عالم جديد الفصل 2 فضيحة الفقر والحرمان مايور و بانديه


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4834 - 2015 / 6 / 11 - 13:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


ترجمة خليل كلفت و على كلفت
2
فضيحة الفقر والحرمان

لا شك في أن الفقر كان موجودا دائما، بل كان يُعتبر في وقت مضى قدرا لا مفر منه. أما في الوقت الحاضر فإنه بكل بساطة فضيحة، في عالم ينتج سلعا أكثر من المطلوب لإطعام كل سكانه بصورة لائقة(1). إنه تعدٍّ على كرامة الإنسان وشكل من أشكال الحرمان هو الأكثر خطورة إذ أنه يمكن أن يكون مصدرا للحروب والصراعات والعنف(2). والحقيقة أنه لا معنى لأي إستراتيجية للتنمية ما لم يكن هدفها، قبل كل شيء، القضاء على الفقر. ويقتضي النضال ضد الفقر اتخاذ تدابير سياسية شجاعة دون إبطاء في ثلاثة مجالات على وجه الخصوص: الديون التي تقع تحت وطأتها بلدان كثيرة في كثير من الأحيان نتيجة لنماذج التنمية الموحدة المفروضة؛ وملكية الموارد الطبيعية واستغلالها؛ ومشكلة التفاوت الضخم في توزيع الأراضي، مما يؤدي إلى مفارقة: أرض بدون بشر وبشر بدون أرض. ونحن لا يمكن أن نقنع ببلاغة تنادي بتغيير كل شيء دون أن تعبر عن نفسها في تدابير ملموسة. ويغدو من الضروري اليوم إحداث تغيير حقيقي في النضال ضد الفقر، تغيير بدون عنف، تغيير يستند إلى كل قوة الديمقراطية.
على أن العالم قد شهد إنجازات هائلة خلال العقود الأخيرة، وعلى سبيل المثال، انخفض معدل وفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمسة أعوام، في حين واصلت معدلات الالتحاق بالمدارس الابتدائية ومؤشرات اجتماعية أخرى تقدمها في معظم البلدان. ومنذ 1960، ارتفع نصيب الفرد من الدخل إلى أربعة أضعاف ونصف في شرق آسيا، وتضاعف في جنوب آسيا، وارتفع بنسبة 60% في أمريكا اللاتينية(3). ويشير برنامج الأمم المتحدة للتنمية في التقرير العالمي عن التنمية البشرية 1997 إلى أن الفقر قد انخفض في الأعوام الخمسين الماضية أكثر مما انخفض خلال القرون الخمسة السابقة.
غير أن العالم شهد أيضا زيادة هائلة للفقر منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين. ونحن نشهد الآن تفاقم التفاوتات على صعيد العالم، مصحوبة في معظم المجتمعات بزيادة في عدد الأفراد الذين يعيشون في حالة فقر مطلق. وفي البلدان النامية، كانت المناطق الأكثر تأثرا بالفقر هي أمريكا اللاتينية، وعلى وجه الخصوص جنوب آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء. وقد عانت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، بين 1980 و1989، انخفاضا تراكميا بنسبة 21% في نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي. وتدل أحدث البيانات المتعلقة بأفريقيا جنوب الصحراء على أن 266 مليون، من أصل 590 مليون من السكان، يعيشون الآن تحت خط الفقر(4). ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية فإن حوالي ثلث سكان البلدان الأقل نموا ـ وتقع غالبيتها في أفريقيا جنوب الصحراء ـ "محكوم عليهم إحصائيا بالموت في الأربعين من عمرهم"، وفي بلدان أوروبا الشرقية وكومنولث الدول المستقلة، ارتفع عدد الفقراء من 14 مليونا إلى 119 مليون بين 1988 و1994(5).
وفي فجر القرن الحادي والعشرين، يعيش أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة في فقر مدقع في مختلف أنحاء العالم، وبصورة خاصة في البلدان النامية، وتستمر أعدادهم في الزيادة(6). وأكثر من اثنين من كل ثلاثة فقراء من النساء. وفي تقرير عن حقوق الإنسان والفقر المدقع تم إعداده لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قبل أزمة 1997-1998، قدر لياندرو ديبوي Leandro Despouy أن 1.5 مليار شخص كانوا في حالة فقر مدقع، ويرتفع عددهم 25 مليون شخص على الأقل في السنة(7). ويحاول أكثر من ثلاثة مليارات فرد مجرد البقاء على أقل من دولارين في اليوم(8). ويفتقر مليار ونصف فرد إلى مياه صالحة للشرب، ولا يحصل أكثر من مليارين على أية رعاية صحية أولية. كما أن الأزمة المالية العالمية، التي اندلعت في آسيا في 1997، تدفع عشرات الملايين الآخرين من الناس بقوة إلى الفقر المدقع، في الوقت الذي يستمر إنتاج السلع والخدمات في الارتفاع على مستوى العالم(9).
وتفصل فجوة حقيقية بين الأغنياء والفقراء. ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، يتعين على أفقر 20% من سكان العالم أن يتقاسموا اليوم النسبة البائسة 1.1% من الدخل العالمي، مقابل 1.4% في 1991 و2.3% في 1960(10). وقد ارتفعت نسبة دخل أغنى 20% إلى دخل أفقر 20% من سكان العالم من 30 مقابل 1 في 1960 إلى 61 مقابل 1 في 1991، لتصل إلى النسبة المذهلة 82 مقابل 1 في 1995. وارتفع عدد مليارديرات العالم بالدولار من 157 إلى 447 بين 1989 و1996. واليوم تبلغ الملكية الصافية لأضخم عشر ثروات 133 مليار دولار، أيْ أنها أكثر من ضعف ونصف قيمة الدخل المحلي الكلي لكل البلدان الأقل نموا(11). ويملك أغنى ثلاثة أشخاص في العالم ثروة أضخم من الناتج المحلي الإجمالي الكلي لـ 48 من البلدان الأكثر فقرا، وتتجاوز ملكية أغنى 84 شخصا الناتج القومي الإجمالي للصين (1.2 مليار نسمة)(12). وعلى النطاق العالمي، صار عدم المساواة في توزيع الثروة أكثر منه داخل أي بلد(13).
