في بيتنا داعشي 5 وأخير الرؤساء والملوك


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4819 - 2015 / 5 / 27 - 10:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أولاً
المغرب
حاميها حراميها! حاميها داعشيها! فلنبدأ بالأسماء الحسنى للملك: أمير المؤمنين، سيدنا الإمام، مولانا عليه الصلاة والسلام، صاحب الجلالة المليك (لاحظ المليك بالياء للمد والتفخيخ أقصد التفخيم) المعظم المبجل المجوجل (من جوجل محرك البحث فهو ملك حداثي) إلى آخره إلى آخره... ولنمر بالشكل: مهرج بطربوش، لوح، روبو، ديك حبش مسمن، بشع والعياذ بالله أبشع من نعل تضيع في ثقبه القدم، كريه الرائحة حاشا لله أكثر كراهة من مرحاض عام مسدود في ساحة الفنا... ولننته بالسياسة: طرطور فرنسي كأبيه كابنه، فهو لا يمسه أحد الله الصمد، ينفّذ، أليسه صولجانًا من صنع الإليزيه؟ أبوه المغفور له باع مصر وسوريا والأردن لإسرائيل عشية حرب الستة أيام عندما جعلها تتنصت على خطط مارشالاتهم –اللهم اغفر لهم- في اجتماع عنده، مقابل اختطافها لابن بركة، وكل مصائب المشرق العربي اليوم (والمغرب العربي) من سيدنا الإمام. وهو، يسير في الخط إياه، يبيع المغرب، لهذا هو ملك المغرب، وهل هو ملك المغرب بالمجان؟ هل تعلم أيها القارئ أن هذا الملك يصلي هو وكل الشعب المغربي صلاة الاستسقاء –فهو يصدر مرسومًا ملكيًا يأمر فيه كافة أبناء المسلمين أليسه أمير المؤمنين- عندما يحرد المطر عن سماء المغرب؟ وهل تعلم أنه يوم مولد الرسول يذهب إلى الزار ليتهزهز ويتبخبخ؟ هل تعلم -من ناحية حداثية هذه المرة- أن جاك شيراك، الرئيس الفرنسي السابق، عندما كان يزور والده، تحت غطاء تدعيم العلاقات الثنائية بين البلدين، ليلتقي بصديقه؟ أنا لست ضد، ولكن بدون غطاء. ومعه الشيء نفسه، وعلى مستويات أخرى شريفية مع باقي الشلة، قبل أو بعد زيارتهم لأكبر مسجد في أفريقيا، المسجد الذي يحمل اسم أبيه السيء الذكر في الدار البيضاء؟ مع خالص مودتي واحترامي، يا جلالة الملك.

ثانيًا
الجزائر
الاستعمار الفرنسي ترك من ورائه ما يُعمل به إلى اليوم، النظام الديني والنظام العسكري، فالمساجد تضاعف عددها مرات، المصانع لا، المدارس لا، الكباريهات لا، ورئيس الجمهورية هو وزير الدفاع. الوحيد الذي شذ عن القاعدة الرئيس بوضياف، فتم قتله من طرف العساكر. وهؤلاء العساكر هم أنفسهم الذين يحكمون اليوم في مكان "شبح" اسمه عبد العزيز بوتفليقة، فهو مريض، ومعطوب، ومعتوه، وربما مات، والنظام به أو بدونه يبقى النظام. في السبعينات، أجريت حوارًا مع وزير الأوقاف، ثرثرة كما ينبغي، خرجنا منها بعنوان لمجلة آفاق عربية التي كانت تصدر في باريس: اشتراكيتنا مسلمة! عبارة تلخص كل الهزليات المولييرية، إذ بالفعل اشتراكية الجزائر مسلمة، الاشتراكية كجحيم بوليسي مستلِب للإنسان والإسلام كجحيم إيديولوجي مستلِب لجوهره. أنا أدعو الجزائر "بولونيا العرب"، فالوجوه أخذت شكل الله، والإرادة تلخصها ثلاث كلمات على كل شفة ولسان: إن شاء ربي! روبوهات للرب، أقنان تمشي على الأرض، تأكل، وتشرب، وتضاجع، وتنام: إن شاء ربي! ويا له من رب جحيمي يحكم بقبضة حديدية، المساجد ملاعبه للتسلية، والشوارع جدران لأقدام عاطليه عن العمل. وتسأل لماذا؟ يجيبك الجزائري لأننا تعبنا. العشرية التي مرت بها البلاد خلال الحرب الأهلية المفبركة مائة بالمائة من طرف العساكر حقًا أتعبت الجميع، وهي لم يكن بينها وبين معركة الجزائر أيام الاستعمار الفرنسي فرق كبير، فالجنرال ماسو رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، ألقى بزيه العسكري على أكتاف من صنعهم هو من القادة الجزائريين قبل رحيله، فأبقى الأمور على ما هي عليه حتى الغد: إن شاء ربي! مع خالص مودتي واحترامي، يا سيادة الرئيس.

