أوقات عصيبة


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4832 - 2015 / 6 / 9 - 07:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     


تعيش المنطقة العربية وجوارها غير العربى أوقاتا عصيبة، بحكم السيطرة الإمپريالية وعجز الحركة القومية العربية عن التحرُّر منها. وإذا لم ندرك جيدا مستوى الخطر العاجل الذى يتهددنا الآن فإن معاناتنا من ويلاته ستكون وشيكة.
وقد تطور النظام الرأسمالى فى أوروپا الغربية وانتشر من هناك، وكانت مناطق انتشاره هى مناطق انتشار الأوروپيين أنفسهم حاملين معهم حضارتهم الجديدة.
ولحقت بهذه العملية، تحت تأثير الرأسمالية الأوروپية وتحت شعار "اللحاق بالغرب"، أمم أوروپية أخرى كانت على كل حال جزءًا من التطور الأوروپى العام (روسيا وشرق ووسط أوروپا). ثم انضمت إليها أمم قليلة أخرى غير أوروپية كالياپان والصين والنمور الآسيوية.
وتزامن ظهور وانتشار الرأسمالية الأوروپية مع تخلُّف وتأخُّر باقى العالم الذى عاش فى ظل ما قبل الرأسمالية وراحت الرأسمالية الغربية تُعيد خلقها على صورتها.
وكان هذا الانتقال إلى الرأسمالية هناك والبقاء فى المجتمعات قبل الرأسمالية هنا أمرا منطقيا تماما بحكم التطور المتفاوت الذى يعمّ العالم والكون. وكما يقال فإن الأيام دُوَل وقد شهد التاريخ قيام حضارات متطورة فى العصور القديمة والقرون الوسطى فى مناطق وبلدان وبالأخصّ فى منطقتنا فيما تأخرت مناطق وبلدان أخرى وخضعت لسيطرة تلك الحضارات المتقدمة فى زمانها.
وعندما سيطر الغرب وامتداداته فى قارات أخرى على منطقتنا، ككل منطقة أخرى فى العالم، نشأت الحركة القومية/الوطنية مع رأسماليات ناشئة فى منطقتنا وغيرها بهدف التحرُّر من السيطرة الأجنبية وللحصول على مجال أوسع لتطور النظام الحديث، الرأسمالى، انطلاقا من تراكمات مالية لدى الطبقات الحاكمة القديمة فيها.
ونشأ سباق معروف النتائج لأنه يجرى على أساس انتقال الغرب إلى النظام الجديد، الرأسمالى، وعجْز الأنظمة القديمة عن كلِّ تحرُّر أو لِحاق بحكم ضعفها الاقتصادى والثقافى والتقنى والعسكرى.
وبحكم قوانين اجتماعية صارمة صار باقى العالم، وفقا لمعادلة "الغرب والباقى"، فريسة للفقر والحرمان بصورة متزايدة لا فكاك منها.
وعجزت الحركات والأنظمة القومية عن إحداث تقدُّم تاريخى يحرِّر من التبعية الاقتصادية ويفتح مجال تطور رأسمالى حقيقى فى مناطقها وبلدانها. ونتيجةً لعجز الحركات الوطنية عن التقدُّم صرنا فى النهاية أمام عالم مُسيْطِر يتقدم وعالم تابع يتدهور.
ووقعت الشعوب فى منطقتنا، كما فى غيرها، فريسة تبعية مزمنة نتيجةً للعجز عن التحرر من التبعية. وما حدث هو التعاون أو التهادن أو التحالف بين الاستعمار والحكم القومى الذى رأى مصلحته ليس مع الشعوب بل مع الاستعمار.
وتحت حكم الناصرية والصدَّامية والأسديَّة والقذافية ونظيراتها القومية فى القارات الثلاث، رغم كل دعاواها، ورغم تحوُّل الأبطال القوميين إلى أصنام معبودة، تراجعت وتدهورت مختلف مناطق وبلدان ما سُمِّى بالعالم الثالث أو بالبلدان النامية، وفى مقابل أغنياء العالم الذين ظلوا يزدادون غنًى صارت مناطقنا وبلداننا الفقيرة وطبقاتها الشعبية الفقيرة المحرومة تزداد فقرا وحرمانا.
ويتمثل الفقر بطبيعة الحال فى ارتداء الأسمال وسكنى القبور والعشوائيات والأزقة القذرة وفى جوع الفقراء، إلى جانب الحرمان من التعليم الحقيقى والخدمات الصحية ووسائل الانتقال والثقافة والفكر وغيرها. وصارت المدن مقبرة لأجساد وأرواح ومعنويات وأمانى سكانها، ومع هذا، ظللنا نحلم بالتغيير دون أن نملك أو نحاول أن نملك وسائله.
ويعنى هذا أن بلداننا صارت حواضن لرد فعل الفقر المادى والخواء العقلى والروحى. ونشأت جماعة الإخوان المسلمين فى مصر منذ قرابة تسعين عاما، تطويرا وتنظيما لاتجاهات فكرية دينية قبل ذلك، وصارت امتداداتها تغطى وجه الأرض تقريبا، بمراكزها الكبيرة وكذلك بإرهابها حتى فى بلدان الغرب. وكانت الامتدادات الإخوانية تبدو أصوليات إسلامية متطرفة فى مقابل "اعتدال" مزعوم عند الإخوان المسلمين أنفسهم. وبعد الأحداث الأخيرة فى مصر صارت كل هذه الجماعات جوقة واحدة وإرهابا واحدا.
والوضع الآن كما يلى: انتشار الإسلام السياسى السنى والشيعى كحركات أو دُوَل: تركيا وإيران وداعش والقاعدة فى العراق والشام وليبيا وشمال أفريقيا واليمن والصومال ونيچيريا والسودان، كما أن پاكستان غارقة فى اتجاه هذا التطور. وكادت مصر أن تدخل فى هذه الدائرة الجهنمية. وهذا إذا تركنا البلدان الدينية أو نصف الدينية الأصلية جانبا، واكتفينا بهذه الظاهرة الحديثة الوثيقة الارتباط بالاستعمار.
وخلال الأعوام القليلة التالية للثورة قام الإسلام السياسى بتدمير بلدان الثورة، ولم تنجُ من اجتياح هذا الطوفان سوى مصر وتونس "إلى الآن".
وكانت هذه البلدان فى حالة تراجع فى اتجاه الهلاك وجاء الإسلام السياسى بالخراب العاجل.
وأخطر الهواجس كتطور طبيعى للحالة الراهنة هو أن يستفحل أمر حركات ودول الأصولية الإسلامية الإرهابية التى يطالب الغرب بالصلح معها، مع أن الغرب لم يفكر ذات يوم فى الصلح مع هتلر.
ويُروِّج الغرب لأسطورة أن كل حرب لا بد أن تنتهى بالتسويات السياسية، وليس باستمرار الحرب. غير أن التسويات مع دول تحترمها تختلف عن الصلح مع الإرهاب الأيديولوچى المنظم. ولا معنى لهذه الأسطورة الغربية العدوانية سوى الرغبة فى زرع وتطوير الدولة الإسلامية المسلَّحة داخل دُوَلنا ومجتمعاتنا لإقامة حاجز منيع يحول دون سيرها إلى الأمام.
7 يونيو 2015