ومن الناحية العددية فإن المجموعة الأكثر تأثرا بالإضافة إلى النساء هي مجموعة الأطفال. والواقع أن الفقر ونقص الطعام والمياه غير الصحية مسئولة عن وفيات عدة ملايين من الأطفال كل سنة(14). وبقدر ما تتقلص الموارد، يكبر حجم الأسرة. وينتج عن هذا أنه لا شك في أن ثلثي سكان العالم الذين يعيشون في حالة الفقر المطلق هم تحت الخامسة عشرة من العمر. وتغدو الآفاق المستقبلية لهؤلاء الشباب أكثر قتامة حتى مما كانت بالنسبة لآبائهم وأمهاتهم(15). وعلاوة على هذا فإن الفقر هو الذي يدفع الآباء والأمهات في أغلب الحالات إلى إرسال أطفالهم إلى العمل، وفي كثير من الأحيان في أوضاع لا تطاق. وعلى سبيل المثال فإنهم يمتنعون عن إرسالهم إلى المدارس حتى في الحالة الأكثر ملاءمة حيث يكون التعليم متوفرا للجميع مجانا. وتقدر اليونسكو أنه يوجد اليوم 130 مليون طفل في العالم لم يلتحقوا بالمدارس، وتبين تقديرات منظمة العمل الدولية أنه يوجد اليوم 250 مليون من الأطفال العاملين بين الخامسة والرابعة عشرة من العمر، نصفهم في حالة توظيف لوقت كامل. قبول عمل الطفل باسم المقتضيات الاقتصادية المزعومة ـ نفس تلك التي كان يجري استدعاؤها لتبريره في البلدان الصناعية في القرن التاسع عشر ـ أليس هذا تخليا عن هدف التعليم الأساسي للجميع والتعليم مدى الحياة؟ أليس هذا قبولا لإعادة إنتاج الفقر من جيل إلى آخر؟
والواقع أن الفقر كثيرا ما يتم توريثه: إنه يغدو بالتالي ثمرة ماضي الأسرة أو فوارق هيكلية كبرى. غير أنه أيضا نتيجة لدينامية جديدة، دينامية تفاقم عدم المساواة. إننا نشهد على سبيل المثال ظهور أشكال من الفقر لم يسبق لها نظير في البلدان الصناعية والنامية على السواء. وفي آذار/مارس 1999، انطلقت منظمة العمل الدولية من تقديرات أدت الأزمة الآسيوية وفقا لها إلى فقدان 24 مليون وظيفة في شرق آسيا. وبين 1996 و1998، من المحتمل أن البطالة تضاعفت في هونغ كونغ، والصين، والفليبين، وارتفعت إلى ثلاثة أضعاف في إندونيسيا، وكوريا الشمالية، وماليزيا(16). وهناك خبراء آخرون، منهم سيدني جونز Sidney Jones، بمراقبة حقوق الإنسان، تقلقهم نتائج الأزمة بالنسبة لملايين الآسيويين العاملين خارج بلدانهم الأصلية، وكذلك خطر أن يؤدي تدهور شروط معيشة أولئك الأكثر حرمانا إلى تفاقم في ظاهرة البغاء(17). وبالفعل، يعيش نصف سكان إندونيسيا والفليبين على حوالي دولارين في اليوم. وقد اهتمت دراسة حديثة للبنك الدولي بنتائج تقلص الدخل والنمو على الفقر في أربعة بلدان: إندونيسيا، والفليبين، وتايلندا، وماليزيا. وبحثت على وجه الخصوص تأثير تقلص بنسبة 10% في الدخل بين 1997 و2000، محددا خط الفقر بدولار واحد للفرد في اليوم بالنسبة لإندونيسيا والفليبين، وبدولارين للفرد في اليوم في تايلندا وماليزيا. وينتج عن هذه الفرضيات البديلة أنه في حالة عدم تغير توزيع الدخل، سوف يتضاعف الفقر في إندونيسيا ويرتفع ويتزايد بنسبة 35% إلى 50% في الفليبين وتايلندا وماليزيا. وفي حالة حدوث تفاقم في عدم المساواة بانخفاض بنسبة 10% في مُعامل جيني Gini coefficient (مؤشر يسمح بقياس مستوى المساواة في توزيع الدخل)، فإن احتمال الفقر سيرتفع إلى ثلاثة أضعاف في إندونيسيا ويتضاعف في تايلندا. وبالمقابل فإنه بتوزيع أكثر مساواة للدخل، في صورة ارتفاع بنسبة 10% في مُعامل جيني، فإن احتمال الفقر سوف يبقى في الواقع دون تغيير في إندونيسيا، والفليبين، وماليزيا، وسوف ينخفض في تايلندا(18).
ولم تعد الفجوة الاجتماعية الضخمة تفصل بين الشمال والجنوب فقط، بل توجد داخل كل بلد، لأن كثيرا من السمات المميزة لبلدان الجنوب يمكن أن توجد الآن داخل الشمال، كما أن كثيرا من الخصائص المميزة لبلدان الشمال يمكن أن توجد داخل الجنوب. وفي البلدان النامية، نلاحظ في كثير من الحيان ظهور طبقة متوسطة تجني ثمار التنمية حتى عندما يتفاقم في الوقت نفسه وضع أولئك الأكثر فقرا. ووراء المتوسطات الرسمية، تختفي كثرة هائلة من أشكال عدم المساواة في توزيع الدخل. ووفقا لآلان ب. دورننغ Alan B. Durning، من معهد المراقبة العالمية، فإنه "في أغلبية البلدان، يكسب 60% إلى 70% من السكان أقل من المتوسط القومي. وفي الأغلبية الساحقة من البلدان، لا يتلقى خُمْس الأسر الأكثر فقرا حتى نسبة 10% من الدخل القومي، في حين يتلقى الخمس الأكثر غنى النصف عادة. ومنذ 1950، تتسع الفجوة بين الأمم الغنية والفقيرة، بصورة رئيسية لأن الأغنياء ازدادوا غنى. غير أنه منذ 1980، في بلدان نامية كثيرة، بدأ الفقراء أيضا يزدادون فقرا(19).
وفي البلدان الصناعية يعيش أكثر من 100 مليون شخص في فقر مالي في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وحدها، والتي يعيش فيها أيضا 37 مليون عاطل وأكثر من 100 مليون متشرد، وهذا رقم مرتفع بصورة فاضحة بالنسبة للبلدان الغنية20. ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، يوجد في لندن 400 ألف شخص تقريبا من المتشردين(21). وعلى مدى عشرين سنة "ارتفع عدد الوظائف في البلدان الصناعية بنسبة نصف معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي فقط وفشلت في مواكبة زيادة السكان العاملين، مما أدى إلى حرمان الشباب وبصورة خاصة النساء(22). غير أن مدى انتشار الفقر البشري في البلدان الصناعية ليست له أي علاقة آلية بمستويات الدخل والتوظيف. وعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة، حيث يتمتع السكان بأعلى نصيب للفرد من الدخل على أساس أسعار تعادل القوة الشرائية في 17 من البلدان الصناعية التي قام برنامج الأمم المتحدة للتنمية بدراستها، وحيث، وفقا للإحصائيات الرسمية، يعاني من البطالة حوالي 5% فقط من السكان العاملين، هي أيضا البلد الذي يعاني من أوسع انتشار للفقر البشري، الذي يشمل 16.5% من السكان. وتُظهر هولندا والمملكة المتحدة، اللتان تتمتعان بنصيب متماثل للفرد من الدخل، مستويين بالغي الاختلاف للفقر: 8.2% و15% على التوالي. وضمن الـ 17 من البلدان الصناعية فإن السويد هي البلد الذي نجد فيه أن الفقر البشري هو الأقل انتشارا، بنسبة 6.8%(23). ومن الجلي تماما أن مستوى الفقر في البلدان الصناعية يتوقف على مستوى تدخل الدولة، وسياسات إعادة التوزيع، وكذلك على طبيعة وفاعلية التدابير المعتمدة. وفيما يتعلق ببقاء الديمقراطيات الناشئة فإنه يتوقف أيضا على كفاءتها الاقتصادية، ولكن بالأخص على كفاءتها السياسية في الاستجابة لتحدي الفقر.
وللفقر أيضا تأثيره على صداقة البيئة. ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن "حوالي ثلاثة أرباع أفقر فقراء العالم يعيشون في المناطق الريفية، ويعتمدون على الزراعة كمورد للرزق"(24). ويعيش أكثر من 500 مليون من الفقراء في مناطق هشة إيكولوجيا. ومن المحتمل أن يزداد هذا الموقف سوءا بقدر تشجيع النمو الديموغرافي على استغلال أكثر كثافة للأراضي، مما يؤدي في كثير من الأحوال إلى انخفاض الغلة، وتتراجع فرص التنمية المتواصلة مع إجبار السكان المحرومين على النضال من أجل تأمين بقائهم في حين يتم تسليم مساحات شاسعة من الأراضي للنشاط الصناعي الجامح الذي لا يفيد السكان المحليين أنفسهم. وكما يشير آلان دورننغ، فإن "الحرمان الاقتصادي والتدهور الإيكولوجي يجتمعان ويشكلان دوامة حلزون هابط تهدد بابتلاع المزيد والمزيد من الضحايا إلى الأبد"(25).
