ج3 / ف 2 :التصوف والشذوذ الجنسى: تشريع فقه للشذوذ الجنسى عند الصوفية


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4768 - 2015 / 4 / 5 - 11:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية
الفصل الثانى : مفرادات الانحلال الخلقى الجسدى عند الصوفية
تشريع فقه للشذوذ الجنسى عند الصوفية :
1 ــ لأن الشذوذ الجنسى عندهم عقيدة كان لا بد له من تشريع فقهى . وكما كان الفقهاء كابن تيمية يصدرون الفتاوى النارية ضد انحلال التصوف وأصحابه ، فإن فقهاء التصوف قاموا بدورهم فى تشريع الشذوذ وبيان أحكامه وتلمس الأدلة لمشروعيته وإقناع باقى الناس بمشروعية مايقولون .
ويذكر ابن الجوزى قبل العصر المملوكى أن الصوفى ابن طاهر أباح العصيان ، وصنف كتابا فى جواز النظر إلى المردان .
2 ــ وعلى طريقة ابن الجوزى ألف ابن القيم فى العصر المملوكى كتابه ( إغاثة اللهفان) هاجم فيه بعض أنواع الفساد الصوفى ومنه تشريعهم للشذوذ ..
3 ــ ابن القيم يقول " ثم هم بعد هذا الضلال وألغى أربعةأقسام : ـ قوم يعتقدون أن هذا لله وهذا كثير فى طوائف العامة والمنتسبين إلى الفقر والتصوف وكثير من الأتراك" ( اى المماليك ) . أى أن الصوفية نجحوا فى نشر عقيدة الشاهد فى طوائف الأتراك أو المماليك الحكام ( وقوم يعلمون فى الباطن أن هذا ليس لله وإنما يظهرون أنه لله خداعا ومكرا وتسترا) أى تستروا بالتصوف فى ممارسة الانحلال ( القسم الثالث مقصدهم الفاحشة الكبرى) .
ثم يتحدث عن ظاهرة خطيرة هى الزواج بالأمرد ، يقول ( ثم قد يشتد بينهما الاتصال حتى يسمونه زواجا، ويقول تزوج فلان بفلان كما يفعله المستهزئون بآيات الله تعالى ودينه من مُجان الفساق ، ويقرهم الحاضرون على ذلك ، ويضحكون منه ويعجبهم مثل ذلك النكاح والمزاح) ( وقد آل الأمر بكثير من هؤلاء إلى ترجيح وطء المردان على نكاح النسوان ، وقالوا هو أسلم من الحبل والولادة ومئونة النكاح والشكوى إلى القاضى وفرض النفقة والحبس على الحقوق ، وربما قال بعضهم أن جماع النساء يأخذ من القوة أكثر مما يأخذ جماع الصبيان لأن .. إلخ) . ونكتفى بهذا من أقواله ..
4 ــ ويتحدث عن تأليف الصوفية الأحاديث يتقربون بها لاستمالة كثير من المردان وتشجيعهم على بذل مؤخراتهم للراغبين فيها . يقول: ( وربما يقول بعض زنادقة هؤلاء" الأمرد حبيب الله والملتحى عدو الله " وربما اعتقد كثير من المردان أن هذا صحيح ، وأنه المراد بقوله إذا أحب الله الصبى نادى جبريل إنى أحب فلانا فأحبه .. الحديث ، وأنه توضع له المحبة فى الأرض فيعجبه أن يُحب ويفتخر بذلك بين الناس ، ويعجبه أن يقال هو معشوق ، أو حظوة البلد، وأن الناس يتغايرون على محبته ، ونحو ذلك)
4 ــ وكما وضعوا الأحاديث لاستمالة المردان قام أولئك( الفقهاءالصوفية ) بتصنيف المردان إلى ثلاثة أقسام ، يقول ابن القيم ( وقسمت هذه الطائفة المفعول إلى ثلاثة أقسام ، مؤاجر ومملوك ومعشوق خاص ، فالأول بإزاء البغايا المؤجرات أنفسهن ، الثانى بإزاء الأمة والسرية ، والثالث بإزاء الزوجة أو الأجنبية المعشوقة).
