تأمّلات فلسفية: هل الطبيعة ديالكتيكية؟


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 4744 - 2015 / 3 / 10 - 08:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

الفلاسفة معروفون في التاريخ الاوربي منذ القدم في اليونان القديمة و كان الفلاسفة الأوائل منهمكين بالدرجة الأولى في الأسئلة عن الفيزياء والفلك في نوع الفلسفة المسماة فلسفة الطبيعة. و قد تطبّع تاريخ الفلسفة بخصائص المراحل التاريخية و الثقافية التي ظهرت فيها . وارتبطت الفلسفة و المسيحية في القرون الوسطى بعلاقات وثيقة ، و حاز الانسان في عصر النهضة على مكانة أكبر وقيمة أعلى من قبل ، و غدت المعارف الجديدة في القرنين السابع عشر و الثامن عشر تترك تأثيرها على الفلسفة.

ليست الفلسفة ظاهرة غربية تاريخيا لكن فلسفة الغرب و حكمته هي التي تسود العالم اليوم أو هي المعروفة لنا وإن انتفى العمل ولم تعد البرجوازية المعاصرة المتفسخة بحاجة اليها. إن الفلاسفة في هذا العصر يتبوءون مكانا هامشيا و ليس لهم نفوذ كبير في اغلب قضايا الحياة اليومية ، لا في المعادلات السياسية و لا في مناهج العمل و التفكير ، و لا يمكن تصنيف كل أنواع الأخلاق جزء من الفلسفة . العالم اصبح أكثر فأكثر عمليا ، وأن أية فكرة يتم تقييمها أدنى من النتيجة الملموسة . التعرف على أفكار الفلاسفة اصبح محدودا مثل أية مادة تدريسية و قل الاهتمام بكتبهم ونتاجاتهم . لكن الفلاسفة بالتأكيد ليسوا في خطر ، فالتفلسف بطبيعته لا يمكن أن يموت ، مثله مثل الشعر الحديث جمهوره أقلية ضئيلة في المجتمع ، وإن الفلسفة التي تعاملت مع المسائل الحياتية لا تزال جذابة و ضرورية للباحث و المفكر المعاصر .


هل الطبيعة ديالكتيكية ؟
هذا السؤال سيجيب عليه بالايجاب كل من يقبل بالمادية الديالكتيكية كفلسفة ، رغم أن الفيلسوف الماركسي جورجي لوكاتش لا يرى ذلك وكانت حجته في ذلك أن الذات و الموضوع و كذلك الحرية و الضرورة ليست على صلة وثيقة بالطبيعة ، وهذا برأيي شيء معقول . و لماركسيين آخرين أيضا اسباب أخرى في عدم تبنيهم المادية الديالكتيكية ، منها أن النسخة الهيحلية للديالكتيك كانت فاشلة ، وأن ماركس و انجلز كرسا طاقاتهما لتطبيق الديالكتيك على تاريح المجتمع البشري ، لا على الطبيعة.
فديالكتيك هيجل و ماركس لم يُفد العلوم الطبيعية إلا قليلا . و كان راي هيجل في الطبيعة رأيا ثابتا و بمعنى ما كان موقفه منها موقفا ماديا لاستناده على المعارف و العلوم التي وصلت اليه البشرية في عهده في بلورة رؤيته تلك .
لم يعرف هيجل أن داروين سيظهر بعد عقود بنظريته الثورية عن ارتقاء الأنواع ، تلك النظرية التي كانت ستتلاءم مع ديالكتيكه وسوف تدعمه.
فإن كان للمجتمع البشري تاريخ تطور و تحولات ،فللطبيعة أيضا تاريخ تحولات و تغيرات . فقد رحب ماركس و انجلز ترحيبا حارا بنظريات داروين وقبلاها بحماس لأنها أكدت على آرائهما الفلسفية التي تؤكد على أن كل شيء في الوجود هو في حالة تطور من مراحل دنيا إلى عليا . لكنهما – حسب علمي- لم يبحثا عن اسباب التطور في نظرية داروين ديالكتيكيا.
نعم أن الطبيعة ديالكتيكية لأن عملية التطور تجري فيها و تنتج عنها ظواهر جديدة . فالانسان ليس كائنا اجتماعيا فحسب ، بل هو كائن طبيعي أيضا، و له أصل في الطبيعة " الأمّ".
المجتمع البشري يحمل في داخله دائما " تناقضات" جديدة وبالتالي علاقات و جدلية جديدة. ويمكن فهم قوانين المجتمع انطلاقا من الخصائص المميزة للإنسان. وإن "القوانين الطبيعية " الاقتصادية انما هي تعبير عن العلاقات بين طبقات المجتمع . للفلسفة نهج شامل ، بعكس العلوم التخصصية .وحينذاك يساعد ادراك قوانين الديالكتيك ، مثلا ادراك العلاقة الديالكتيكية بين الذات و الموضوع على فهم المجتمع .
يمكننا أن نقول إن الطبيعة ديالكتيكية لأنها تتطور لكننا لا نستطيع الادعاء بفهم أسباب تطورها انطلاقا من مقولات هيجل وماركس الديالكتيكية. و من الضروري أن نميز بين ديالكتيك الطبيعة و علوم الطبيعة .
فهمنا لأية ظاهرة سيبقى ناقصا ان اقتصرنا في رؤيتنا للعالم على عبارات من قبيل أن "التناقضات الداخلية" في الشيء تؤدي إلى تطوره . فهذه النظرة اعتبرها من بقايا المثالية الهيجلية .
و للموضوع صلات