وأسباب هذا التفشي الجديد للفقر هي، أولا وقبل كل شيء، اقتصادية: المديونية الخارجية المتزايدة؛ برامج التكيف الهيكلي غير الملائمة؛ والانتقالات الاقتصادية التي يجري تنفيذها بأساليب فظة والتي تقوم على فرضيات خاطئة؛ وعدم المساواة في الثروات بين المدن والأرياف؛ والعجز عن إقامة نظم منخفضة للضرائب؛ وعدم مراقبة التدفقات الرأسمالية على النطاق العالمي، إلخ. وفي كثير من الأحيان تتفاقم هذه التغيرات بالنمو السكاني السريع. كما أن العولمة التي تنشأ، كما يقول جان پول فيتوسِّي Jean-Paul Fitoussi، نتيجة لخيار سياسي "بقدر ما يكون رفض تنظيمها خيارا سياسيا، ليست بعيدة عن زيادة الفقر وعدم المساواة. والواقع أن العولمة المالية تفاقم الفوارق الهيكلية لأنها تفضي إلى تقسيم جديد بين الأرباح والأجور في غير صالح الأجور، في البلدان الصناعية على الأقل. وفي الوقت نفسه، تفاقم عولمة الأسواق الفوارق الدينامية للأجور والتوظيف، مما يوسع الفجوة بين العمال المهرة والعمال غير المهرة(26). ووفقا لدانييل كوهن، فإن انفجار عدم المساواة تفسره أيضا نتائج الثورة الصناعية الثالثة، التي ترتبط بنمو وازدهار علم المعالجة الآلية للمعلومات وتقنيات الإنتاج الجديدة. ويفضي هذا إلى ازدهار منطق "التقسيمات التمييزية الانتقائية" appariements sélectifs، أي إلى انفجار عدم المساواة داخل كل شريحة عمرية وكل فئة اجتماعية مهنية. ومن هنا فإن الفوارق الصغيرة في المؤهلات بين العمال، في عالم العمل، تعبر عن نفسها من الآن فصاعدا في تفاوتات هائلة في الأجور والناتج. وينتج عن هذا تقسيم تمييزى للعمال وفقا لمستوى مهاراتهم، وفجوة ماثلة بين النخبة وبقية كاسبي الأجر. كما أن هذه التفاوتات في الأجور والإنتاجية ملحوظة أيضا بين البلدان ذات المستويات المختلفة من التأهيل(27).
ونتيجة لمجموع من العوامل نشهد، وفقا لتعبير فيليپ إنجلهارت Philippe Engelhard، "انفصالا سافرا بصورة متزايدة بين النمو وتحسين الرفاهية الاجتماعية". ولكن، كما يتساءل هذا الخبير نفسه "هل هناك أيّ معنى لنمو لا يعني غالبية السكان"(28) ؟ على أن الفكرة القائلة بأن النمو غير متكافئ بالضرورة فكرة خاطئة تماما: في جمهورية كوريا، على سبيل المثال، تحقق النمو بصورة مساواتية نسبيا، كما حققت ماليزيا إنجازات كبيرة في هذا المجال: في 1993، كان 14% فقط من سكانها فقراء، مقابل 60% في 1970(29). وفي الصين، هبط معدل الفقر من 66% إلى 22%(30). وكما يلاحظ فيليب إنجلهارت فإن المسألة التي تطرح نفسها في الحقيقة "ليست معرفة ما إذا كان النمو غير متكافئ بقدر ما هي ما إذا كان يتيح للأكثر فقرا تحسين وضعهم".


أطفال الشوارع
"في هذا العالم الصغير الذي يعيش فيه الأطفال حياتهم ... لا شيء يمكن إدراكه بدقة أكثر ولا الإحساس به بعمق أكثر من الظلم".
تشارلز ديكنز ("آمال كبيرة"، 1861)
منذ وقت مبكر مثل 1986، قدر اليونيسيف أن أكثر من ثلاثين مليون طفل يعيشون في الشوارع. ويرتفع عددهم كل يوم، بسبب الهجرة من الريف، والنمو الوحشي للمدن، وتفكك الهياكل الأسرية التقليدية وتفشي الأشكال المطلقة للفقر. وتؤكد أحدث تقديرات اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية وجود 100 مليون من أطفال الشوارع، منهم 40 مليونا في أمريكا اللاتينية، ومن 25 إلى 30 مليونا في آسيا، و10 ملايين في أفريقيا. وعلى العكس من فكرة سائدة فإن أطفال الشوارع ليسوا بالضرورة أيتاما أو هاربين من منازل أسرهم. فبعضهم لهم آباء و/أو أمهات ومسكن، غير أنه لا مناص في كثير من الأحيان من أن تقيم أسر المهاجرين في مدن الصفيح حيث مساحة المسكن محدودة بصورة خاصة. ويجد الأطفال أنفسهم في الشارع، مطاردين بالبؤس، أو المعاملات السيئة، أو سوء المعاملة الجنسية، أو يلقيهم آباؤهم و/أو أمهاتهم على الأرصفة للتسول.
وتمثل معاناة أطفال الشوارع أحد التجليات الأكثر فظاعة وظلما للفقر والحرمان. فأطفال الشوارع هم الضحايا المجهولو الأسماء للامبالاة المعممة، وهم مرغمون أن يعيشوا محرومين من كل أمن، وفي كثير من الأحيان في اشد أحوال العوز، وبدون إمكانية للالتحاق بالمدرسة أو بعالم العمل. وفي كثير جدا من الأحيان، يتجهون إلى المخدرات، وبصورة خاصة إلى استنشاق المذيبات المسببة للهلوسة مثل الغراء، بآثاره المرضية الخطيرة جدا على آليات المخ. ويسهم إدمان المخدرات في المزيد من تهميشهم ويمثل خطرا بالغا على صحتهم خاصة وأنه ليس لديهم أي قدرة على الحصول على الخدمات الصحية. ويكون عليهم أن يواجهوا مخاطر جسيمة: سوق البغاء، عصابات المخدرات، وتجعلهم المنظمات الإجرامية ضحاياها المفضلين أو تستخدمهم كأدوات. ويمكن أن ينتهي بهم الأمر إلى الإعدام على أيدي قتلة مأجورين أو على أيدي "فرق الموت"، الذين تدفع لهم عادة جمعيات غير رسمية لتجار أو رجال أعمال، يسعون إلى "التنظيف اجتماعيا" لوسط المدينة وأحياء الأعمال أو التسويق. وتفرض نفسها إجراءات لحل مشكلة أطفال الشوارع، لأنه بدون ذلك ـ كما تشدد سوزانا أجنيللي Susanna Agnelli في التقرير الموجه إلى اللجنة المستقلة بشأن المسائل الإنسانية الدولية، فإن "عددهم سوف يرتفع بالتناسب مع نمو المدن الكبرى، وإحباطهم وما يولده من عنف بالتناسب مع عوزهم الشديد".
وعلى الحكومات، لكي توسع نطاق عملها إلى الحد الأقصى، أن تبذل قصارى جهدها من أجل
التطبيق الملموس لأحكام الاتفاقية الخاصة بشئون الطفل، التي تم التوقيع عليها في تشرين الثاني/نوفمبر 1989 وتم التصديق عليها في أيلول/سبتمبر 1990، ومن اجل علاقات بناءة بصورة أكبر لهذا الغرض مع القطاع الخاص ومع القطاع الذى لا يهدف إلى الربح، خاصة المنظمات غير الحكومية. ويجب أن تحقق المدارس الابتدائية المزيد من الاندماج في المجتمع المحلي، وينبغي تقديم المزيد من التشجيع للاتصالات بين أولياء الأمور والمدرسين، وأن يتم، بصورة أفضل، إدراك دورها في نمو الطفل وحفز أولياء الأمور. وينبغي العمل ليس بدافع الإحسان أو بالدافع الوحيد المتمثل في المساعدة الإنسانية، إذ أنه لا يمكن أن يشكلا سوى معيارين عابرين، بل عن طريق قرارات سياسية ومعايير ملموسة في الموازنات (0.05% من الناتج المحلي الإجمالي خلال ست سنوات على سبيل المثال)، بدعم من البرلمانات والنقابات والجمعيات. وعلينا أن نعمل جميعا معا من أجل التغلب على هذا العار الجماعي.
