والإنحيازات القديمة.
إلهامي الميرغني
25/6/2015