ج3 / ف 5 : الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل: التحايل بالكيمياء


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4809 - 2015 / 5 / 17 - 17:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ج3 / ف 5 : الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل: التحايل بالكيمياء
كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية
الفصل الخامس: الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل
التحايل بالكيمياء:
1 ــ واتخذت الكيمياء وسيلة للتحايل على البسطاء من الناس وأكل أموالهم بحجة تحويل الأشياء لذهب أو فضة، وفي حوادث سنة 872 ورد أن أحمد المكناسى أتلف مال بعضهم بالكيمياء " وعمل له قرصاً ادعى أنه فضة فضربه الداودار الكبير وجرسه" وحدث ذلك أيضاً مع ابن حمادة ، وطبيعي أن المصادر التاريخية لم تذكر بين سطورها إلا من ظهر أمره وتعرض لعقوبة الضرب والتشهير .
2 ــ وبعضهم لم يكتف بالتحايل على البسطاء وإنما خدع السلاطين فأوسعت له المصادر التاريخية صفحاتها مثل يوسف الكيماوى ت 731 الذى اشتهر بالكيمياء ، فطلبه الناصر محمد وأحضر له الأدوات فأخرج له سبيكة جيدة عن طريق الحيلة ، فانخدع به الناصر وقربه، إلا أن الخدعة انكشفت ففر وانتهت حياته مقتولا مُسمّراً على جمل
3 ــ وتكررت الحادثة سنة 852 في سلطنة جقمق ، فالشريف الأعجمى أسد الكيماوى " تغير عليه السلطان جقمق" لكونه أتلف عليه مالاً كثيراً ولم يظهر لما ادعاه أثر، وكان قد نصب على التاجر ابن الشمسى حتى أخذ منه جملة من المال بايهامه بالكيمياء وتنازعا أمام السلطان فصدقه السلطان ونصره على التاجر وقربه. واستغل الكيماوى هذه الصلة بالسلطان فأغراه بنفي التاجر ، وكان أسد الكيماوى أيام صحبته للتاجر قد أغراه بطلاق زوجته لأنها كانت تحذره منه وتقول له : " إذا كان يعرف الكيمياء فلما يحتاج إليك وإلى غيرك.! ".وعندما لم يظهر أثر لمحاولات أسد أمر السلطان بسجنه بالمقشرة وتغير السلطان على المحتسب يار على العجمى وعزله وقبض عليه لكونه كان الواسطة بينه وبين الكيماوى وأنه الذي أشاد به عنده.
الاتهام بالكيمياء:
1 ـ لذا كانت ممارسة الكيمياء اتهاماً بالدجل في بعض الأحيان فيقال " اتهم الشاذلى عند السلطان بأنه كيميائى" . واتهم الشيخ حسين أبو على بعمل الكيمياء ، من الزاوية ، وكان بعض الصوفية يأمر بإخراج من يتهم بعمل الكيمياء من الزاوية،وذلك ما فعله المنوفي. والشعراني هو القائل " أخذ علينا العهود ألا نمكن أحداً من إخواننا بأن يشتغل بعلم جابر الملقب بالكيمياء ، ويجب إخراج من يفعل ذلك من الزاوية لئلا يفسد حال الفقراء"
2 ــ وانتهى العصر المملوكى ولم تنته مؤثرات التصوف، ومنها الكيمياء . فيقول كلوت بك " وفي مصر جمع غفير من المشتغلين بالكيمياء يضيعون أموال السذج والبلهاء في البحث عن الحجر الفلسفي الذي يحول المعادن إلى ذهب ، ويعتقدون أنهم سينجحون في ذلك إذا استطاعوا أن يقضوا سبعة أيام بلياليها من غير نوم مطلقاً" . وهذا هو التجديد الذى جاء به التصوف في العصر العثمانى.
وكان الزغل أهم نتائج الكيمياء. وهو محاولة واقعية لغش العملات الذهبية.
الزُغل( تزييف الذهب):
1 ــ يقول العينى فى حوادث سنة 813 " دخل الزغل فى الذهب كثيرا" .