والحقيقة أن التدريب المهني لكل الأشخاص ـ العاملين الاجتماعيين، الأطباء، الممرضات، الموظفين، رجال الشرطة، إلخ ـ الذين من المحتمل أن يدخلوا في صلة مع أطفال الشوارع، يجب أن يتضمن إلماما بهذه المشكلة. كما أن أطفال الشوارع يجب أن تتكفل بهم جمعيات وروابط الأحياء، والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات المختصة، مع الدعم المالي للحكومات والجهات المانحة الدولية. ويجب أن تتضاعف الأطر التي تتيح لهؤلاء الأطفال الخلاص من بؤسهم. كما يجب أيضا أن تكون هذه الأطر مصممة بذكاء: ينبغي أن نتفادى بقدر الإمكان الأطر المغلقة من نوع المدرسة الداخلية أو "الإصلاحية" التي من خلال تحويلها أطفال الشوارع إلى "منبوذين" ـ تجعل من الصعب جدا إعادة دمجهم بعد أن يكبروا. وكما أوضح فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt، في خطابه في فيلادلفيا في 20 أيلول/سبتمبر 1940، "ليس بوسعنا دائما أن نُعِدّ المستقبل لأطفالنا، غير أن بوسعنا دائما أن نُعِدّ أطفالنا لمستقبلهم".
المصادر:
Dans la rue avec les enfants, Programmes pour la réinsertion des enfants de la rue, UNESCO/BICE, 1995. A one-way street ? Report on phase I ofthe street children project, Programme on substance abuse, WHO, 1993. Convention relative aux droits de l enfant, UNICEF, 1989. Les enfants de la rue, Rapport à la Commission indépendante sur les questions humanitaires internationales, 1986. International Herald Tribune, 23/5/95. Rapport mondial sur le développement humain, PNUD, 1993.
القياس الصحيح للفقر
وفقا للاقتصادي الهندي أمارتيا سين، الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد لعام 1998، يجب أن نميز بوضوح بين الفقر المطلق، الذي لا يستطيع الفرد تحت مستواه أن يصل إلى توفير حاجاته الأساسية، والفقر النسبي، الذي يتحدد بعدم المساواة الاجتماعية والإحساس بامتلاك موارد مادية أقل بالمقارنة مع الآخرين. وعندما تصير البلدان أكثر غنى فإنها تتصور بطريقة مختلفة مستوى الحد الأدني المقبول للاستهلاك، وهو ما يحدد خط الفقر. ويرى أمارتيا سين أيضا أن قابلية الفرد للتأثر ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار: إن الفقر مرتبط بدرجة المعاناة المعنوية الذي يسببها(31). وبالتالي فإن قياس عدم المساواة والفقر يعتمد على اختيار متغيرات متنوعة جدا وبالغة الذاتية أحيانا، سواء من حيث الدخل أو الثروة أو حتى السعادة. ويتمثل التحدي الحقيقي فيما يتعلق بالفقر في زيادة قدرة الأفراد على الاختيار وبالتالي حريتهم(32).
ويفسر تحليل أمارتيا سين الصعوبة البالغة في التوصل إلى تقدير يعتمد عليه للفقر. وفي الوقت الحالي، يجري استخدام ثلاثة معايير أساسية لقياس الفقر: مدى انتشار الفقر، وهو الذي يقدر نسبة الأسر الفقيرة أو الأفراد الفقراء إلى العدد الكلي للأسر أو الأفراد؛ ومدى عمق الفقر، وهو الذي يقيس متوسط تفاوت الدخل لكل فقير بالمقارنة مع خط الفقر؛ وعدم المساواة في الفقر، وهو الذي يميز مختلف درجات الفقر ويقترح إن جاز القول مقياسا للفقر(33).
غير أن مشكلة مدى دقة هذه المعايير وما إذا كان من الممكن إجراء مقارنات موثوقة على نطاق عالمي تظل قائمة. وعلى سبيل المثال، يبين پيير سلاما Pierre Salama وجاك ڤ-;---;--الييه Jacques Vallier أن إحصائيات الدخل لا تأخذ في اعتبارها بصورة كافية الاستهلاك الذاتي والتضامن الإثني، وهما مهمان بصورة خاصة في البلدان الأقل نموا، ويؤدي هذا إلى المبالغة في تقييم الفقر في هذه البلدان. ولهذا فإن استعمال بيانات ملائمة بقدر الإمكان يغدو أساسيا لمعرفة واستيعاب الحقائق الجديدة للفقر. والأمم المتحدة مدركة لهذه المشكلة: يشدد التعهد 2 لقمة كوبنهاغن للتنمية الاجتماعية الذي يتعلق بالقضاء على الفقر، على حاجة كل بلد ليس فقط إلى الإعداد على المستوى القومي لطرق ومؤشرات لقياس كل صور الفقر (وعلى وجه الخصوص الفقر المطلق)، بل أيضا إلى تقييم ومتابعة وضع السكان الذين يعيشون في حالة من عدم الاستقرار(34).
وعلى كل حال فقد شدد مورجينشتيرن Morgenstern، بكل حق، على أن درجة دقة بعض المؤشرات كانت في كثير من الأحيان غير متناسبة مع المعلومات التي نحتاج إليها بالفعل من أجل التنبؤ والعمل(35). على أن الأهم من قياس الفقر هو قياس القدرة على القضاء على الفقر. وكما يتساءل فيليب إنجلهارت: "هل يمكن أن يكون قياس كمي للقدرة على إعادة دمج السكان المهمشين أو المحرومين أن يكون معيارا حقيقيا للأداء"(36)؟ حقا ما أهمية أن ينمو الناتج القومي الإجمالي بمعدل 2% أو 3% أو 5% إذا كان لا يستفيد من هذا النمو سوى أقلية ضئيلة من السكان، كما يحدث اليوم في بلدان عديدة؟
مبادرات للنضال ضد الفقر
إذا كان من الصعب قياس الفقر فلا يجب أن يمنع هذا من التنفيذ الفوري لإستراتيجيات رامية إلى القضاء عليه وإلى تخفيف معاناة المحرومين. ووفقا للبنك الدولي، لم يتجاوز نقل الموارد الضرورية لإزالة الفقر في العالم 3% من الاستهلاك الكلي للبلدان النامية في 1985، في حين أن نسبة 1% كانت تكفي لإزالة الفقر الشديد(37). وفي فترة أحدث قدر برنامج الأمم المتحدة للتنمية أن استثمارا سنويا قدره 40 مليار دولار بين 1995 و2005، أيْ أقل من 0.2% من الدخل العالمي، سيكون كافيا لتمكين كل السكان في البلدان النامية من الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية ـ الصحة، المياه، التعليم الابتدائي(38). فهل يتجاوز هذا الاستثمار طاقتنا، في حين أننا نعلم أن استهلاك السجائر في أوروبا وحدها يمتص 50 مليار دولار كل سنة(39)، وأن الأمريكيين ينفقون كل سنة 5 مليار دولار على منتجات النظام الغذائي الخاص بتقليل ما يستهلكون من سعرات حرارية، في حين "يعاني 400 مليون من البشر من سوء التغذية إلى درجة تؤدي إلى تدهور للبدن والروح"(40). وكما يشدد والى نداو Wally N Dow، الأمين العام لقمة المدينة (الموئل 2)، فإن "الموارد متوافرة للإمداد بمأوى، ومياه نظيفة، وتجهيزات صحية أساسية، بتكلفة تقل عن 100 دولار للفرد لكل رجل، وامرأة، وطفل، على ظهر الكوكب". ويمثل هذا الإنفاق ما يتراوح بين 130 و150 مليار دولار، بالنسبة للفقراء الذين شملتهم الإحصائيات الدولية وحدهم. ولنتذكر، على سبيل المقارنة، أن الإنفاق العسكري يمثل، وفقا للتقديرات، من 690 إلى 800 مليار دولار في السنة على المستوى العالمي. لقد انتهت الحرب الباردة ومع ذلك فإننا ما نزال نواصل الاستثمار بكثافة في التسليح بدلا من الاستثمار بطريقة وقائية في بناء السلام.
