سوف نحظى بالحرية رغم أنف الغاصبين


عصام مخول
الحوار المتمدن - العدد: 4759 - 2015 / 3 / 26 - 13:09
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     


فؤاد قسيس، اسم من أسماء الشعب الفلسطيني الحسنى.. برز مناضلا وطنيا، وأمميا لافتا، وقائدا شيوعيا عنيدا منخرطا مع رفاق دربه، في المواجهة مع ثلاثي الامبريالية، والصهيونية والرجعية العربية – جميعها معا، وكل واحدة منها على حدة.
وبحسه الثوري والتزامه الوطني الصادق، اكتشف أبو الامين في وقت مبكر، وخلال التحاقه بجيش الانقاذ أن التصدي للمؤامرة الدنسة لتشريد الشعب وسلب الوطن، وانتصار قضية شعبه العادلة، وإنقاذ حقوقه القومية المشروعة لن تتحقق، إلا بوسائل نضالية عادلة، وقيم ثورية واعية.
وكان طبيعيا أن يجد هذا الشاب الوطني الثائر طريقه الى عصبة التحرر الوطني، لينتمي الى الفكر الشيوعي والبديل الاممي والخيار الثوري. واكتملت قناعاته وقناعات أبناء جيله، والاجيال القادمة من الشيوعيين، بأن النكبة ليست قضاء، و"أن الهزائم ليست قدرا" إذا سمح لنا الرفيق تيسير العاروري باستعارة عنوان كتابه.
لقد حدد الشيوعيون منذ البداية، وعلى طول الطريق، ويحددون اليوم أيضا، أن انتصار قضية التحرر والاستقلال الوطني، مرهون بالاعتماد على مشاركة الشعب الفلسطيني الكفاحية، وليس النضال نيابة عنه. ومرهون بإلقاء وزنه كاملا في المعركة السياسية والاجتماعية، واستنهاض طاقاته الكفاحية، واجتراح أساليبه الخلاقة للانخراط في أشكال مبدعة للمقاومة الشعبية والطبقية، وفي تثوير عماله، وفلاحيه، ومثقفيه الثوريين، وفئاته الشعبية المقهورة للصدام مع المحتل، والمستوطن، والمستغل، والمعتدي، والمتآمر، والمتواطئ، وفي الصدام مع ثقافة التخلف السياسي والاجتماعي ايضا.
وحدد الشيوعيون أن الانخراط في معركة التحرر الوطني والاستقلال، وإحقاق الحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني، ليس فقط أنه لا يتناقض مع مفاهيم الصراع الطبقي ومع المعركة الاجتماعية، ولكنه جزء أساسي من هذا الصراع. وإذا كانت القوى الطبقية المختلفة تتفاوت في قراءتها للمسألة القومية وفي قراءتها لمصالح الطبقات المختلفة المنخرطة في النضال القومي. فممثلو الطبقة العاملة والشرائح الشعبية المقهورة والمستغلة (بفتح الغين)، هم أكثر المؤتمنين على مصالح الشعب القومية واليومية، السياسية والاجتماعية.
في حالة الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل، فنحن لسنا مطالبين بالمفاضلة بين خوض الصراع الطبقي وبين الذود عن حقوقنا القومية داخل اسرائيل. فالواقع المركب يتطلب موقفا مركبا، ويتطلب قراءة طبقية لمصادر عقلية الاضطهاد العنصري، والصراع القومي، وطبيعة التناقضات داخل المجتمع الاسرائيلي، والمد الفاشي المنفلت.
وفي هذا السياق، تتخذ القوى الفاشية من التحريض على الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل، والتهويش الدموي عليها وسيلة لإحكام هيمنة المؤسسة الصهيونية المأزومة الحاكمة، ليس على المواطنين العرب فقط، وإنما لإحكام هيمنتها على الطبقة العاملة اليهودية والفئات الشعبية المتململة والمسحوقة في اسرائيل، في محاولة يائسة للتستير على التناقضات الطبقية، من خلال تأجيج العنصرية والكراهية والتخويف والعداء والمشاعر الشوفينية وتأجيج التناقض القومي العنصري المعادي للعرب.
في الاسبوع الماضي جرت الانتخابات للكنيست: نحن لا نحمل اليكم البشائر ولا ننشر الاوهام. برز في هذه المعركة، أن أزمة السياسة الاسرائيلية عميقة ومستعصية. وأن الانتخابات أعادت انتاج الازمة، وأكدت استمرار تخبط المؤسسة الاسرائيلية في دوامة الرفض والحرب والاحتلال.
واذا كانت جرائم الحرب الأخيرة على غزة قد سرّعت الانفجار الفاشي في اسرائيل، فإن انتخابات الكنيست قد عمّقت الأزمة وعززت من مواقع القوى الفاشية في مفاصل الحكم المأزوم، في ظل حكومة تحالف بين المستوطنين ورأس المال الكبير.
