خطاب إلى المعارضة البرلمانية .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4803 - 2015 / 5 / 11 - 22:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

من منطلق حب هذا الوطن واستحضار التضحيات الجسيمة التي قدمها أبناء الشعب المغربي ، سواء من أجل الاستقلال أو من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة، اسمح لنفسي بتوجيه هذا الخطاب إلى المعارضة البرلمانية في المغرب التي هي بحاجة إلى كسب تعاطف فئات الشباب وعموم المواطنين الذين يتطلعون إلى غد أفضل ، خاصة الذين خاب ظنهم في خطاب ووعود الحزب الذي يقود حاليا الحكومة . فالشعب المغربي ، كما يستحق أغلبية برلمانية تكون في مستوى تطلعاته وانتظاراته وترقى بالممارسة السياسية لتعكس ما بات يعرف "بالاستثناء المغربي" ويدعم وضع الاستقرار السياسي والأمني الذي ينعم به المغرب في محيط إقليمي شديد الاضطراب ؛ يستحق كذلك ، هذا الشعب ، معارضة ملتزمة بقضاياه ومجندة لخوض المعارك السياسية والاجتماعية دفاعا عن حق المواطنين في الحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية . والحالة التي تعيش عيها حاليا المعارضة البرلمانية المغربية تدعو إلى الشفقة والسخرية معا . وليس القصد من هذا التوصيف أن ابخس المعارضة حقها ودورها الرئيسي في مواجهة مخططات الحكومة ، أي حكومة كانت ، التي تمس مصالح الشعب وقدرته الشرائية ومستقبل أبنائه ؛ بل قصدي تنبيه المعارضة إلى المنزلقات الخطيرة التي اتخذها خطابها وحالة التنافر التي تغذي العلاقة بين مكوناتها وتفسد قضايا وسبل التعاون والتنسيق بينها . إذ لم يكن المطلوب من المعارضة خلق خلافات بين مكوناتها والسعي إلى تصفيتها ؛ فليس هذا هو الهدف السياسي الرئيسي الذي وُجدت من أجله أحزاب المعارضة ، من داخل البرلمان أو من خارجه . فالمعارضة السليمة في الأنظمة الديمقراطية تضع أولوياتها وترتب تحالفاتها وفق ما تقتضيه الظرفية السياسية التي تمر منها التجربة السياسية التي يقودها ائتلاف حكومي معين . من هذا المنطلق ، اسمح لنفسي ، كمواطن مغربي معني بالواقع السياسي ومستقبل هذا الوطن ، أن أشدد على تنبيه المعارضة المغربية إلى التالي :
1 / إن الخصم السياسي الرئيسي ، ليس فقط لأحزاب المعارضة ، ولكن لكل الموظفين والمأجورين وعموم الفئات المتوسطة والفقيرة من الشعب المغربي ، هو الحزب الذي يقود الحكومة ، والذي يعتمد سياسة الإجهاز على كافة الحقوق والمكتسبات المادية والاجتماعية التي انتزعتها الطبقة العاملة بفعل تضحياتها ونضالاتها الطويلة على مدى عقود ؛ فضلا عن مصادرة أحلام 4.5 مليون شاب عاطل . حزب له خصوصيته التنظيمية والإيديولوجية يمكن التذكير بأهمها كالتالي :
أ ــ تنظيميا : يقوم الحزب على روابط تنظيمية تجعله أقرب إلى الزاوية منها إلى الحزب ، من حيث كون الأعضاء يدينون بالولاء للحزب والامتثال لقراراته ، ويقيمون هذا الولاء على أساس ديني/عقدي تصير بمقتضاه العضوية في الحزب روحية وليس فقط تنظيمية تحددها بطاقة العضوية وتسديد قيمة الانخراط . لهذا يعتبر أعضاء حزب العدالة والتنمية أنفسهم أنهم أصحاب "رسالة" دينية في جوهرها وسياسية في ظاهرها ، فتسميهم أدبيات الحزب بـ"الرساليين" ، أي الذين يواصلون حمل ونشر مضمون الرسالة السماوية التي جاء بها الرسول محمد (ص) . من هذا المنطلق ، لا غرابة أن يصف السيد بنكيران أعضاء حزبه أنهم "خدامين مع الله " . فعلاقة أعضاء الحزب بالإطار التنظيمي قائمة على روابط متعددة :دينية ، اجتماعية ، تنظيمية ، سياسية ..