لقد ظل القضاء على الفقر مطروحا على جدول الأعمال على مدى أكثر من 150 سنة! فهل يجب أن ننتظر من جديد قرنا ونصف قبل أن نقضي عليه؟ على أن الحلول موجودة، وتبين مبادرات واقعية الطريق الذي ينبغي السير فيه. ويؤكد تقرير ماريز جودييه Maryse Gaudier، بمنظمة العمل الدولية، أن "بلدانا كثيرة قامت، بمساعدة المؤسسات الدولية الكبرى، بإعداد برامج تعويضية بهدف مساعدة الفقراء وحماية المجموعات المعرضة للخطر. ومن جهة أخرى، ففي بعض البلدان النامية، وخاصة في أمريكا اللاتينية، بدأت استثمارات بهدف التوفيق بين الأمن الاجتماعي واحتياجات مجموعات السكان الأكثر تأثرا بنتائج الأزمة الاقتصادية والتكيف. وقامت بلدان متباينة مثل بنغلاديش، والهند، وليسوتو، وتشيلي، بطرح برامج للتوظيف العاجل بهدف تأمين انتقال للدخل إلى الأسر التي تعاني من الفقر المطلق. وفي البلدان الصناعية، تم اتخاذ تدابير النضال ضد الفقر، بصورة أساسية في شكل برامج خاصة لضمان موارد ومشروعات بهدف الدمج المهني والاجتماعي. وأمام عدم كفاية هذه السياسات، شهدنا أيضا مضاعفة المبادرات الخاصة ذات النظم الطوعية التي لا تهدف إلى الربح، كما هو الحال في البلدان النامية"(41).
كما يلعب الحصول على الائتمان دورا أساسيا في دمج أولئك الذين جرى حرمانهم من نظم التمويل التقليدية في الحياة الاقتصادية، وتمكينهم من لعب دور فعال في تنفيذ سياسات التنمية. وقد شدد المجلس التنفيذي لليونسكو على الحاجة إلى إقامة مؤسسات تيسر لأفقر فئات سكان العالم الحصول على الائتمان، وإيلاء اهتمام خاص لحاجات النساء والمجموعات المحرومة. والمثل الأوسع شهرة لمثل هذه المؤسسة هو بنك جرامين Grameen Bank في بنجلاديش، وقد أسسه محمد يونس في 1983. واليوم تقوم هذه المؤسسة البنكية التي تتخصص في الائتمان الصغير، بإقراض أكثر من مليونين من سكان الريف، 94% منهم للنساء، بمعدل سداد للقروض يزيد على 98%(42). وقد شدد محمد يونس على أن بنك جرامين لم يتلق أية مساعدة دولية في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وأنه يغطي كل تكلفة التشغيل من موارده الخاصة، وأنه يوظف 000 13 شخص. وفي قمة بكين، 1995، قامت اليونسكو وبنك جرامين بتوقيع مذكرة تفاهم تدعو اليونسكو إلى أن تقدم لعملاء هذا البنك برنامجا تعليميا دائما يتركز على أنشطة الحياة اليومية، وتعليم القراءة والكتابة، والصحة. وهناك مبادرة مثيرة أخرى قامت بها شركة الاستثمار والتنمية الدولية في فرنسا، وقد أنشئت أيضا في 1983. وتدار هذه الشركة كصندوق استثمار مشترك يتنازل فيه حملة الأسهم عن أيّ دخل يتجاوز معدل التضخم، حيث يعاد استثمار فائض القيمة للمساعدة على إنشاء مشروعات في البلدان الفقيرة()43.
والحقيقة أن كل إستراتيجية طويلة الأجل للنضال ضد الفقر يجب أن تقوم على دعامة أساسية: التعليم. إذ أن الغالبية الساحقة من الفقراء محرومون من الحصول على المعلومات والمعارف التي يمكن أن تساعدهم على الخلاص من وضعهم. ويعني النضال ضد الفقر السيطرة على تقديم اختيارات للأفراد، يعني منح كل مواطن فرصة السيطرة على مصيره، يعني منح كل امرأة وكل رجل إمكانية المشاركة بنشاط في الحياة العامة المحلية والقومية. ومن هذا المنظور، تمثل زيادة قيمة الموارد البشرية وتكييف نظم التعليم والتدريب أولويات لكل برنامج للنضال ضد الفقر(44). كما أن كل هذا يجعل من الضروري اتباع نهج جديد لتعليم الكبار، نهج يستند بصورة خاصة إلى الاحتمالات الجديدة للتوظيف في مجالات متنوعة مثل حماية البيئة، أو تنمية الطاقات المتجددة، أو إدارة المياه والموارد الطبيعية، أو السياحة البيئية الثقافية والطبيعية، أو أيضا الاتصالات وشبكات التليفزيون، مع ازدهار البرامج باللغات المحلية. وكما يشدد أحدث تقرير للحكومة البريطانية بشأن القضاء على الفقر، فإن لدى الفقراء وسائل تتمثل سواء في مهاراتهم، أو مؤسساتهم الاجتماعية، أو ثقافتهم، أو المعرفة التي يملكونها عن بيئتهم(45). والتحدي الذي يواجهنا هو العمل بطريقة تكفل لهذه الوسائل الاعتراف وزيادة القيمة.
ويجب أن تعتمد الدول، قبل كل شيء، على قواها الخاصة، ومن الأساسي، من هذا المنظور، أن تعدّل البلدان أولوياتها بنفسها. وبمستطاعها أن تكسب كل شيء بتمويل التعليم بنفسها كلما كانت قادرة على هذا بدلا من اللجوء إلى قروض تكلفها غاليا جدا في الأجل الطويل. وكانت الهند، التي يعيش فيها أكثر من ثلث الأميين في العالم، قد تعهدت في 1933 بزيادة النصيب المخصص للتعليم من ناتجها المحلي الإجمالي إلى 6% في 2000-2005. والنتائج التي تحققت إلى الآن ممتازة: فقد ارتفع من حوالي 1.9% إلى أكثر من 3.5%. وعلاوة على هذا، قامت الهند بمحو أمية 64 مليون من الكبار بين 1989 و1997. وفي بنغلاديش، ارتفع معدل الالتحاق بالتعليم الابتدائي بين 1990 و1996 من 60% إلى 78%، في حين انخفض معدل التسرب من التعليم المدرسي من 60% في 1990 إلى 37% في 1996. ويجب أن يتيح التعليم الثانوي التأثير في عامل آخر يرتبط ارتباطا وثيقا بالفقر: الزيادة الديموغرافية. ووفقا للبنك الدولي، فإن الأمهات اللائي لم يلتحقن قط بالمدرسة لديهن في المتوسط 6.5 أطفال، مقابل 2.5 بين أولئك اللائي واصلن التعليم الثانوي(46). والحقيقة أن التعليم هو أفضل وسيلة لتنظيم المواليد والمباعدة بين الولادات. ومن أجل السيطرة على الزيادة الديموغرافية، ينبغي فتح مدارس، ومعاهد وجامعات: هذه هي، وبصورة أضمن بما لا يقاس، افضل "موانع الحمل".
