الانقسام التركي


محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن - العدد: 4834 - 2015 / 6 / 11 - 09:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بسبب حاجز العشرة بالمئة من الأصوات أمام الأحزاب التركية للوصول إلى التمثيل بالبرلمان،حصلت حالة غريبة يوم فاز حزب العدالة والتنمية بانتخابات برلمان3تشرين ثاني/نوفمبر2002عندما احتل حزبان كل مقاعد البرلمان البالغة550بالرغم من أنهما لم ينالا سوى53,6%من مجموع الأصوات،حيث ذهبت أصوات الخاسرين إلى الحزبين المتخطيين لحاجز العشرة بالمئة لتترجم إلى مقاعد .نال يومها حزب أردوغان 363مقعداً رغم أنه لم يأخذ من الأصوات سوى34,2%وأخذ حزب الشعب الجمهوري (قومي أتاتوركي)178مقعداً بالرغم من نيله19,4%من الأصوات فقط.في يوم7حزيران/يونيو2015انتهت هذه الحالة الغريبة حيث احتلت مقاعد البرلمان أربعة أحزاب نسبة مجموع أصواتها من المقترعين هي95%.في انتخابات 2007و2011جرى نزول تدريجي في نسبة أصوات الخاسرين لتكون18,5% و11,2%على التتالي مع انضمام حزب الحركة القومية (قومي طوراني يطرح وحدة العالم التركي من بحر إيجة إلى تركستان الصينية)للحزبين الرئيسيين بالبرلمان فيماكانت أعلى نسبة أخذها الأكراد هي6,6%بعام2011.
في انتخابات2011أخذ حزب العدالة والتنمية نسبة49,8%فيماأخذ حزب السعادة،وهو الوريث الاسلامي الثاني لحزب نجم الدين أرباكان أي حزب الرفاه ثم الفضيلة،نسبة2,5%.أظهرت انتخابات 2011الذروة التي وصلها الاسلاميون الأتراك. لم يقد صعود القوميون الطورانيون إلى تناقص أصوات حزب أردوغان في انتخابات2007 حيث نال46,5%فيماكان صعود الأخير مترافقاً عام2007مع صعود حزب الشعب الجمهوري إلى20,8ثم في انتخابات2011إلى25,9%. هذا يعني بأن صعود حزب العدالة والتنمية في الأصوات – مع نجاحات أردوغان في الاقتصاد - كان ناتجاً عن اختفاء أحزاب في الوسط،جمعت بين الليبرالية والمحافظة مع شيء من الاسلام،مثل (حزب الوطن الأم)الذي أسسه الرئيس السابق توركوتأوزال ونال في انتخابات2002 نسبة 5%من الأصوات و(حزب الطريق القويم)الذي أسسه الرئيس السابق سليمان ديميريل وتزعمته بعده تانسوشيلر التي شاركت أرباكان ائتلافياً في حكومة1996-1997و نال في انتخابات2002نسبة9,5%.على الأرجح أن هذه الأصوات من هذين الحزبين قد ذهب أكثرها لحزب العدالة والتنمية وذهب بعضها لحزب الشعب وقسم أكثر قليلاً لحزب الحركة القومية الذي قفز من 8,7%عام2002إلى14,2ثم13,1%في2007و2011،مادام حزبي أوزال وديميريل فيهما قليل من علمانية أتاتورك ونسبة أكبر قليلاً من الطورانية ونسبة أعلى من اسلامية رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس(1950-1960)الذي أعدمه العسكر الأتاتوركيون بعد انقلابهم العسكري على حكومته.وعملياً،في هذا الإطار ،يمكن القول عن حزب أردوغان،الذي هو أقل حرفية من حزب الرفاه ومن حزب السعادة،أن اسلاميته ممزوجة بالقومية التركية وبليبرالية اقتصادية قوية مع نزعة محافظة اجتماعياً وثقافياً.
