اشكالية مطلب الزيادة في أجور العمال


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4788 - 2015 / 4 / 26 - 21:18
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

أجرت السيدة بشرى عطوشي الصحافية بجريدة المنعطف حوارا مع عبد السلام أديب حول اشكالية الزيادة في الاجور التي تم تداولها من طرف العديد من المنابر الاعلامية مؤخرا وما حقيقة الاشاعات المتداولة؟ وهل تعتبر الزيادة في الاجور أولى أولويات النقابات؟ وقد جاء الحوار كما يلي.

• تضع النقابات في مقدمة أولوياتها في الحوار الاجتماعي مطلب الزيادة في الأجور هل تعتبرون أن هذا بالفعل أولوية الأولويات ؟

** جميع النقابات الممثلة للطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية تعتبر مطلب الزيادة في الأجور في مقدمة الأولويات، خصوصا في البلدان الرأسمالية المتقدمة. لكن الملاحظ في بلد كالمغرب رغم اعتماده نمط الانتاج الرأسمالي منذ عقد الستينات من القرن العشرين الا أن الشروط الشغلية ظلت على المستوى العملي متخلفة بشكل متعمد ما دام ذلك يفيد الباطرونا في تحقيق التراكم البدائي لرأس المال على حساب العمال. وهنا بالضبط يمكن التأكيد على أن هناك مطالب نقابية أخرى تحظى بالأولوية مثل الانتهاكات التي تعاني منها الحقوق والحريات النقابية ومطلب إلغاء الفصل المشؤوم رقم 288 من القانون الجنائي ومطلب تطبيق السلم المتحرك للأجور ومطلب اعتماد تدابير السلامة خلال مزاولة الشغل في مركبات الشغل الخطرة ومطلب معاقبة تشغيل الاطفال واحترام الحد الأدنى للأجور ... الخ.

فالأولويات النقابية في المغرب تتجاوز على مستوى المطالب الأولويات النقابية في البلدان الرأسمالية المشابهة. لكن تعدد الأولويات النقابية في بلادنا لا يجب أن يحجب أبدا أولوية مطلب الزيادة في الاجور هنا والآن، نظرا لجمود الأجور الاسمية منذ سنوات ان لم نقل عقود ومقابل تدهور مريع للأجور الفعلية، علما أن الأجور الفعلية تتحدد بمقارنة سعر قوة العمل بسعر مختلف البضائع الضرورية للحياة، فبينما ضل سعر العمل اليومي منذ مجيئ هذه الحكومة على الأقل يتحدد في حوالي 80 درهم فقط تزايدت أسعار المنتجات والخدمات والمحروقات بنسب تتجاوز مائة بالمائة. وهو التناقض الذي دفع نحو تدهور عميق في معيشة الطبقة العاملة. كما تراجعت قيمة الأجر النسبي كثيرا وهو الأجر النسبي الذي يعبر عن معدل حصة العمل المباشر الذي يبدله العمال في القيمة الجديدة التي يخلقونها بالنسبة لمعدل حصة العمل المكدس لدى الرأسمالي أي معدل أرباح رأسمال.


وعلى العموم فإن حصة معدل أرباح الرأسماليين قد نمت بسرعة في بلادنا منذ أزمة 2008 نتيجة عدة عوامل أهمها اعادة الهيكلة الميكانيكية والتكنولوجية لوسائل انتاج المقاولات عبر ادخال آليات جديدة اكثر انتاجية واحداث تقسيمات جديدة للعمل فرضتها اعادة الهيكلة وأيضا لجوء البرجوازية المغربية الى التسريحات العمالية الجماعية بدعوى تداعيات الازمة الاقتصادية والمالية العالمية. حيث غدت فئات الباطرونا تتنافس فيما بينها حول من سيسرح اكثر من العمال لتحقيق أعلى معدلات من الارباح. وأيضا نتيجة دعم الميزانيات السنوية للدولة للعشرات من المقاولات التي كانت تدعي الازمة أو ادعت اعادة هيكلة مركباتها الانتاجية كما فعلت شركة أونا مثلا منذ سنة 2008 باعفائها من أداء ضرائبها السابقة أو الحالية لمدى سنوات أو اعفاء الشركات من اداء حصصها من الضمان الاجتماعي أو تمكينها من تقليص أجورها دون الحد الأدنى للأجور. وهذا بطبيعة الحال الى جانب الأرباح التي حققها لهذه الشركات ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات عقب اعدام صندوق المقاصة واطلاق يد الباطرونا بشكل مباشر أو غير مباشر للزيادة في اسعار منتجاتها وخدماتها.