وفي سبيل النضال ضد الفقر، ينبغي إذن توسيع نطاق الخيارات وليس فرضها بالإكراه. ويتمثل التحدي الحقيقي في تدريب السكان الفقراء دون توجيههم نحو الأعمال القليلة الشأن أو الحرف المهددة بالانقراض. ولهذا ينبغي إجراء إصلاح حقيقي للتعليم يتمحور حول النوعية والكفاءة: سيكون على مدارس المستقبل أن تقوم بتعليم التعلم وتعليم المشاركة. ومن أجل الانتقال إلى مجتمع المعرفة وإلى المعرفة للجميع، يجب أن نضمن لمجموعات السكان الأكثر حرمانا فرص الوصول إلى التعليم العالي، وفقا لجدارتهم كما تنص المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد شدد جاك ديلور Jacques Delors على هذه النقطة عندما قال: "المجتمع غير القادر على أن يضمن للجميع الوصول المتساوي إلى وظائفه الأساسية، وبصورة خاصة إلى التوظيف أو النشاط، إنما هو مجتمع يفقد تماسكه"(47).
ولهذا تلعب اليونسكو، من خلال عملها في المجال التعليمي، دورا لا يمكن إنكاره في النضال ضد الفقر. فهي تتصدى للمشكلة على جبهتين: جبهة التعليم الأساسي، وهو دور لا غنى عنه إذا أريد لكل فرد أن يكون قادرا على الاندماج في المجتمع والتقدم فيه؛ وجبهة التعليم الدائم للجميع الذي يتمثل الهدف منه ليس فقط في إعداد أفراد لتطورات الاقتصاد، بل يتمثل قبل كل شيء في أن يُضمن للجميع فرصة اكتساب المؤهلات التي لا غنى عنها للحصول على مكان في المجتمع. ويتمثل هدف اليونسكو أيضا في مساعدة كل فرد، عن طريق التعليم، على تحقيق ذاته، لأنه بدون احترام وتقدير النفس، لا يمكن النجاح في تحقيق أي شيء. ولن يكون بمقدورنا أن نتعلم أن نعيش معا إلا إذا أدركنا أننا جميعا متساوون، وتوحدنا مجموعة من القيم المشتركة، وإن كنا مختلفين تماما في الوقت نفسه. وفي هذا السياق، تدعم اليونسكو تكامل الأقليات الثقافية، التي تكون في كثير من الأحيان أول ضحايا الفقر.
وباختصار، لا تتمثل المشكلة اليوم في تخفيف حدة الفقر الذي أحدثته دينامية للنمو غير المتكافئ من خلال تدابير غير فعالة للطوارئ أو المساعدة، بل تتمثل بالأحرى في "جعل النضال ضد الفقر رافعة من روافع النمو، بالمراهنة على عمل طويل الأجل"(48). ومن المؤسف أنه لا مناص من التسليم بأن مجتمعاتنا تعاني من عدم مبالاة تجاه المستقبل ومن قصر نظر زمني، وهما أمران في غاية الخطورة. فنحن نواصل توظيف استثمارات مفرطة في الأسلحة، ومغامرات في الفضاء، وفي سلع مادية غير ضرورية، في حين أننا ينبغي أن نستثمر في أبحاث الأمصال ضد الأمراض، وفي النضال ضد الإيدز والبريون prions، وفي البرامج الخاصة بأطفال الشوارع، وفي المحافظة على البيئة. إن المسئولية التي تقع على عاتقنا مفزعة وإذا ظللنا سلبيين إزاء النتائج المنطقية للفقر فإن أطفالنا وأحفادنا هم الذين سوف يلوموننا على إحجامنا عن أن نتخذ في الوقت المناسب التدابير التي فرضت نفسها.
وينبغي بالتالي أن نعمل على الفور، متخذين قرارات سياسية جريئة. وللقيام بهذا، ينبغي تعزيز الثقة بدلا من تدميرها: إذ أنه لن تحدث تنمية متواصلة بدون ثقة، وبالتالي بدون درجة من التماسك الاجتماعي، الذي يعطي "معنى" بالسماح لنا بإثبات أنفسنا إزاء الآخرين وإزاء العالم. ويجب أن ندرك أن الفقر، والعنف، وعدم الاستقرار، عمليات تعمق بعضها البعض بصورة متبادلة وأن القضاء على الفقر يشكل تحديا رئيسيا أمام مستقبل الديمقراطية، الذي يتوقف على مشاركة كل المواطنين، بلا استثناء.
دور المجتمع الدولي
على أن المساعدة الآتية من البلدان الغنية يجب أن تذهب في المقام الأول إلى مشروعات تعدها البلدان المستفيدة بنفسها. ويجب أن يبدي المجتمع الدولي تضامنه، خاصة بإعادة النظر في مشكلة سداد ديون البلدان الأكثر فقرا. وبالفعل، تشير دراسة أجراها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى أنه فيما بين 2005 و2014، إذا لم يتم عمل شيء، ستمثل خدمة الديون المتعددة الأطراف وحدها أكثر من 10% من صادرات 23 من البلدان الفقيرة؛ وبالنسبة لسبعة بلدان فقيرة أخرى سيتجاوز المعدل 20%(49). ولم يعد من الممكن قبول رؤية حد أدنى للتعاون الدولي. وقد آن الأوان لأن نتحلى بشجاعة أن نخفض بصورة جذرية وبلا إبطاء، خاصة في البلدان الأقل نموا وفي أفريقيا، عبء الديون، ثنائية كانت أو متعددة الأطراف.
وبهذا الصدد، تسعدني الجهود المبذولة بالفعل في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون الرامية إلى إسقاط ما يصل إلى 80% من الدين العام لواحد وأربعين من البلدان الفقيرة المثقلة بشدة بالديون. وفي نيسان/إبريل 1999، استفادت من هذه المبادرة سبعة بلدان هي: بوليڤ-;---;--يا، وبوركينا فاسو، وكوت ديڤ-;---;--وار، وغويانا، ومالي، وموزمبيق، وأوغندا. وفي وقت أحدث، في حزيران/يونيه 1999، قررت بلدان مجموعة السبعة، في إطار مبادرة كولونيا، إسقاط حوالي 70 مليار دولار أخرى من ديون البلدان الأكثر فقرا، وتتطلع هذه المبادرة بصورة خاصة إلى زيادة عدد البلدان المستحقة لخفض ديونها من تسعة وعشرين بلدا في الوقت الراهن إلى ستة وثلاثين بلدا. وإلى خفض عدد السنوات التي سيكون على هذه البلدان المستحقة أن تلتزم خلالها بسياسات التكيف الاقتصادي إلى النصف، أيْ من ست سنوات إلى ثلاث سنوات. وعلاوة على هذا، سوف يتعين استخدام أية أرباح مرتبطة بخفض الديون في تمويل نفقات التعليم والصحة. وبوجه عام فإن مجموعة تدابير تخفيف الديون يجب أن تسمح بخفض القيمة الاسمية لديون البلدان الأكثر فقرا، وهي تبلغ اليوم 230 مليار دولار، بمبلغ 139 مليار دولار(50). غير أنه ينبغي المضي إلى أبعد من هذا، وبسرعة أكبر. وإلا فإنه لا يمكن استبعاد الخطر المتمثل في أن فقراء العالم، الذين لا يتعمقون في دقائق أو منطق التمويل الدولي أو برامج التكيف الهيكلي، والذين لم يكونوا مدعوين إلى جلسات التبرير واحتفالات الحسرة التي تم تنظيمها مؤخرا بهذا الصدد، يمكن أن يفقدوا الصبر ذات يوم. وحتى في حالة حدوث تغير في الإرادة السياسية والنظرة إلى العمل على المستوى الدولي فإنه يتضح في كثير من الأحيان أن الإجراءات المتخذة غير ملائمة لا لإيقاع حياة السكان ـ خاصة السكان الذين يواجهون البؤس ـ ولا لاعتبارات ذات طابع أخلاقي. وكما شدد قداسة البابا يوحنا پول الثاني، في رسالته بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للسلام، كانون الثاني/يناير 1999، "هناك حاجة إلى بذل جهد سريع وقوي لكي يتاح لأكبر عدد ممكن من البلدان، ونحن نتطلع إلى عام 2000، الخروج من وضع صار لا يطاق".