وضعت هذه الانتخابات الجماهير العربية المواطنة في اسرائيل في عين العاصفة. ووضع رئيس الحكومة الغارق في أزمته وعزلته الداخلية والعالمية، شرعية المواطنين العرب ومواطنتهم في موضع المساءلة والاتهام، وتعامل معهم كخطر استراتيجي يستدعي تأليب اليهود على العرب بأكثر الاشكال عنصرية وتخلفا، لينقذ مستقبله السياسي.
وأثبتت هذه الانتخابات، ان المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة التي عوّدتنا تاريخيا، أنها تخشى من انتمائنا الى شعبنا الفلسطيني وتحرض على وعينا لهويتنا كأقلية قومية - تشكل جزءًا حيا وفاعلا ونشيطا من الشعب الفلسطيني، فإنها كشفت بشكل سافر، أن مواطنتنا تشكل مصدر ذعر لها، وأن إصرارنا على ممارسة حقوقنا النابعة عن مواطنتنا يفقدها أعصابها المكشوفة.
ونحن نقول لهم من منصة فؤاد قسيس ورفاق دربه: إن مواطنتنا نابعة عن أننا أهل هذا الوطن الذي لا وطن لنا سواه، فنحن نتمسك بحقنا في القاء ثقلنا الكمي والنوعي لإحداث اختراق في النظام القائم في إسرائيل والعمل مع القوى التقدمية اليهودية لتغيير وجه إسرائيل، ووجهتها، وطابع الدولة وطبيعتها ورفض تعريفها كدولة يهودية.
إن التقسيمة التي نعتمدها استراتيجيا، والتي تشكل بالنسبة لنا خط توزيع المياه الفكري والسياسي في إسرائيل، هي ليست التقسيمة بين العرب، كل العرب من جهة، واليهود، كل اليهود من الجهة الأخرى، وإنما بين أولئك الذين لهم مصلحة في استمرار النظام القائم والفكر المهيمن في إسرائيل اليوم، وبين أولئك من العرب واليهود الذين لهم مصلحة في الغاء النظام القائم وتغييره تغييرا ثوريا.
لم تكن هذه انتخابات محلية فقط! فهاجس نتنياهو من وراء المبادرة الى انتخابات مبكرة جاء تجاوبا مع قراءته للواقع الجديد في المنطقة، وموقع اسرائيل وتحالفاتها التآمرية المشبوهة في إطار شرق اوسط جديد ليست العدوانية الاسرائيلية فيه هي المشكلة وانما هي الحل..
إن مشروع نتنياهو الذي حملته هذه الانتخابات، وتحمله حكومة اليمين الفاشي التي يعمل على تشكيلها بعد الانتخابات، يهدف الى اغتيال القضية الفلسطينية. وتعليقها. واستبدالها بقضية موقع اسرائيل وتحالفاتها المشبوهة مع أنظمة رجعية عربية في الوضع الجديد الناشئ في الشرق الاوسط، بعد ان بدأت المؤامرة على سوريا تتهاوى وتنقلب على رؤوس مدبِّريها، وأخذت فرص التحريض على الحرب على ايران تتضاءل.
يقول نتنياهو: في معرض دفاعه عن تصريحاته بشأن تراجعه عن حل الدولتين. انا لم أتغير ولم أتراجع عن خطاب بار ايلان. وانما الظروف الاقليمية تغيرت. وما كان صحيحا بشأن الدولة الفلسطينية، لم يعد صحيحا. العالم العربي تغير. والقضية الفلسطينية لم تعد هي المسألة الجوهرية.. فالمسائل الملحة تبدلت، هناك النووي الايراني، والارهاب، ويهودية اسرائيل، وداعش، وحدود الأمن الاسرائيلية على نهر الاردن، وتفكيك سوريا، أما المسألة الفلسطينية فعليها أن تنتظر ولا حل لها في المدى المنظور.
في زمن تفكيك الاوطان هذا، وحرب المذاهب وثقافات التفتيت، و"التجريف الاثني" والحضاري في "منطقة الربيع العربي"، وحملة الارهاب المعولم التي تقودها الامبريالية الامريكية وعكاكيزها الرجعية المهترئة في المنطقة على سوريا والعراق، من الطبيعي أن نستعيد ذكرى رفيقنا الراحل أبو الامين، والقيم الاممية التقدمية التي تمسك بها واستوعبها وتميز بها، واعتماد وحدة الصف الكفاحية.. والانتماء الى الموقف التقدمي والحضاري وبناء البديل الثوري.. من خلال مشروع مقاوم لمشاريع الهيمنة الامبريالية في المنطقة.
وما أحوجَنا في ذلك، الى الإرث الثوري الذي تركته لنا أجيال من الشيوعيين المعطائين، الذين حفروا بصماتهم في الصخر وعلى جدران السجون والمعتقلات وراكموا تضحياتهم الثورية على طريق الكفاح الفلسطيني، على وقع ندائهم الخالد:" يا شعوب الشرق هذا.. وقت رد الغاصبين ".. يا شعوب الشرق هيا.. لنضالنا المبين.. سوف نحظى بالحرية، رغم أنف الغاصبين ".
لتبقَ ذكرى أبو الأمين – قائدا بارزا من هؤلاء - خالدة معنا وفينا.


*ألقيت في المهرجان التأبيني المَهيب للقائد الشيوعي الفلسطيني العريق فؤاد قسيس في رام الله هذا الاسبوع في الذكرى الاولى لرحيله