ثالثًا
مصر
في ستينات القرن الماضي كنا نذهب إلى القاهرة لنضاجع، كانت القاهرة حديقة من الجمال الطبيعي، البنات ورودها، والنيل نسقيه من شفاهنا. لا أذكر وقتها الحجاب كما هو عليه اليوم، كانت الصعيديات يرمين على رؤوسهن الملاية، بس كده، مش دين ولا مديّن، ولكني أذكر تمامًا إيمان كل الكافرات والكافرين بالله، وربنا، وربنا، وربنا. كان ربنا يغزو الخطاب اليومي، الشفوي والكتابي، كما كان يغزو الخطاب السياسي والناصري، بمعنى الدولة العسكرية التي صُورَتُها كانت من صورة عبد الناصر، وإيديولوجياها الإيديولوجيا القومجية كمرادف للإيديولوجيا الدينجِيّة. ولا جدل أن المصري في جوهره ديني بالكشف عن عورته كما كان في عهدنا أو بتغطيتها كما هو في عهدكم، وتحجيب الرجل لنفسه يلخص موضوعة العار من كل الشقوق بما في ذلك شق المرأة. الأهرامات شاهدة ببوزها المخترق للسماء على المصري في جوهره منذ كان فرعونيًا، إلى اليوم، وما بعد اليوم. السماء في مصر تتمارى في النيل، والنيل هو دماء المصريين، لهذا كان الإخوان المسلمون –على طريقتهم بس معلش-، ولهذا كان الأقباط المسيحيون –على طريقتهم بس معلش-، ولهذا كان عبد الناصر المسلم –على طريقته بس معلش-، ولهذا كان سي الأنباشي البكباشي المارحجاب أقصد المارشال محمد حسني السيسي (يا لهوي! إنْتَ حتودينا بستين داهية!) اللي جابوه الأمريكان والإسرائيليين من دماغه وحطوه رئيس وصدق حاله –على طريقته بس معلش-، والسبب يعرفه الإنس والجن: إسرائيل تريد بلدانًا هادئة على حدودها. والهدوء حسب مفهوم هذا العسكري الغبي قمع الدين بالدين، اسألوا مشايخ الأزهر رضي الله عنهم. كل شي تمام يا افندم، الإنسان المصري في جوهره ديني ابن ديني ابن ابن ديني ابن ابن ابن ديني. مع خالص مودتي واحترامي، يا سيادة الرئيس.