ويشكل عبء الديون عقبة كبرى في طريق كل جهد يرمي إلى القضاء على الفقر، خاصة وأن البلدان الفقيرة، الأكثر هشاشة والأقل قدرة على السداد، تدفع على قروضها أسعار فائدة أعلى بوضوح من أسعار الفائدة التي تدفعها البلدان الصناعية(51). وفي 1992، دفعت البلدان النامية لدائنيها ضعف المبلغ الذي تلقته كمساعدة رسمية للتنمية أكثر من مرتين ونصف. واليوم، وصلت المساعدة الرسمية للتنمية من البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أدنى مستوى لها خلال ربع قرن: 0.22% من الناتج القومي الإجمالي(52)، في حين أن هدف الحد الأدنى الذي وافقت عليه دول العالم بأسره في إطار الأمم المتحدة مرارا وتكرارا هو 0.7%. أليس هناك شيء ما يصدمنا في واقع أن يكون المجتمع المالي الدولي قادرا على تعبئة 190 مليار دولار وعلى دفع 63 مليار دولار بين آب/أغسطس 1997 وكانون الأول/ديسمبر 1998، من اجل برامج إنقاذ ترمي إلى حماية مصالح الدائنين في البرازيل، وإندونيسيا، وجمهورية كوريا، وتايلندا، في حين أن مجموع المساعدة الرسمية للتنمية على مستوى العالم بلغ 32.7 مليار دولار بالنسبة لسنة 1998(53)؟ وعلاوة على هذا، تعود هذه المساعدة في كثير من الأحيان إلى البلدان المانحة، لأن هذه البلدان هي التي تقدم التجهيزات ومستلزمات البنية الأساسية لمشروعات التنمية. فهل صار ينبغي على الفقر تمويل الغنى؟
وينبغي تأمين إدراج نصوص اجتماعية وتدابير للنضال ضد الفقر في برامج مساعدة التنمية. ومثل هذه التدابير لا تشكل فقط آليات أمان في وقت الأزمة: إنها استثمارات من أجل المستقبل(64). والواقع أن استمرار الفقر وصور عدم المساواة يمثل ـ وينبغي أن نكرر ـ قيدا ثقيلا على التنمية. وبقدر ما سيكون بوسع السكان الفقراء أن يحصلوا على التعليم، والخدمات الصحية، بقدر ما سيكون بوسعهم أن يقوموا بتحسين كفاءاتهم، يمكننا أن نأمل في أن يتواصل النمو في المستقبل(55). وبهذا الصدد، يجدر بالذكر واقع أن البنك الدولي صار الآن يأخذ في الاعتبار البعد البشري والاجتماعي للتنمية: أعلن جيمس وولفنسون James Wolfensohn، رئيس هذه المؤسسة مؤخرا أنه "بدون تقدم اجتماعي لا توجد تنمية كافية"(56). وشدد جيمس وولفنسون في سياق تعليقه على الأزمة المالية التي حلّت بآسيا ـ والتي ترجع في جانب كبير منها إلى دوامة يمكن تلخيصها على هذا النحو: "أنا أُقرض، وأنا أُقدّم، وأنا أُنجز، وأنت تستدين"، دون أي تحسين حقيقي للشروط الاقتصادية الجزئية ـ على أهمية أن تقوم البلدان المعنية بتحسين أداء مؤسساتها (على مستوى الحكومة وكذلك على مستوى القطاع الخاص)، وأن تعمل بنظم للحماية الاجتماعية لمن يعيشون في حالة فقر، وأن تواصل تمويل التعليم الأساسي والقطاعات الاجتماعية في موازنات قومية توشك على العودة إلى الهبوط(57). وهذا شيء أوصت به منظمة اليونسكو دائما، خاصة في مؤتمرها العام في 1993. وعلاوة على هذا فإنه يجب التفكير بجدية في اعتماد تدابير تتيح للبلدان المدينة أن تستبدل بجانب من مدفوعات سداد دينها العام استثمارات بنفس القيمة في التعليم الأساسي (مقايضة الدين ـ التعليم debt-education swaps).
وفي القمة العالمية بشأن التنمية الاجتماعية (كوبنهاجن، 1995)، تعهدت حكومات العالم ليس فقط بإقلال الفقر بل بالقضاء عليه. فلنتذكر ألفاظ هذا الوعد المهيب: "إننا نتعهد بمواصلة القضاء على الفقر في العالم، من خلال القيام، بعزم لا يلين، بأعمال قومية وتعاون دولي، كواجب أخلاقي واجتماعي وسياسي واقتصادي من أجل البشرية". وهذا التعهد، يجب أن نحترمه ونفي به من خلال تدابير ملموسة تستند إلى رؤية وأهداف طويلة الأجل. والحقيقة أن التدابير الوقتية المعتمدة أثناء الطوارئ ليس لها، حتى إذا كانت ضرورية في كثير من الأحيان، سوى تأثير محدود على الفقر، إن لم تفاقمه في الأجل المتوسط أو الطويل. وإذا كانت المعالجة الإنسانية والخيرية تخفف المعاناة بصورة مؤقتة فإن التنمية التي تقوم على التضامن يمكنها وحدها أن تقضي على الفقر في الأجل الطويل: إن الرخاء المشترك للبشرية يستند إلى العدالة.
فماذا نريد حقا أن ننقل إلى أطفالنا: الفقر المزمن أم الأمل في مستقبل أفضل؟ بؤس مدن الصفيح، فضيحة أطفال الشوارع، استغلال الإنسان للإنسان ـ كل هذه الأشياء إنما تمثل مسئولية جماعية يجب أن يدركها بصورة خاصة: الأغنياء، الذين هم ضحايا شرخ ذهني جعلهم يعتادون على قبول غير المقبول وعلى أن يروا في الفقر ظاهرة غير قابلة للعلاج. ولن تكون التنمية مستديمة إلا بشرط تقاسُمها.
منطلقات وتوصيات
تحسين واستكمال التدابير السياسية والتشريعية والإدارية التي تتيح النضال ضد الفقر، على المستوى القومي والإقليمي والدولي على السواء.
حماية فئات السكان الأكثر تأثرا عن طريق زيادة الجزء المخصص من الموازنات القومية للتعليم والاستثمارات الاجتماعية الأخرى.
تأمين التدريب المتفق مع احتياجات المجتمع للشباب والأشخاص العاطلين عن العمل.
إشراك المستفيدين مباشرة في كل إستراتيجية للنضال ضد الفقر.
تشجيع ومضاعفة المبادرات لصالح إسقاط الديون بالنسبة للبلدان الأكثر فقرا والأكثر مديونية، وتعزيز صيغ "مقايضة" الديون لمصلحة التنمية البشرية.
