مع اقتراب اولى الجولات الانتخابية في البلاد / أسبانيا .. لا بديل لوحدة قوى اليسار


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 4755 - 2015 / 3 / 21 - 22:17
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     


يدور حديث واسع في الاوساط السياسة الاوربية عموما، واليسارية على وجه الخصوص، بشان اهمية عام 2015 بالنسبة لقوى اليسار الجذري في القارة، فبعد الانتصار التاريخي غير المسبوق لحزب اليسار اليوناني، ومعركته المستمرة مع مؤسسات الاتحاد الاوربي، والمراكز الراسمالية العالمية، التي ما تزال تحتل مساحة واسعة في عموم وسائل الاعلام في العالم، تتجه الأنظار الى اسبانيا، حيث يواصل حزب «نحن قادرون» اليساري تقدمه في استطلاعات الرأي، ويحتل اليوم المرتبة الأولى تاركا حزبي الشعب اليميني الحاكم ، والاشتراكي (من احزاب الاشتراكية الدولية) المعارض خلفه. ولكن قبل هذا وذاك على الحزب، الخارج من معطف حركة «الغاضبون» الاحتجاجية ضد سياسات التقشف اليمينية، والمتشكل حديثا، ان يخوض غمار السباق الانتخابي، ويحول استطلاعات الرأي الى واقع ملموس كما فعل ذلك نظيره اليوناني في الخامس والعشرين من كانون الثاني الفائت. والعقبة الاولى التي على الحزب ان يتخطاها بنجاح هي الانتخابات المحلية في ولاية الاندلس، والتي ستجري في الثاني والعشرين من آذار الحالي، يعقبها في الرابع والعشرين من ايار المقبل مارثون انتخابي، يشمل انتخابات محلية في عدد من الولايات الى جانب انتخابات مجالس البلديات في عموم البلاد. في السادس من اذار الحالي شكل حزب «نحن قادرون» قائمة مشتركة مع قائمة «دعونا ننتصر»، التي شكلها في وقت سابق نشطاء يساريون ينتمون الى مختلف منظمات اليسار الأسباني، قائمة انتخابية اسموها «مدريد ألآن» للفوز في انتخابات عمدة العاصمة مدريد.
واليسار الاسباني المتحد يجمع بين شكلي الحزب والتحالف السياسي، ويشكل الحزب الشيوعي الاسباني قوته الرئيسية، ويحتفظ باستقلاليته التنظيمية في اطاره. وتأسس اليسار الاسباني المتحد قبل ثلاثين عاما تقريبا، وارتبط بالاحتجاجات التي سادت اسبانيا ضد دخولها لحلف الناتو. وبالرغم من ان حزب «نحن قادرون» لا يرغب في التحالف مع الاحزاب التقليدية، ويعتبر اليسار المتحد جزءا منها، فان اليسار المتحد منقسم على نفسه بخصوص التحالفات. فهناك اكثرية داخله تدعو للعمل المشترك مع «نحن قادرون»، والاندماج في التحالفات المدنية التي ينشط الاخير داخلها، استعداداً للانتخابات البلدية. ولتجاوز الخلافات داخله نظم الحزب استفتاء لأعضائه لاتخاذ موقف بشأن المشاركة في قائمة «الآن مدريد»، وهي قائمة على صعيد مقاطعة مدريد، من عدمه، ومن جانب آخر اصدر نشطاء يساريون ينتمون الى احزاب، ومنظمات بيان « نحن يساريون» دعوا فيه الى مختلف قوى وحركات اليسار في عموم البلاد الى الوحدة.
ويشمل المارثون الانتخابي، انتخابات البلديات في عموم أسبانيا، وانتخابات برلمانات 13 ولاية، من مجموع 17 منطقة حكم ذاتي في البلاد. والولايات التي ستنظم فيها الانتخابات هي: أراغون، أستورياس، وجزر البليار، إكستريمادورا، وجزر الكناري، كانتابريا، كاستيل-لامانشا، قشتالة وليون، لاريوخا ومدريد ومورسيا، نافارا وفالنسيا، بالاضافة الى الاندلس التي ستدري انتخابات برلمانها في الاسبوع الاخير من الشهر الحالي كما اسلفنا.