في انتخابات2015نزل حزب العدالة والتنمية من 49,8إلى 40,8% مع بدء الأداء الاقتصادي الضعيف لتركية منذ 2013 ومع بدء انحسار موجة الاسلام السياسي مع سقوط حكم جماعة الاخوان المسلمين بمصر يوم3يوليو2013بينما نزل حزب الشعب 1%فقط إلى 24,9%.ذهبت ثلثي هذه الأصوات من حزب أردوغان إلى حزب الشعوب الديمقراطية،وهو واجهة لحزب BKKبزعامة عبد الله أوجلان،حيث أخذ نسبة13,1% بزيادة عن أصوات الأكراد السابقة بعام2011التي كانت 6,6%.صعد حزب الحركة القومية3,1%عن أصواته السابقة،وثبت حزب السعادة على أصواته السابقة عام2011أي2,5%.بالأرقام،ذهبت أصوات (العدالة والتنمية)إلى طرفين متناقضين:1- أكراد أعطوا أصواتهم في الانتخابات الثلاث السابقة لحزب أردوغان،الذي هو منفتح تجاه الأكراد عبر طرحه الاسلامي أكثر من القوميين الطورانيين ومن الأتاتوركيين وهو ماترجم عام2011بنيله 32%من أصوات مدينة ديار بكر و40%من فان و32%من ماردين و36%من باتمان ،قاموا بتحويلها إلى الحزب الكردي الجديد الصاعد،وهو صعود يعيشه الأكراد في عراق مابعد صدام حسين وفي سوريا مابعد18آذار/مارس2011،فيماأكراد ايران حالة مختلفة بسبب المد الايراني الاقليمي الراهن،2- اسلاميون قوميون لايمكن أن يتجهوا من (العدالة والتنمية)إلى حزب أتاتورك العلماني ولكن يمكن أن يذهبوا بأصواتهم إلى الحزب القومي الطوراني الذي يعارض أي اتفاق مع حزب عبدالله أوجلان.
عبر انتخابات2015يمكن القول بأن هناك انقسام تركي،هو عميق الجذورمادام يأخذ طابعاً أيديولوجياً- سياسياً، ومادام هناك حزب لقومية ثانية يطل برأسه في البرلمان لأول مرة في التاريخ التركي الحديث:اسلاميون أمام علمانيون قوميون أتاتوركيون،وهو انقسام كان زمن مندريس ثم كان بالتسعينيات مع أرباكان في انقلاب28شباط/فبراير1997ضد حكومته وبعده أردوغان.القوميون الطورانيون،وكانوا منذ2002أكثر قرباً للاسلاميين بالقياس للقوميين الأتاتوركيين،يقفون الآن ضد مايعتبروه اعتدالاً عند أردوغان و(العدالة والتنمية) في الاتفاق المحتمل مع عبدالله أوجلان.التمرد الكردي المسلح الذي قاده عبدالله أوجلان منذ1984ضد الدولة التركية ينتقل إلى تحت قبة البرلمان عبر حزب تقترب نسبة أصواته13,1% من نسبة الأكراد في المجتمع التركي20%.
في تركية يأخذ الانقسام الأيديولوجي- السياسي طابعاً كان يترجم بالسابق عبر الانقلابات والمشانق(مندريس) والانقلابات(أرباكان).الآن يصبح الحزب في تركيةأقرب إلى طائفة تضم تحت عباءتها السياسة والثقافة ونمط اجتماعي للسلوك والزي.مع دخول الحزب الكردي بهذه القوة للبرلمان سيكون هناك قوميون ضد قوميين آخرين.لم يستطع حزب الشعب،مع زعيمه كمال أوغلو وهو علوي كردي،أن يجذب الأكراد بسبب ماضي أتاتورك(توفي1938) القومي التركي الشوفيني وسجله العنيف ضد الأكراد،فيماأصبح حزباً جاذباً للعلويين الأتراك وللأقليات الدينية إضافة إلى جمهوره العلماني الخاص.يمكن القول بالقياس للغربيين ،وحتى العرب،بأن التلاقيات والتقاطعات بين الأحزاب التركية من أضعف مايكون ولهذا كانت التجارب الحكومية الائتلافية فاشلة دائماً هناك،وحتى العلاقات الشخصية والاجتماعية مقطوعة بين زعماء وقادة الأحزاب وهي في توتر دائم ،والكراهية ليست مخفية.
هذا يدل على انقسام عميق،اكتملت عناصره مع تربيع البرلمان بأحزاب أربعة:يمكن أن يساهم البرلمان في مأسسة هذا الانقسام وتنظيمه وربما حلحلته .الغريب في هذا المشهد أن يجد حزب الشعوب الديمقراطية في حزب أردوغان أنه هو الأقرب إليه، بالقياس للحزبين الأتاتوركي والطوراني، والأكثر اعتدالاً.الاسلامي في تركية المعاصرة والحديثة،هو مع اليساري الماركسي،أكثر عبوراً للقوميات ،ولكن ليس الطوائف عند الاسلاميين،حيث لم يتجاوز حزب أردوغان حدود السنة الأتراك والأكراد منذ2002.ربما يكون صلاح الدين ديميرداش جسراً بين أوجلان وأردوغان،والأخيران أكثر من عانيا من الأتاتوركيين في التاريخ التركي الحديث،إلاإذا اختار حزب أردوغان– وهذا أقل ترجيحاً من الاحتمال الأول- التحالف مع زعيم القوميين الطورانيين دولت بهشلي مماسيكون طريقاً إلى احتراق طبخة التسوية التي اشتغل عليها أردوغان وأوجلان منذ عام2013.