وكانت السلطة المملوكية تطارد ( الزغلية ) أى المزيفين للذهب . ففى سنة 827 " أمسك رجل من الصوفية بالمؤيدية، وجدت عنده آلات الزغل فأمر السلطان بقطع يده ، فشفع فيه فأخرج ، وضرب ضرباً مبرحا، وسجن" . أى كان من الصوفية من عمل في تزييف العملة الذهبية.
2 ــ وبعض الوزراء اتهم بالزغل مثل ناصر الدين الشيميى ت 834 وقد تولى الوزارة للناصر فرج ثم عزل وصودر سنة 804 " بسبب أنه ظهر عنده من يعمل بالزغل ويخرجه على الناس " أى انتشر الأمر بانتشار التصوف فأصبح بعض الوزراء مزيفاً للدنانير.
الصوفية والزغل:
1 ــ دس المحتسب يار على العجمى أدوات الزغل في بيت غريمه قوام الدين العجمى واتهمه عند جقمق بالزغل فضرب وحبس ، وكان السلطان قد وثق بقوام الدين وجعله شيخاً للشيوخ في خانقاه سرياقوس 2 ــ وتكاثر( الزغلية) سنة 862 فنودى بتسعير الذهب والفضة " وصار السلطان يقطع أيدي الزغلية أو يوسطهم ( التوسيط أى القتل بقطع الجسد نصفين ) فارتعبوا وأصلحت أحوال المعاملة بعد جهد كبير، وكان اينال يوسّط كل من يقع تحت يده من الزغلية فأصلح معاملة النقد فى أيامه" .
ويذكر أبوالمحاسن فى حوادث نفس السنة 862 أن السلطان وسّط ثلاثة من الزغلية ، وكان أيضا قد وسّط خمسة منهم ، لأن الزغلية تسببوا فى اضطراب النقد واختلال قيمة الدينار الذهبى فتهدد الأمن الاقتصادى فى البلاد .
3 ــ وهدأت الأمور قليلا إلا أن نشاط الزغلية عاد، واعتقل الشيخ الصوفى إسماعيل النبتيتى سنة 889 متهما بعمل الكيمياء ، يقول السخاوى " وجرت له حادثة بسببها تألم لها الخيرون وذو الظن الخير به" .
4 ــ وفى سنة 911 اتهم الشيخ سنطبانى بضرب الزغل " وكان يدعى التصوف، وكان مقيما بالمدرسة السنقرية تجاه سعيد السعداء، فوشى به عند السلطان أنه يضرب الدراهم والدنانير الزغل، فقبض عليه فوجد عنده عدة ضرب الزغل، وكان عنده جماعة يفعلون ذلك " فأمر السلطان بقطع ايديهم ، وشفع فى سنطباى فنفاه السلطان للقدس ويذكر الغزى نفس الحادثة وأن ما ضبط عند سنطباى كان خمسين رطلا مصريا وأنهم ضربوا بحضرة السلطان وأن الذى شفع فى سنطباى هو الأمير قرقماس أتابك العسكر، وان الغورى زجر سنطباى وقال له : إنك تدعى أنك الصوفى المسلك وأنت زوكارى شيطان زغلى ، أخرج من مملكتى .
5 ــ وفى حوادث سنة915 أنه هرب الشيخ جمال الدين الزغلى من المقشرة " وكان التزم بدار الضرب، وقرر عليه السلطان فى كل شهر مالا له صورة، فاتلف سائر المعاملة من الذهب والفضة وظهر بها الزغل كالشمس حتى ضج من ذلك سائر الناس والأمراء.. فقبض عليه السلطان وسجنه فهرب " ثم قبض عليه وشنق ومعه خمسة كانوا يعملون معه، وبعدها شنق "زغلى" آخر على باب زويلة، ثم قبض على الأمير بردوار الأتابكى وعاقبه الوالى حتى مات لأنه "وشى به عند السلطان أنه يعانى صنعة الزغل وقد اشتهر بذلك بين الناس .