وحلت رئيسة وزراء ولاية الأندلس سوزانا دياز (الحزب الاشتراكي) في السادس والعشرين من كانون الثاني عام 2015، برلمان الولاية، وجاء الحل المبكر وفق التفسير الرسمي بسبب الضغط الشديد، الذي يمارسه اليسار المتحد على الأشتراكيين في اطار التحالف الحاكم في الولاية. وفي كتلونيا ستجري ايضا انتخابات مبكرة، فقد اعلن رئيس وزراء الولاية آتور ماس في كانون الثاني الفائت، انه سيحل برلمان الولاية، ليفتح الطريق امام اجراء انتخابات مبكرة في السابع والعشرين من ايلول المقبل.
وسيشهد الخريف المقبل انتخابات برلمانية عامة في اسبانيا. ويسعى حزب «نحن قادرون» الى الفوز في هذه الانتخابات، وتشكيل حكومة يسارية. ولكن حتى الانتصار الانتخابي المرتقب هناك طريق طويل مليء بالمعوقات، ولعل احدها ان الحزب ما زال في طور بناء نظيماته، ولايملك اطراً تنظيمية في جميع نواحي البلاد، والمشكلة الثانية هي اعادة تجميع، وتنظيم صفوف اليسار.

«الآن مدريد»

في السادس من آذار اتفق حزب «نحن قادرون» مع منتدى «دعونا ننتصر» على الدخول في انتخابات البلديات بقائمة تحمل اسم «مدريد الآن».وقال المتحدثون باسم القائمة بيبا لوبيز مارتينيز وخوليو كافا خلال المؤتمر الصحفي: «نحن هنا للفوز بمقاعد مجلس المدينة ونعيده الى الشعب». وكان نشطاء في اليسار المتحد، وفي تجمع احزاب الخضر، وفي حركات اجتماعية, قد أسسوا، في الصيف الفائت، منتدى «دعونا ننتصر».
وفي المؤتمر الصحفي، أكد المتحدثان: ان جميع المواطنات والمواطنين مدعوون للمشاركة في المشروع، الذي بدأت انتخاباته التمهيدية، لاختيار مرشحي القائمة في التاسع من الشهر الحالي، على ان تنتهي في الرابع عشر منه. وهو نفسه اليوم الذي نظم فيه الاستفتاء داخل منظمات اليسار المتحد للتصويت على المشاركة في القائمة من عدمه. وشارك في الاستفتاء الذي شمل منطقة مدريد فقط 776 عضواً من اصل 1435 يحق لهم التصويت، وبعد فرز الاصوات، صوت ضد المشاركة في قائمة «الآن مدريد» 639, اي 89.3 في المائة من المشاركين، وصوت لصالح المشاركة 76 صوتا، والباقي كانت اوراقهم بيضاء.
وتأتي نتائج التصويت بالضد من الموقف العام للحزب الشيوعي الاسباني، واليسار المتحد، الداعية الى المشاركة في اوسع تحالف لقوى اليسار. وعلى وفق ما نشرته صحيفة الموندو الواسعة الانتشار فان اليسار المتحد في مدريد وبعد فرز الأصوات في الاستفتاء الأخير سوف لن يدخل الانتخابات البلدية في مقاطعة مدريد بقائمة «الآن مدريد»المشتركة.