ب ــ إيديولوجيا : يحمل الحزب مشروعا مجتمعيا يناقض المشروع المجتمعي الديمقراطي في أسسه ومقوماته وقوانينه وروابطه . لهذا يتغذى الحزب على الموروث الديني ويوظفه في دعم مشروعه وكسب متعاطفين جدد لنهجه ، الأمر الذي يوسع قاعدته الانتخابية . وقد تمكن الحزب ، بدعم من حركة التوحيد والإصلاح ، من إنشاء شبكة من الجمعيات التي تنشط في مختلف المجالات ؛ وتشكل قطاعات موازية للحزب وروافد تغذيه بالأعضاء وتوسع شبكة المتعاطفين معه .
ج ــ سياسيا/ انتخابيا : يتوفر الحزب على كتلة ناخبة قارة مشكلة من أعضائه ومحيطهم الاجتماعي ، تمكنه من خوض معركة الانتخابات بكل اطمئنان . فالامتثال لقرارات الحزب يتم بالباعث الديني ثم السياسي/ التنظيمي بخلاف بقية الأحزاب . وستزيد من حظوظ حزب العدالة والتنمية في الفوز بالانتخابات المقبلة وبولاية ثانية على رأس الحكومة العوامل التالية :
1 / الصراعات الداخلية التي تمزق وحدة عدد من أحزاب المعارضة ، ما يضعف قوتها التنظيمية وأدائها السياسي ويشغلها عن القضايا الجوهرية التي تهم عموم الشعب المغربي الذي ، بطبعه ، يسْخر ممن تشغله مشاكله التنظيمية عن القضايا المصيرية .
2 / التنافر الحاد بين أحزاب المعارضة البرلمانية ما يفقدها الاحترام لمكوناتها ويضيع عليها فرص التنسيق الجدي خارج البرلمان وحتى داخله ،وترجمته إلى خطوات عملية تتم التعبئة إليها بالتنسيق مع الجمعيات المدنية والنقابات وعموم المواطنين .
3 / انشغال المعارضة بالجوانب الشخصية لأعضاء الحكومة ورئيسها ، ما أدى إلى شخصنة الصراع وبؤس الخطاب السياسي وعقم الممارسة الديمقراطية .
4 / انفصال أحزاب المعارضة عن محيطها الاجتماعي والاكتفاء بالمناوشات تحت قبة البرلمان ، الأمر الذي أبقى الشعب بعيدا عن حقيقة الملفات وخطورة السياسة التي تنهجها الحكومة على مستقبل الشعب ومعيشه اليومي . وكان من المفروض في الحكومة أن تقدم للشعب المعطيات الدقيقة عن السياسة الخطيرة للحكومة وتعبئته لخوض المعركة الانتخابية المقبلة دفاعا عن حريته وحقه في العيش الكريم.
إن المعارضة المغربية ، لا تواجه خصما سياسيا عاديا ، بل خصما عنيدا يزيده ضعفها وتطاحنها قوة وشراسة . ولتعلم المعارضة أن الأحزاب ليست ملْكا للأفراد ، بل هي ملْك للشعب ، وأنها بخلافاتها الداخلية وتطاحناتها البينية ، توسع من ظاهرة العزوف السياسي التي لن يستفيد منها سوى حزب رئيس الحكومة . وبهذا تكون أحزاب المعارضة يدا واحدة مع رئيس الحكومة ضد الشعب ومصالحه .