رابعًا
الأردن
لا أريد أن أتوقف كثيرًا على العسكرة والديننة في الأردن، فالشعار الملكي المعروف "الله الوطن الملك" يلخص كل شيء، لكني سأركز على شخصية عبد الله الثاني السياسية، حجر الشطرنج الأقل أهمية في اللعبة الجيوسياسية الأمريكية، الأقل أهمية لأنه الأكثر انصياعية في هذه اللعبة، وعلى المكشوف، أبوه ربما كان مثله، لكنه كان يستحي، هذا الشخص لا يستحي، عفوًا سيدنا، سيدنا هذا لا يستحي، فلا هو قلق لميزان المُلْك، ولا هو يقضي الليل ساهرًا على كيف يدير شعبيته، فلا أهمية عنده أن يكون شعبيًا أم غيره ونظامه كل نظامه متروك بين أصابع الأمريكان. حتى أولاده أتظن أن مخابراته هي التي تحرسهم، مخابراته التي تدخل في الصدور وتحت التنانير وفي الثقوب لا يثق بها سيدنا، عملاء السي آي إيه من يحرسهم، بمعنى أنه لعبة في اللعبة. إذن اطمئنان القصر على وجوده كلي، الباقي كله صحن حمص من مطعم أبو هاشم. لا يهم كثيرًا ما سأقوله حول داعش، لأن هذا النظام معجون ومخبوز داعشيًا قبل مولد داعش، ولأن داعش هو الذي أوجدها، كيف ولماذا لا شيء أمام ما سيكون ما بعد داعش: الأمريكان هم الذين دربوا أوائل الداعشيين عام 2012في قاعدة سرية لهم شمال الأردن الصحراوي، وعلى التحديد في بلدة صفوي (الجزائر الشيء نفسه والقاعدة الأمريكية السرية التي لهم على حدود مالي)، وفي نفس العام أطلقوا سراح البغدادي، الملقب كعبد العزيز بوتفليقة بالشبح، ليكون ما كان وما سيكون. النظام إذن في كامل الاطمئنان، فكله خدمات للأمريكان، وخدماته تكون أحيانًا أعظم عندما يتفق والإخوان المسلمون على الاختصام –يا سلام- فينزل هؤلاء إلى الشوارع ليغطي الربيع الأردني الربيعات الأخرى ويبرر لها في الواقع وليس فقط على الشبكات الاجتماعية، لعبة في اللعبة في اللعبة. ومن يريد أن يتأكد من ذلك، ومن لعبة في اللعبة في اللعبة في اللعبة، فليقم بجولة ناحية السفارة الإسرائيلية، ليرى الشارع المباشر ما بينها وبين القصر الملكي. مع خالص مودتي واحترامي، يا جلالة الملك.

خامسًا
فرنسا
الرئيس الفرنسي تباكى على مدينة تدمر عند سقوطها في أيدي الدواعش، وتباكى على اليزيديين لما ذبحهم السفاحون، وتباكى على الأكراد لما كاد يذبحهم السفاحون أنفسهم، وتباكى على السوريين في خيام بركات الله الأمم المتحدي، وتباكى على الإسرائيليين لما قدم لهم الغزيُّون السكين، وتباكى على الغزِّيين لما ذبحهم الإسرائيليون بالسكين الذي قدموه، وتباكى على ضحايا شارلي هيبدو، وتباكى على ضحايا الزلزال في نيبال، وتباكى على الرهائن في مالي إلى حد أنه شن حربًا هناك لا شيء إلا للبطولة، وتباكى على الضحايا من مسيحيين ومسلمين في نيجيريا أليسه اشتراكيًا (؟) إلى حد أنه شن حربًا هناك كذلك، وعلى الخصوص تباكى على فترته التي لم يبق منها سوى عامين وكيف طارت كالدخان في حريق الأزمة الاقتصادية، وتباكى على كل ما (من) يستأهل التباكي وما (من) لا يستأهله، ولكثرة ما تباكى فاض نهر السين. وهو لا يتقن التباكي فقط، يتقن كذلك الجعجعة وإبراز عضلاته الرخوة بضرب "داعش" كما يلفظها جيدًا بالعربية، هؤلاء الإرهابيون، البرابرة، القتلة، إلى آخر المفردات المستهلكة في قاموس أضعف رئيس عرفته الجمهورية الخامسة. وكل هذا أتعرفون لماذا، ليصطاد عصفورين بحجر (مع العلمانية لا يمكنه استغلال ورقة الدين): تحويل أنظار الفرنسيين عن مشاكلهم الحقيقية، وبعد ذلك تحويلها إليه، ليقول لهم أنا بطل وشخصية مهمة في العالم، والإصلاحات الاقتصادية التي أقوم بها سيُؤتى أُكُلُها "كمان شوي"، فانتخبوني رئيسًا لفترة ثانية، بينما كل استبارات الرأي العام تعطيه خاسرًا، ومن الدورة الأولى. مع خالص مودتي واحترامي، يا سيادة الرئيس.


باريس الثلاثاء الموافق 2015.05.26