وفي لقاء اجرته صحيفة الدياريو الالكترونية مع لويس غارثيا مونتيرو مرشح اليسار المتحد لرئاسة ولاية مدريد، وبشأن إمكانية التحالف مع «نحن قادرون» بعد الانتخابات، اكد مونتيرو، ان الحديث الان عن أية تحالفات سابق لأوانه، ويعدُّ تجاوزا على إرادة الناخبين وعدم احترام لأصواتهم, لذا فان القضية لا تتعلق برغبات البعض, وسننتظر نتائج الانتخابات، وان الاولوية ستكون لارادة الناخبين, عندها يمكن النظر في ما يمكن فعله. وأكد مونتيرو ايضا على ان اولوية حزبه الان تنصب على ازاحة حزب الشعب اليميني من مؤسسات مقاطعة مدريد وبلدياتها، نتيجة للسياسة الكارثية التي حرمت فئات واسعة من أبناء المقاطعة، من الخدمات الاجتماعية ووضعتهم على حافة الفقر والعوز، ناهيك عن فضائح الفساد السياسي التي أصبحت واقعا سياسيا معاشاً.
وستجري الانتخابات التمهيدية في الفترة 26 - 29 اذار الجاري، من اجل ان تكون قائمة «ألآن مدريد جاهزة في الاول من نيسان المقبل، للمشاركة في انتخابات مجالس البلديات في 24 ايار المقبل. ويسمح للمشاركة في الانتخابات التمهيدية بمشاركة الأفراد والقوائم.

صراعات داخل اليسار المتحد

ان اختيار هذا الاسلوب لاعداد القائمة الانتخابية «الآن مدريد»،غلق الباب امام التحالفات الانتخابية بين الاحزاب، كما كان يفضل ذلك اليسار المتحد، والذي اقترح هذا الشكل في الاستفتاء الداخلي لاعضائه، ناهيك عن الضغط على اليسار المتحد، الذي سببه موعد الانتهاء من تحديد اسماء المشاركين في القوائم الانتخابية، في اليوم ذاته، الذي حدده اليسار المتحد لاجراء الاستفتاء الداخلي. وسبق لمرشح اليسار المتحد لبلدية مدينة مدريد ماوريثيو ڤ-;-الينته, ومرشح اليسار المتحد للانتخابات العامة البرتو غارثون، اكد اهمية تشكيل قائمة مشتركة لقوى اليسار، ولكنهم اكدوا الالتزام بنتائج الاستفتاء، انطلاقا من القناعة بضرورة تجميع القوى المناهضة لسياسة التقشف.
وأكد ماوريثيو ڤ-;-الينته، وهو عضو في الحزب الشيوعي الأسباني، ويشغل حاليا مقعدا في مجلس بلدية العاصمة، ان اليسار المتحد كان مشاركا في التحضيرات لتشكيل قائمة «مدريد الآن»، وكان اعضاؤه مشاركين في كل مجاميع العمل. ويرى ڤ-;-الينته، ان هناك «امكانية غير مسبوقة للهيمنة على المؤسسات»، بغض النظر عن نتائج الاستفتاء «المهم الآن تطوير اهداف مشتركة، وتوحيد بعض المحاور البرنامجية». وسبق للناشط المدني والمحامي البالغ من العمر 49 عاما، ان انتخب كمرشح لليسار المتحد لمنصب عمدة العاصمة، وشكل ثنائيا مع تانيا سانشيز التي سميت كمرشحة اولى لمقاطعة مدريد، وهي احدى المقطعات الـ 17 التي تتشكل منها اسبانيا.
وكانت تانيا سانشيز قد تركت على اثر خلاف شديد مع قيادة اليسار المتحد في مقاطعة مدريد التنظيم، وكانت تقف مع فكرة «وحدة الشعب». لقد وقفت على الضد من قيادة اليسار المتحد في مدريد الكبرى، وبما يتوافق مع الموقف العام للحزب الشيوعي الاسباني، مع العمل المشترك مع قوى اليسار الأخرى. وبعد استقالتها من اليسار المتحد أسست منتدى «نداء من اجل مدريد»، بهدف تنشيط العمل من اجل التعبئة لاوسع تحالف يساري. وعلى الرغم من ان ماوريثيو ڤ-;-الينته مع التقارب مع قوى اليسار، الا انه فضل البقاء في اليسار المتحد.