6 ــ وتأثر العصر المملوكى بالإفساد الذى مارسه الزغلية وجاء المثل الشعبى المملوكى يقول" ماتنقدوهم كلهم زغلية . واستمر الزغل بعد العصر المملوكى وحمل المثل الشعبى ذلك فيقال " زبون العتمة فلوسه زغل" . والعتمه هى الظلام.
الكيمياء والسحر:
1 ــ ارتبطت الكيمياء بالسحر حتى أن ابن النديم فى الفهرست عدَ جابر بن حيان كبير السحرة فى هذه الملة، وفسر كيمياء جابر بقوله: لأن إحالة الأجسام النوعية فى صورة اخرى إنما يكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر .
2 ــ وقال ابن خلدون فى الكيمياء " والكيمياء ربما يؤتاها الصالح وغيره فيكون عملها سحريا . أى يعبر عن الرأى السائد وهو أن الخوارق إذا ظهرت على يد ولى صوفى فهى كرامة وإذا ظهرت على يد غيره فهى سحر، وأدى ذلك الارتباط بين الكرامة والسحر والكيمياء إلى انتشار الاعتقاد فى السحرو اتخاذه وسيلة للتحايل عن طريق الإيهام بقيام أعمال سحرية والاتصال بالجان.
2 ــ وكانت بعض الغرائب تفسر فى ضوء السحر فيقول ابن الفرات أن ابن البرهان كانت تقع له عجائب فيظن بعضهم أن له رئيا من الجن يخبره . وفى إحدى الفتن كانت السهام تطيش حول الأمير يلبغا المجنون، فيقول أبو المحاسن " واختلف الناس فى أمره فمنهم من يقول كان معه هيكل منيع، ومنهم من يقول كان يتحوط بأدعية عظيمة ومنهم من يقول كان ساحرأ .
3 ــ وفى سلطنة جقمق اختفى السلطان المعزول العزيز بن برسباى ليثيرها فتنة، وكالعادة فتشوا البيوت واخذوا المظلوم بذنب الظالم، وكان من المظلومين امرأة مسكينة "تزعم أن لها تابعا من الجن يخبرها بما يكون فتتكسب بذلك من النساء وجهلة الرجال مايقيم أودها، وذلك انه وشى بها"فى الفتنة فاعتقلت . أى كان الناس يذهبون إلى محتالين يزعمون السحروالاتصال بالجان.
4 ــ وكان السحر وسيلة هامة فى مكائد النسوة لأنهن بالطبع أميل لتصديق الخرافات .
ولم تسجل المصادر التاريخية إلا أخبار المشهورات من النساء، ففى سنة 802 ادعت والدة الناصر فرج أن إحدى جواريها سحرتها وماتت الجارية ومعها نصرانى تحت العذاب .
وفى سنة 852 طلق السلطان جقمق زوجته خوند الكبرى مغل لأنه اتهمها بأنها سحرت جاريته المحبوبة سورباى الجركسية .
5 ــ إذن كانت السلطة المملوكية تعتقد بجدوى السحر وكان عنصرا فى المؤامرات السياسية ، ففى حوادث سنة 843 اتهام الزينى عبدالباسط بأن معه الإسم الأعظم أو أنه يسحر السلطان لأنه كلما أراد عقوبته صرف عن ذلك، وفتشوه فوجدوا فى ثيابه أوراقا فيها أدعية ونحوها .
6 ــ وقيل فى سبب موت محمد بن جقمق ت 874 أنه سحر فمرض من ذلك السحر ومات .
7 ــ واتهموا يحيى بن الأتابكى أزبك أنه قتل والده بالسحر عن طريق شخصين من السحرة ، وكان عاقبتهما القتل . .
8 ــ ولأن الشائع أن الساحر يجب أن يقتل فقد وقع أحدهم فى جريمة قتل ولكى يبرىء نفسه ادعى أن القتيل كان ساحرا وأن العلماء أفتوا بقتل السحرة .