ان أولوية مطلب الزيادة في الاجور اليوم لا تمليه فقط هذه العناصر التي اشرت اليها اعلاه، بل يفرضه ايضا عجز السوق الداخلي عن امتصاص أكثر من نصف المنتجات المحلية والمستوردة وذلك نتيجة لتدهور القدرة الشرائية للعائلات وتدهور أجورها الفعلية والنسبية. وهذا يعني ان مطلب الزيادة النسبية في الاجور أصبح مطلب برجوازي ايضا، نظرا لان ارباح هذه البرجوازية لا تتحقق الا بتصريف شبه كلي لمنتجاتها وخدماتها، لكن عجز السوق الداخلي عن ذلك سيزيد من تدهور ارباحها وتعاظم خساراتها. ثم هناك أيضا أن مطلب الزيادة في الاجور الاسمية يعتبر وسيلة أيضا لتحقيق عائدات ضريبية عالية للميزانية العامة للدولة التي تعرف اختلالات عميقة نتيجة تدهور العائدات الضريبية كمداخيل عادية الى نحو 58 % من مداخيل الميزانية.


وأخيرا تجدر الاشارة إلى أن المعطيات الموضوعية السابقة تلتقي مع هاجس سياسي آخر لدى حكومة بنكيران والاحزاب السياسية والنقابات المتطلعة إلى تحسين علاقتها بالطبقة العاملة بعدما افسدت هذه العلاقات القرارات اللاشعبية واللاديموقراطية التي باشرتها حكومة بنكيران منذ سنة 2011 لخدمة مصالح الباطرونا فقط على حساب الطبقات الشعبية المسحوقة في ظل صمت متواطئ أو مطالب خجولة للأحزاب والنقابات.


إذن فمطلب الزيادة في الاجور الذي تفرضه عدة اكراهات موضوعية وتلتقي مع المطامح السياسية للحكومة والاحزاب والنقابات لكسب رهانات الانتخابات المقبلة، كانت دائما حاضرة في الحوارات السرية بين أطراف اللعبة السياسية والنقابية، أما الافصاح الرسمي عنها فأريد له أن يشكل محور مسرحية اتفاقات مرتقبة بين الحكومة والنقابات يتم الاعلان عنها عشية فاتح ماي 2015. علما أن تحقيق هذا المطلب سيتم استخدامه لتمرير قوانين أخرى لا شعبية مثل اصلاح نظام التقاعد والزيادة في اسعار غاز البوطان والدقيق.



• بالنظر إلى المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الوطني هل ترون أن الزيادة في الأجور تفرض ذاتها في الظروف الراهنة ؟

** كما أشرت الى ذلك في معرض جوابي على سؤالك السابق هناك عوامل موضوعية تملي على الحكومة ومن خلفها مجمل رأس المال المحلي والدولي الزيادة في الاجور بارتباط مع ما يسميه صندوق النقد الدولي بالاصلاحات الهيكلية كاعدام صندوق المقاصة وتطبيق الاسعار الدولية وتحرير المحروقات واعتماد الثلاثي الملعون في اصلاح انظمة التقاعد أي الزيادة في سن التقاعد والزيادة في الاقتطاعات لاجل التقاعد مع التخفيض من رواتب التقاعد. فسيناريوهات الزيادة في الاجور سواء عن طريق التخفيض من الضرائب على الاجور والمرتبات أو الزيادة الصافية فيها على مدى سنتين والتي قيل انها قد تصل الى 1600 درهم ستعني من جهة أخرى أنها ستحفز على زيادة سريعة في نمو أرباح رأس المال نظرا لما ستحققه هذه الزيادات من توسع في السوق الداخلي وامتصاص كبير للسلع المتراكمة في الاسواق ومن اقبال المقاولات على الزيادة في طاقاتها الانتاجية.


إن الزيادة النسبية في الاجور والذي من شأنه ان يساعد موضوعيا على تحقيق نمو سريع في ارباح الباطرونا للأسباب التي اشرت اليها سابقا، يعني من جهة أخرى أن الربح لا يمكنه أن ينمو بسرعة إلا إذا هبط في المقابل سعر العمل، أي قيمة الأجرة النسبية، بنفس السرعة.


وتفسير هذا التناقض يكمن في أن الأجرة النسبية قد تهبط حتى ولو ارتفعت الأجرة الفعلية في الوقت نفسه الى جانب الأجرة الاسمية نتيجة الزيادات النسبية في المرتبات والأجور المحسوبة بدقة، ولكن شريطة أن لا ترتفع الأجرة الفعلية بنفس النسبة التي يرتفع بها الربح. فإذا ارتفعت الأجرة بنسبة 5 بالمئة في مرحلة الانتعاش وارتفع معدل الربح بنسبة 30 بالمئة، فمعنى ذلك أن قيمة الأجرة النسبية لا تزداد، بل تتراجع.


وهذا يعني أن تزايد أجرة العامل مع نمو الرأسمال بسرعة، تجعل الهوة الاجتماعية التي تفصل بين العامل والرأسمالي تتسع في الوقت نفسه، كما تتعاظم في نفس الوقت هيمنة الرأسمال على العمل وتتفاقم تبعية العمل إزاء الرأسمال.