وباستقالة تانيا سانشيز, تفجر الخلاف في منظمة اليسار المتحد في مقاطعة مدريد. وفي نهاية شباط تم طرد غريغوريو غوردو، وأنخيل بيريز متحدثا اليسار المتحد في مدريد من صفوف الحزب، بسبب تورطهما في فضيحة فساد مالية اثناء مشاركتهما في لجنة رقابة مصرف مدريد. وفي هذا السياق اعلنت منظمة الحزب الشيوعي الاسباني في العاصمة مدريد، في بيان مشترك مع قيادة الحزب المركزية دخول التحالفات اليسارية الجديدة مباشرة، ودون المرور بقوائم اليسار الاسباني المتحد، الذي يسعى بعض قادته في مدريد الى دخول الانتخابات بقوائم مستقلة.
واعلنت قيادة الشيوعي في مدريد، انها لا تعترف بقيادة اليسار الاسباني المتحد في عموم مقاطعة مدريد ذات الحكم الذاتي. وان الحزب الشيوعي يؤكد دعمه لتوجهات تانيا سانشيز. وشددت منظمة الشيوعي في مدريد بوضوح على ضرورة العمل مع قوى اليسار الاخرى، تماشيا مع السياسة العامة للحزب الشيوعي واليسار المتحد في عموم البلاد.
وتلقت «تانيا سانشيز وزملاؤها في «نداء مدريد الدعوة من زعيم «نحن قادرون» بابلو اغليسياس للدخول في قائمة «الآن مدريد». لان القائمة، وفق ما يرى الزعيم اليساري، يجب ان تشمل «كل الذين ناضلوا عبر سنوات ضد سياسة التقشف». من جانبها أكدت تانيا، حتى بعد تشكيل «الان مدريد» انها ترى» ضرورة ترشيح جميع القوى الشعبية التي تسعى لتغيير مدريد». ولهذا ستعمل «حتى الدقيقة الآخيرة» من اجل استنفاد جميع الامكانيات للوصول الى اتفاق، او تنسيق مع جميع الافراد، لتحقيق التغيير السياسي، لان حزب «نحن قادرون» بمفرده غير كاف، لضمان تحقيق التغيير السياسي في مدريد، وبهذا الصدد قالت تانيا «كل الاحتمالات مفتوحة وسنرى».
وعلى خلاف ما هو قائم في مدريد، سيشارك تحالف لاحزاب اليسار في الانتخابات البلدية في سرقسطة يضم جميع احزاب اليسار المعروفة، ولكن حزب «نحن قادرون» اوضح منذ البدء انه لا يدخل في انتخابات البلدية باسمه وشعاره، وانه سيدخل هذه التحالفات من خلال منتدى «دعونا ننتصر» دون ان يشارك في هذه التحالفات بشكل مباشر. ولكن المشاركة الواسعة لاعضاء حزب «نحن قادرون» في القوائم الانتخابية ستجعله قوة رئيسة فيها.
يمكن القول هناك اتجاه عام في القوى الرئيسة لليسار الاسباني، يؤكد على ضرورة تجميع القوى لازاحة اليمين من السلطة في الانتخابات العامة في الخريف المقبل، ويمكن ان تعد انتخابات برلمانات المقاطعات، وانتخابات مجالس البلديات تمرينات مهمة لخوض معركة الخريف الانتخابية الفاصلة. ومما لا شك فيه ان اليسار الاسباني سيحقق نتائج كبيرة، تتجاوز نتائجه الانتخابية، منذ عودة البلاد للديمقراطية على اثر وفاة الجنرال فرانكو منتنصف السبعينيات. ويبقى السؤال مفتوحا حول امكانية هذا اليسار على تكرارنسخة الانتصار اليوناني مفتوحا، ويبقى عامل الزمن، واستكمال البنى التنظيمية، وتراكم تجارب التقارب بين قواه المختلفة، عوامل هامة توفرت لحزب اليسار اليوناني عبر اكثر من عشر سنوات من النجاحات, التي بدأت صغيرة ثم اتسعت لتثمر اول حكومة يسارية في تاريخ اليونان الحديث. فهل سيتجاوز يساريو اسبانيا التباينات التي يعانون منها خصوصا في مقاطعة مدريد، ويختصرون الزمن ويتمكنون من اللحاق بالسفينة اليونانية؟ هذا ما ستكشفه الايام والاسابيع والأشهر القامة.