5 ــ وبعضهم حاول إيجاد مصدر تشريعى بتأويل القرآن ، يقول ابن القيم ( ونظير هذا الظن الكاذب .. ظن كثير من الجهلة أن الفاحشة بالمملوك كالمباحة أو مباحة ، أو أنها أيسر من ارتكابها مع الحر، وتأولت هذه الفرقة القرآن فى ذلك ، وأدخلت المملوك فى قوله تعالى ( إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم).. ومن تأول هذه الآية على وطء الذكران من المماليك فهو كافر بإتفاق الأمة ، قال شيخنا ابن تيمية ومن هؤلاء من يتأول قوله تعالى (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ) على ذلك ، وقد سألت بعض الناس عن هذه الآية ، وكان ممن يقرأ القرآن ، فظن أن معناها فى إباحة ذكران العبيد المؤمنين ، ومنهم من يجعله مسألة نزاع يبيحه بعض العلماء ويحرمه بعضهم ، ويقول اختلافهم شبهة ، وهذا كذب وجهل ، فإنه ليس فى فرق الأمة من يبيح ذلك .. وإنما يبيحه زنادقة العالم )
6 ــ ـ وواضح من كلام ابن القيم أن فتاوى التصوف فى إباحة الشذوذ قد انتشرت ، وبدا الأمر كما لو كان نزاعا بين فقهاء ، فأصبح ذلك فى حد ذاته مسوغا لاستحلاله ، على أساس أن اختلاف الفقهاء فى أمر هو رحمة أو على أقل تقدير هو شبهة .
7 ــ وتسلل فقهاء التصوف إلى إباحة الشذوذ بطريق آخر ، هو الضرورة ، ونشروا هذه الفتاوى بين طلاب المتعة الشاذة واقتنع بعضهم ، والبعض الآخر حاول أن يتأكد من ابن القيم ،يقول( ومنهم من يقول هو مباح للضرورة . مثل أن يبقى الرجل أربعين يوما لايجامع ، إلى أمثال هذه الأمور التى خاطبنى فيها وسألنى عنها طوائف من الجند والعامة والفقراء).
8 ــ وبعضهم حرم الاغتصاب فقط ، يقول ابن القيم( ومنهم من يرى أن التحريم إنما إكراه الصبى على فعل الفاحشة ، فإذا كان مختارا راضيا لم يكن بذلك بأس ، فكأن المحرم من ذلك إنما هو الظلم والعدوان بإكراه المفعول به ، قال شيخنا : وحكى من أثق به أن بعض هؤلاء أخذ على الفاحشة ، فُحكم عليه بالحد، فقال هو والله ارتضى ذلك وماأكرهته وماغصبته ، فكيف أعاقب ؟).
9 ــ ثم يقول ( ومن هؤلاء من يعتقد أن العشق إذا بلغ بالعاشق إلى حد يخاف معه التلف أبيح له وطء معشوقه للضرورة .. ومن أخف هؤلاء جرما من يرتكب ذلك معتقدا تحريمه، وأنه إذا قضى حاجته ، فإذا استغفر الله فكأن ماكان لم يكن) . ونمسك عن التعليق، وقد نقلنا من كلام ابن القيم مايستسيغه ذوق عصرنا ،ونشفعه باعتذار عن اضطرارنا لإثبات ماسبق ..
ـ والشيخ رفاعة الطهطاوي
1 ــ رفاعة الطهطاوي ( 1801 ـ 1873 ) ذهب الى فرنسا عام 1826 إماما لبعثة من 34 من الطلبة المصريين ، وسجل إنطباعاته عن الفرنسيين فى كتابه المشهور ( تخليص الابريز فى تلخيص باريز ) والذى قدمه للإمتحان ضمن كتب أخرى للإمتحان عام فى 19 اكتبوبر عام 1930 .
وقد أعادت نشره الهيئة العامة للكتاب المصرية فى ثلاثة أجزاء فى طبعة شعبية فى سلسلة التنوير ( المواجهة ) عام 1993.