فالقول بإن للعامل مصلحة في نمو الرأسمال بسرعة، إنما يعني في الواقع أنه كلما زاد العامل بسرعة ثروة الرأسماليين، كلما ازدادت الفتائت التي يلتقطها من على موائد الباطرونا؛ وكلما أمكن تشغيل عدد أكبر من العمال، كلما أمكن زيادة جيش العبودية المأجورة التابع لرأسمال. وهكذا فحين ينمو الرأسمال بسرعة، تنمو المزاحمة بين العمال بصورة أسرع بما لا حد له، أي أنه بقدر ما يسرع الرأسمال في نموه، بقدر ما تتقلص بمقادير أكبر نسبيا أبواب الرزق، وسائل معيشة الطبقة العاملة؛ و مع ذلك فإن نمو الرأسمال بسرعة هو الشرط الأنسب للعمل المأجور.

• تبعا للدراسة التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط يعتبر الدخل من العناصر التي تشكل معاناة للمواطنين في معيشتهم هل يمكن حل هذه الإشكالية بالزيادة في الأجور؟


** يعتبر نمط الانتاج الرأسمالي ذو طبيعة ثورية، فقانون المزاحمة والتنافس بين الرأسماليين على تخفيض كلفة الانتاج تجعلهم في بحث محموم على اعتماد آخر صيحات الآلات الانتاجية واستخدام احدث تقنيات الانتاج وايضا اللجوء الى آخر مناهج التدبير الاقتصادي في مجالات الصناعة والانتاج، فهذه العملية التي تفرض نفسها على الرأسماليين بقوة لتخفيض تكاليف الانتاج وتبسيط مسلسل الانتاج وتقسيم العمل يؤدي في نفس الوقت الى قيام العامل بعمل 5 أو 10 أو 20 عامل، مما يزيد المزاحمة بين العمال والى انخفاض الاجور أكثر نتيجة اتساع حجم البطالة نتيجة ذلك. وعندما يغدوا العمل بسيطا مع ما يرتبط بذلك من تزايد تقسيم العمل، لا تبقى لمهارة العامل الخاصة أية قيمة. فالعامل يتحول الى قوة منتجة بسيطة، رتيبة، أي إلى قوة لا يُتطلب منها أية كفاءة جسدية أو فكرية ممتازة. ولذا يضغط المزاحمون على العمل من كل الجهات. ثم بقدر ما يغدوا العمل بسيطا وسهلا، بقدر ما تقل نفقات الإنتاج لاستيعابه، بقدر ما تهبط الأجرة، لأن الأجرة إنما تحددها نفقات الإنتاج، شأنها شأن سعر أية بضاعة أخرى.


ودون العودة الى كيفية احتساب أجر العامل انطلاقا من سعر قوة العمل والمدة التي يستغرقها العامل في انتاج البضاعة وهو الأجر الذي لا يتجاوز قدرة العامل على تجديد قوة عمله وتجديد نسله. فإن قيمة هذا الأجر الفعلية تتدهور بسرعة في مقابل معدل أرباح الرأسماليين التي تتزايد بشكل لولبي تصاعدي، فمن خلال سيرورة هذا التناقض تحدث الازمات على شكل تناقض موضوعي بين شساعة انتاج البضائع من جهة وعدم القدرة على تصريف تلك البضائع من جهة أخرى نظرا للتدهور الكلي للقدرة الشرائية للطبقة العاملة. فانطلاقا من هنا طبعا يصبح لزاما على الحكومة والباطرونا التفكير في زيادات ضرورية في الاجور حتى لا ينهار نمط الانتاج الرأسمالي نفسه.


• هل ترون أن الزيادة في الأجور يجب أن تكون شاملة لجميع فئات المأجورين أم تنحصر فقط في الأجور الدنيا؟


** ان كل اهمال لأجور فئة من الفئات الشغلية عند اقرار زيادت في الرواتب والاجور من شأنه خلق نفس الاختلالات في التوازن العام للاقتصاد الرأسمالي. فالزيادة في الاجور ليست مجرد اجراء تقني ميكانيكي، بل عبارة عن آلية اجتماعية تنبني على علاقات انتاج رأسمالية مختلة، لذلك فان كل معالجة جزئية لها الا وتحافظ وتعمق نفس الاختلالات السابقة والتي تبرز بسرعة الى السطح على شكل احتجاجات وازمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، خصوصا في مواجهة تفاقم ارتفاع الاسعار وعدم قدرة الفئات المحرومة تلبية ادنى حاجياتها الاساسية.


إن الحركة العمالية اليوم عشية فاتح ماي مدعوة أكثر من أي وقت مضى، نظرا للمؤامرات الطبقية التي تحاك ضدها، الى التوحد تحت راية الأداة السياسية للطبقة العاملة من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية وفي مقدمتها انهاء التفاوت والاستغلال الطبقيين ومن اجل الاشتراكية والتحرر والديموقراطية.