بيان «نحن يساريون»

تجري عملية تجميع قوى اليسار الاسباني على قدم وساق. واعطى العملية زخما بيان «نحن يساريون»، الذي اصدره نشطاء يساريون ينتمون لحزب «نحن قادرون»، اليسار المتحد، الحزب الاشتراكي، الحزب الاشتراكي في كتلونيا، نقابيون ينتمون لمختلف الاتحادات النقابية. ودعا هؤلاء النشطاء في بيانهم الى تشكيل جبهة الشعب ضد اليمين. ولاهمية ما احتواه البيان من مواقف سياسية ورؤية فكرية وفي ما يلي ترجمة لنصه المنشور على موقع «شيوعيون» الالماني:
ان اليمين الأسباني الذي يهيمن على بلدنا لفترة طويلة جدا (سواء في الحكومة أم من خلف الستار)، عزز مواقعه في السلطة من خلال تحرضينا نحن اليساريون ضد بعضنا البعض. مطبقا القول العسكري المأثور «فرق تسد»., مستفيدا من اتهام بعضنا البعض، والتأكيد على تناقضاتنا الداخلية: انتم شيوعيون،اللعنة للستالينيين! انتم الاشتراكيون، انتم الذين بعتنونا للرأسمال! انتن في الحركة النسوية، ان نضالكن ليس نضالاً طبقياً! انكم تنسون الثورة! الا ترى ان ماسبق ليس غريبا على مسامعك؟ ودوما يتكرر الشيء ذاته، عام بعد آخر نتبادل هذا التراشق، وندمر بعضنا البعض، في حين ان اليمين يستمتع باختلافاتنا، وانشقاقاتنا العصبوية. الا يؤلمك هذا؟ لقد حاولوا دوما شق صفوفنا، المحافظون، واحيانا قيادات في قمة احزابنا، الذين يشتريهم المتسلطون، ولكن هل تعلم لماذا؟ لانهم يخشوننا، ويتملكهم الخوف منا. فلا شيء يخيف اليمين اكثر من جبهة الشعب. لذلك يرتجفون في كل مرة، لدى سماعهم ذلك، ولماذا؟ لاننا يساريون.
وهذا اكثر اهمية من حصر الامر في انتماءاتنا الحزبية، وراياتنا، واسماء قادتنا الحزبيين: افكارنا المشتركة كيسار. الافكار ذات الصدى الواسع. افكار مثل الحرية، المساواة، العدالة، التضامن، والتقدم. افكار جميلة جدا، قدم لها اجدادنا، في نضالهم السياسي عرقهم، تركوا حتى دماءهم في ميادين المعارك تسيل. أفكار لن تشيخ، لانها تسعى الى تجسيد مثلنا كمواطنين: ان نعيش جميعا بكرامة ومساواة، دون مستغلين، ومستغلين (بفتح الغين). هل هناك احد يعترض على ذلك؟ لا احد. لماذا؟ لاننا يساريون.