9 ــ والمقريزى مع عقليته الناضجة فقد كان يعتقد بجدوى السحر وقال أنه بوسع المرأة أن تمنع سقوط المطر إذا تجردت من ثيابها ورفعت رجليها وباعدت مابينهما وهى نائمة بشرط أن تكون حائضا .
10 ــ وكان طبيعيا أن يزداد الاعتقاد فى السحر فى بيئة تؤمن بالتصوف، ولذلك انتشرت التمائم ومنها فائدة لوجع الرأس، قالوا عنها : " جربت مرارا وهى أن يكتب الصورة الآتية ويكتب حولها اسم أحمد البدوى وسيدى إبراهيم الدسوقى وسيدى محمد الحنفى ثم توضع الورقة على محل الوجع" .
11 ــ واستمر الاعتقاد فى جدوى السحر فى العصر العثمانى ،يقول كلوت بك " ومسلمو مصر يعتقدون أن بالإمكان القيام بالإجراءات السحرية بحسب مبادئ الخير أو الشر، وتسمى نظريتهم فى الحالة الأولى بالعلم الروحانى وفى الحالة الثانية بالعلم الشيطانى، فالسحر الروحانى .. يعمل بقصد محمود لأنه يعتمد فيه على الوسائل غير المنافية للدين .
والتصوف هو الذى جعل " مسلمى مصر "يعتقدون فى السحر الذى يقول عنه رب العزة فى القرآن الكريم" وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) الاعراف) ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) طه ) .
والبيئة الشعبية لاتزال تعتقد فى السحر ولعن الساحر ، فيقول المثل الشعبى : " روحى ياساحرة لانايبك دنيا ولا آخرة" .
12 ــ وحتى الآن لايزال الناس معتقدين فى الأعمال السحرية ومنتحليها الذين يوصفون بالمشيخة ويطاردهم القانون بتهمة الاحتيال، وبالتصوف أصبح أولئك المحتالون أشياخا يرتدون العمامة ويتمتعون باعتقاد المثقفين من المصريين.
وفى جريدة الأخبار فى 11/11/1978 عنوان يقول" اعترافات دجال لماذا يقبضون علىَ ومعظم زبائنى من المثقفين ؟" وهو تساؤل فى محله، والإجابة عليه بالرجوع إلى تصوف العصر المملوكى وأشياخه الذين خلطوا الشعوذة والسحر بالدين.
ونقرأ ماقاله الشعرانى عن نفسه مفتخرا " ومما أنعم الله تبارك وتعالى به على اعتقاد كثير من الأنس والجن واليهود فى الصُلاح وإجابة الدعاة.. " " وإذا علمت ذلك فمن جملة اعتقاد المسلمين فى أننى أعطى أحدهم القشة من الأرض إذا طلب منى الدعاء لمريضه أو كتابة ورقة ، وأقول له : "بخَر المرض بها " فيفعل فيحصل له الشفاء.. فأعرف أنه لولا شدة اعتقاد احدهم ماشفى الله تعالى مريضه بدخان تلك القشة، فإن الأمور تجرى بها المقادير الإلهية سرعة وبطئا بحسب قوة الاعتقاد وضعفه.. ووقائعى فى ذلك كثيرة وشهيرة . ومن جملة اعتقاد اليهود والنصارى أنهم يطلبون منى كتابة الحروز لأولادهم ومرضاهم فأعطى أحدهم القشة فيبخر بها مريضه فيحصل له الشفاء، فأتعجب فى اعتقادهم مع اختلاف الدين . وكثيرا ما أقول لهم:" لم لاتسألون رهبانكم وعلماءكم ؟ " فيقولون: " أنت أعظم عندنا من البترك ومن جميع أهل ديننا" .
وطالما تعلق الأمر بكتابة الحروز والأعمال السحرية والاعتقاد فيها فلا فارق بين مسلم ويهودى ومسيحى ، كلهم يعتقد فى الأولياء الصوفية وشهرتهم الفائقة ، والأمر كله مبنى على الاعتقاد أو الإيحاء.