2 ــ ذهب الطهطاوى الى فرنسا يحمل ثقافته الصوفية المصرية ، ومنها الشذوذ الجنسى ، وكانت مفاجاته قاسية حين رأى الفرنسيين في عصره لا يعرفون هذا الشيء !! يقول : ( من الأمور المستحسنة في طباعهم عدم ميلهم إلى الأحداث والتشبب "أي التغزل " فيهم أصلاً ، فهذا أمر منسي الذكر عندهم تأباه طبيعتهم وأخلاقهم ، فمن محاسن لسانهم وأشعارهم أنها تأبى تغزل الجنس في جنسه ، فلا يحسن في اللغة الفرنساوية قول الرجل : عشقت غلاماً فإن هذا يكون من الكلام المنبوذ المشكل ، فلذلك إذا ترجم أحدهم كتاباً من كتبنا يقلب الكلام إلى وجه آخر ، فيقول في ترجمة تلك الجملة ـ عشقت غلامة ـ " أي أنثى" ليتخلص من ذلك ، فإنهم يرون هذا من فساد الخلاق . والحق معهم .. وهذا الأمر عندهم من اشد الفواحش ، حتى إنه قلما ذكروه صريحاً في كتبهم ، بل يكنون عنه بما أمكن ، ولا يسمح التحدث به أصلاً) .( تخليص الابريز 2 / 152 )
3 ــ هكذا يعترف الطهطاوي بأن الحق معهم ، إلا أن ثقافته تأبى ذلك ، بدليل أنه حين سمع ضرب الناقوس فى فرنسا قال شعراً يتغزل فيه بالصبي أو الرجل الذي يدق الناقوس ، قال :
منذ جاء يضرب بالناقوس قلت له من علم الظبي ضربا بالنواقيس
( تخليص الابريز 1 / 112 : 113 ).
أخيرا :
1 ــ كل ما كرره رب العزة عن قوم لوط لم يهتم به المحمديون الذين إتخذوا القرآن الكريم مهجورا . أدمنوا الشذوذ الجنسى بل جعله دين التصوف شعيرة دينية ، فى الوقت الذى تنزّه عن هذا الرجس الغرب الأوربى والأمريكى ، الى أن وصلت اليه ــ أخيرا ــ بركات المحمديين فعرفوا الشذوذ . ولا يزال الشذوذ منتشرا بين المحمديين ، ويقع فيه السلفيون الوهابيون قبل الصوفية والشيعة .
2 ــ ـ ويقول جل وعلا عن الرجز الذى أهلك قوم لوط : ( إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34)العنكبوت ). ويقول جل وعلا فى الآية التالية أنه جل وعلا ترك بعض آثارهم عبرة لقوم يعقلون ( وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) العنكبوت ). وتكرر هذا تحذيرا لكل قوم يرتكبون نفس جريمة الشذوذ . فهذه العقوبة ليست من الظالمين ببعيد ، يقول جل وعلا عن الرجز المُميت الذى أصاب قوم لوط : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ )ثم يقول جل وعلا : ( وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) هود ) . ويجعل رب العزة إهلاكهم بالرجز آية وعبرة للمؤمنين المتوسمين العقلاء : ( فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)الحجر) ولذا ترك آثارها على الطريق التجارى الى الشام:( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) الحجر). وكانوا يمرُّون على آثارهم ليلا ونهارا :( ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138) الصافات ). كل ذلك لم يأبه به المحمديون .!!
3 ــ قوم لوط فى قريتى سمود وعمورة تطرفوا فى فاحشة الشذوذ الى درجة تقديس القذارة وكراهية وتحريم التطهر ، فاتهموا لوطا والمؤمنين بأنهم ( أناس يتطهرون )، وأرادوا إخراجهم بهذه ( التهمة ) يقول جل وعلا فى قصصهم : ( وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) الاعراف )( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) النمل ).
4 ــ قوم لوط ــ مع هذا التطرف فى الفاحشة وكونهم أول من إقترفه ــ فلم يقولوا مقالة الصوفية بإعتبار المفعول به ( شاهدا ) على ( الجمال الالهى ) ولم يجعلوا لشذوذهم الجنسى أصلا فى عقيدتهم الدينية ، ولم يجعلوا له تشريعا فقهيا شأن العبادات . أى جعلوا شذوذهم مجرد معصية تدخل ضمن معاص أخرى، قال لهم عنها نبى الله لوط عليه السلام :( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (29) العنكبوت ). كانوا يؤمنون بالله مع إدمانهم للمعصية . ولكن تفوّق عليهم الصوفية المحمديون بجعل هذه المعصية عقيدة دينية وشعيرة تعبدية بمثل ما سبق تفصيله .
5 ــ وعقوبة الرجز المترتبة على الشذوذ ليست بعيدة .. وليس الايدز عنهم ببعيد . وانظر حولك وتأمل كيف تحلُّ لعنة الله جل وعلا بالمحمديين ، وهم يشترون السلاح بالبلايين ليقتلوا به أنفسهم . ما يفعلونه بـأنفسهم أفظع من الايدز ..