ومن هذه الافكار العظيمة تنبثق الاخرى. مثل فروع شجرة مزهرة تزين وتقوي الجذور. الاشتراكية، حماية البيئة، والشيوعية، الفوضوية، الحركة النسوية، حركة السلام، حركات المساواة،الوطنيون التقدميون، أو المذهب الاجتماعي المسيحي وأيديولوجيات مختلفة، كلها محترمة، وبالقدر نفسه من الأهمية. جميعها تسعى إلى الدفاع عن المكتسبات الاجتماعية، وتناضل من أجل التعليم العام والصحة، وتقاوم عمليات الإخلاء القسري، وتنمي الوعي بالجندر، وتواجه التقشف، وتدافع عن سيادتنا ضد المراكز المالية فوق القومية. ان هذا التنوع لا يجزئنا، ولا يفصلنا، بل يثرينا، ويكملنا، لان خارج هذا كله يبقى واضحا لنا، من هو خصمنا: انه اليمين. لماذا؟ لاننا يساريون.
قبل فترة قصيرة حمل لنا اخيرا مهد الديمقراطية في اليونان، ولادة امل بالنسبة لنا جميعا، أولائك، الذين يعدون انفسهم يساريين في منطقة البحر الابيض المتوسط. ان حزب اليسار اليوناني هو تحالف يضم اكثر من 10 قوى، ومدعوم من عدد لا محدود من المنتديات الاجتماعية، ومجاميع مبادرات المواطنين، اشر لنا امكانية الانتصار في المعركة ضد الخصوم، على الرغم من إمكانياتهم وسلطتهم الهائلة. وفي اسبانيا ايضا نستطيع الانتصار، عندما لايعمل كل من يعدون انفسهم يساريين ضد بعضهم البعض، بل يتكاملون، ويركزون على الهدف المشترك: الهزيمة النهائية لليمين.كمواطنين أسبان نعاني منذ سنوات من الحط من مكانتنا، ومن التعنيف، والاهانة، من قبل قادة غير كفوءين، متشبثين بالسلطة، ومستفيدين من انقسامنا وسلبيتنا واحباطنا. لهذا يخافون صحوتنا واتحادنا، لانهم يعلمون اننا اكثر مما نحن عليه، وما سنكونه. ولماذا؟ لاننا يساريون.
ان ما يميزنا نحن اليساريون، قبل كل شيء، تعدد ألواننا. نحن حمر مثل النقابات والصراع الطبقي، وخضر مثل الطبيعة، والدفاع عن التعليم العام، وبنفسجيون مثل الحركة النسوية، والدفاع عن الجمهورية، وصفركما هو ضميرحقوق الانسان، والنضال ضد عقوبة السجن، وبيض مثل المطالبة بقطاع صحة عام، وحق الجميع بالرعاية الصحية، بغض النظر عن وضعنا الاقتصادي. وليس لدينا مشكلة مع هذه الاشياء، انها جميعا الوان متعددة لأصابع يد واحدة، يقوي بعضها البعض. ان اتساع لوحة الواننا، يجب ان تصبح من الآن فصاعدا مصدر قوتنا، وليس مصدر ضعفنا. لماذا؟ لاننا يساريون. علينا التأكيد على ما يوحدنا وهو كثير، وننسى ما يفرقنا وهو قليل. جذريون ونقابيون من جميع تيارات اليسار السياسية، اعضاء منتديات المواطنين، وحركات المجتمع المدني، نقابيون، ومثقفون، واناس مستقلون: لنتوحد في جبهة مشتركة. دعونا مرة والى الابد نتحدى اليمين، والا سيلتهموننا بكل قوتهم.
انها ليست لحظة ابراز الخصومات، بل لحظة تذكر، ان فكرة واحدة توحدنا. لقد حانت ساعة وضع خلافاتنا جانبا، والسير معا باتجاه النصر القريب. ان سفينة يسار البحر الابيض المتوسط أبحرت من اليونان ومرساها القادم اسبانيا. لا تبقى على الساحل! تعال معنا الى السفينة، وانضم الى التغيير. نحن مواطنو هذه البلاد، نحن الأغلبية، ونحن يساريون.