تشجيع الحصول على الائتمان الصغير بالنسبة للسكان الذين لا يقدرون على الوصول إلى أشكال أخرى للاقتراض.
تشجيع البلدان الصناعية على إحداث تغيير جذري فيما يتعلق بالمساعدة الرسمية للتنمية بقلب اتجاهها إلى الانخفاض وباعتبار هدفها من جديد هدف الحد الأدنى المتمثل في نسبة 0.7% التي تم الاتفاق عليها في إطار منظومة الأمم المتحدة، وبتخصيص الجانب الأكبر من هذه المساعدة للتنمية البشرية (التعليم، الصحة، الخدمات الاجتماعية الأساسية).
تعبئة 40 مليار دولار في السنة خلال عشر سنوات، وفقا لتوصيات برنامج الأمم المتحدة للتنمية، لتأمين الوصول الشامل إلى الخدمات الأساسية ـ الصحة، والمياه، والتعليم الابتدائي ـ من خلال إعادة تحديد الأولويات المحلية للبلدان وزيادة المساعدة الرسمية للتنمية المخصصة مباشرة للتنمية البشرية.

إشارت الفصل 2

(1) Voir Kimon Valaskakis, “Mondialisation et gouvemance”, Futuribles, n° 230, Paris, avril 1998. : وكما يؤكد المؤلف، يتعايش اليوم اقتصاد فائض من "البوفيهات" مع نقيضه، أيْ اقتصاد "الأطعمة الشعبية".
(2) تظهر دراسة حديثة للمعهد العالمي لأبحاث اقتصاديات التنمية World Institute for Development Economics Research تهتم بـ 124 من البلدان النامية أن مضاعفة للدخل يمكن أن تتم ترجمتها إلى انخفاض بنسبة 13% في مخاطر الأزمات الإنسانية، وأن أكثر من نصف البلدان التي تعاني من مثل هذه الأزمات خلال التسعينيات كانت قد عرفت قبل ذلك انخفاضا في متوسط الدخل خلال الثمانينيات: Financial Times, 21/01/98 .
(3) Le Monde, 7 mars 1995.
(4) Rapport mondial sur le développement humain, PNUD, New York, 1997.
(5) Ibid. : لا شك في أن من الصعب، في هذه الحالة، التباهي كليا بمعطيات الفترة السابقة لسقوط سور برلين.
(6) Nations Unies, Rés. A/51/178.
(7) Leandro Despouy, La réalisation des droits économiques, sociaux et culturels, Rapport final sur les droits de l homme et l extrême pauvreté, Commission des droits de l homme, Sous-Commission de la lutte contre les mesures discriminatoires et de la protection des minorités, E/CN.4/Sub.2/1996/13, juin 1996.
(8) Masood Ahmed, Michael Walton, K. Subbarao, Parita Suebsaeng, Poverty Reduction and the World Bank, Progress in Fiscal 1996 and 1997, Banque mondiale, Washington, D.C., 1997.
(9) Le Monde, 18-19 octobre 1998.
(10) PNUD, 1997, op. cit.
(11) Ibid.
(12) Rapport mondial sur le développement humain, PNUD, New York, 1998.
(13) Hamid Tabatabai, “Poverty and inequality in developing countries: A review of the evidence”, in Garry Rodgers, Ralph van der Hoeven (éd.), The Poverty Agenda: Trends and Policy Options, New Approaches to Poverty Analysis and Policy, International Institute for Labour Studies, Genève, 1995.
(14) Jean-Pierre Langellier, “L immense planète des délaissés”, Le Monde, Bilan du monde, édition 1998.
(15) Alan B. Durning, “Halte à la pauvreté”, É-;---;--tat de la planète 1990, World Watch Institute, Washington, D.C.
(16) Le Monde, 18 mars 1999.
(17) Financial Times, 26 janvier 1998.
(18) Tamar Manuelyan Atinç, Michael Walton, Stephen Commins, Social Consequences of the East Asian Financial Crisis, Banque mondiale, Washington, D.C., septembre 1998.
(19) Durning, 1990, op. cit.
(20) PNUD, 1998, op. cit.
(21) Rapport mondial sur le développement humain, PNUD, New York, 1994.
(22) PNUD, 1994, op. cit.
(23) PNUD, 1998, op. cit.
(24) PNUD, 1997, op. cit.
(25) Alan B. Durning, op. cit.
(26) Jean-Paul Fitoussi, “Mondialisation et inégalités”, Futuribles, n° 224, octobre 1997.
(27) Daniel Cohen, Richesse du monde, pauvretés des nations, Paris, 1997 --;-- Michael Kremer, “The 0-Ring theory of economic development”, The Quarterly Journal of Economics, vol. 58, n° 3, août 1993.
(28) "Face à la croissance de la pauvreté”, entretien avec Philippe Englehard, Esprit, mai 1997.
(29) PNUD, 1997, op. cit.
(30) Libération, “Un hérétique à la Banque mondiale”, 25 juin 1999: "رفض الصينيون رفع السيطرة الحكومية والخصخصة. ونتائجهم هي الأفضل"، كما كتب جوزيف ستيغليتس، باحث اقتصادي أول ونائب رئيس البنك الدولي.
(31) Amartya Sen, Levels of Poverty: Policy and Change, 1980.
(32) Amartya Sen, Inequality Reexamined, Russell Sage Foundation, New York, Clarendon Press, Oxford, 1992.
(33) Maryse Gaudier, Pauvretés, inégalités, exclusions: renouveau des approches théoriques et des pratiques sociales, Institut international d études sociales, Genève, 1993.
(34) Nations Unies, Sommet mondial sur le développement social. Programme d action, chapitre II: élimination de la pauvreté, 1995.
(35) Morgenstern, Précision et incertitudes des données économiques, cité par P. Engelhard, loc. cit.
(36) Philippe Engelhard, loc. cit.
(37) Rapport sur le développement dans le mond, Banque mondiale, Washington, 1990.
(38) PNUD, 1997, op. cit.
(39) Sylvie Brunel, “L enfer des inégalités”, Le Monde, 18-19 octobre 1998.
(40) Durning, op. cit.
(41) Gaudier, 1993, op. cit.
(42) International Herald Tribune, 28 février-ler mars 1998.
(43) Le Monde, 25 avril 1995.
(44) Gaudier, 1993, op. cit.
(45) Eliminating World Poverty: A Challenge for the 21st Century, White Paper on International Development, Secretary of State for International Development, novembre 1997.
(46) Le Monde, 22 décembre 1993.
(47) Jacques Delors, “Donner une nouvelle dimension à la lutte contre l exclusion”, allocution finale du séminaire de Copenhague, Commission des Communautés européennes, 1993.
(48) Philippe Engelhard, loc. cit.
(49) Le Monde, 15 septembre 1995
(50) تقدر القيمة الحالية لديون البلدان الأكثر فقرا بمبلغ 127 مليار دولار. ونتيجة لمبادرة كولن، فإنه لا مناص من أن تتيح مجموعة تدابير تخفيف الديون خفضا يبلغ 71 مليار دولار.
(51) يعلن Rapport mondial sur le développement humain de 1997, le PNUD: أنه خلال الثمانينيات "كان على البلدان الفقيرة أن تسدد أسعار فائدة تصل إلى أربعة أضعاف تلك التي يتم التعامل بها مع البلدان الغنية".
(52) Le Monde, 18-19 octobre 1998.
(53) Global Development Finance 1999, Banque mondiale, Washington, D.C., 1999.
(54) Garry Rodgers, Ralph van der Hoeven (éd.), 1995, op. cit.
(55) Michael Lipton, “Poverty — Are There Holes in the Consensus ?”, World Development, vol.25, n° 7, 1997.
(56) Le Monde, 16 février 1996.
(57) Financial Times, 29 janvier 1998.