دلالات التناقض السياسي في المغرب في مواجهة منظومة حقوق الانسان


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4733 - 2015 / 2 / 27 - 07:41
المحور: حقوق الانسان     

توصل عبد السلام أديب بعدد من الاسئلة التي طرحتها مجلة تحرريات على عدد من الفاعلين الحقوقيين والمتعلقة بقضايا حقوق الانسان خصوص على اثر انعقاد المنتدى العالمي الثاني لحقوق الانسان بمراكش، وقد جاءت الاجوبة كما يلي:


يقترح موقع تحرريات فتح حوار مع الفاعلين الحقوقيين حول موضوع حقوق الانسان بالمغرب ، خاصة بعد تنظيم المنتدى العالمي لحقوق الانسان بمراكش وما اثاره من جدل في صفوف الفاعلين والمهتمين بتطورات اوضاع حقوق الانسان بالمغرب.

تبدو الموافقة على استضافة المغرب للدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الانسان كمكافأة دولية للنظام المغربي على سياساته القمعية الممنهجة التي نجحت في كبح تطلعات الشعب المغربي الى الحرية والديمقراطية بعد قمع حركة 20 فبراير وهي تتقدم الان نحو التراجع عن المكتسبات والهوامش التي لازالت صامدة امام القمع . ولعل هذا ما يفسر توسيع دائرة الهيئات المشمولة بالرعاية القمعية لتشمل هيئات وحركات ليست معارضة صراحة للنظام وسياساته ، بعد ان كانت السياسات القمعية مركزة بشكل انتقائي حول الهيئات والجمعيات المعارضة للنظام والحركات الاحتجاجية المتضررة من سياساته.

لكن من جهة اخرى ، يبدو ان تعميم السياسات القمعية وفرض مزيد من القيود على الحريات الذي وصل الى حد الانتهاك الصارخ للقانون المنظم للحريات (منع هيئات قانونية من ممارسة نشاطها الحقوقي والثقافي، رفض تسليم وصولات ايداع بالنسبة لهيئات معترف بها....) هو عمل استباقي يمليه فشل حكومة بنكيران في استعادة هيبة الدولة التي نخر شرعيتها الفساد المستشري في دواليبها، وحالة الرعب السائدة في قمة النظام حول مستقبل الواجهة الديمقراطية التي تم تسويقها على انها تشكل "الاستثناء" في محيط اقليمي تنتفض شعوبه ضد الدكتاتورية.

حول المغزى السياسي لتصعيد النظام لسياساته القمعية ضد الحركة الحقوقية والاجتماعية وسبل توسيع دائرة المقاومة ، يجري موقع تحرريات عدة لقاءات وحوارات ضمن ملف حول حقوق الانسان بالمغرب. وفي ما يلي أجوبة عبد السلام أديب على المحاور المطروحة:
==========

* هل تعتقدون ان النظام قد نجح في تحقيق مناوراته خلال منتدى مراكش رغم الاحتجاجات الناجحة التي رافقت ايام انعقاد هذا المنتدى؟ وما هو تقييمكم لهذه الحركة الاحتجاجية المناهضة للمنتدى؟

** تدخلت عدة عوامل ذاتية وخارجية افشلت مناورة النظام للظهور بمظهر البلد الديموقراطي المدافع عن حقوق الانسان. فعلى المستوى الذاتي حاول النظام في نفس الوقت من جهة معاقبة القوى الحقوقية، التي تفضح نسبيا وجهه الاستبدادي البشع، عبر الغاء العشرات من الانشطة الحقوقية وعبر رفض التوصل بملف الايداع القانوني لعدد من فروع الجمعية المغربية لحقوق الانسان. ومن جهة أخرى عبر تنظيم المنتدى الحقوقي العالمي بمراكش واستدعاء العديد من القوى الحقوقية الاجنبية واغراء العديد من المنظمات الحقوقية الانتهازية المحلية للمشاركة بدل المقاطعة. لكن هذه المناورة الذاتية وتناقضها الصارخ مع قيم حقوق الانسان باءت بالفشل أمام المقاومة الحقوقية لانعقاد هذا المنتدى بواسطة الوقفات الاحتجاجية ومراسلة الجمعية للعديد من الاطراف الحقوقية الاجنبية. أما على مستوى العوامل الخارجية فقد ساهمت العواصف والفيضانات التي عرفتها المناطق الجنوبية للمغرب والتي ذهب ضحيتها خمسون مواطن وحيث تتبع الجميع كيف كان الاجانب ينقلون بواسطة طائرات الهيليكوبتير بينما كانت جثت الأموات المغاربة تنقل بواسطة شاحنات الازبال تعميق تناقض النظام في مواجهة المنظومة الحقوقية. كما تتبع الجميع احتجاجات ابناء منطقة محاميد الغزلان على تجاهل الدولة للجماهير الشعبية ضحية كارثة الفيضانات وذلك خلال زيارة وزير الداخلية لها والتي أدت الى اعتقال عددا من الشباب المحتج. فالطبيعة القمعية وعدم احترام النظام للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي وقع عليه منذ سنة 1979 كل ذلك شكل محطة تناقض حاد قاد إلى افشال محاولات النظام تجميل وجهه.


* كيف تفسرون المنحى التراجعي والصعود القمعي الأخير هل ينذر في نظركم بالعودة الى سنوات الرصاص.

** سلوك النظام في هذا المجال هو نفس سلوك أي نظام برجوازي آخر يعيش تعمقا لازمتيه الاقتصادية والسياسية، رغم ما قد يظهر من اختلاف على مستوى الحدة والدرجة التي قد يتخذها القمع. فكلما تعمقت ازمة النظام الاقتصادية والاجتماعية كلما اضطر الى برمجة سياسات تدبير أزمته على حساب الطبقات الشعبية وبالتالي اتخاذ الاحتياطات القمعية الايديولوجية والمادية اللازمة لتمرير تلك السياسات وفي مقدمة ذلك الخداع الايديولوجي والقمع الاقتصادي والمادي. ومع تفاقم الازمتين الاقتصادية والسياسية، رأينا النظام كيف لجأ الى كافة وسائله القمعية التي تذكرنا بسنوات الرصاص. ومعلوم ان الفاشية ظهرت تاريخيا في خضم الازمة الاقتصادية البرجوازية لسنة 1929، لذلك لا يجب ان ينخدع أحد حول الطبيعة الاجرامية للأنظمة البرجوازية حينما تكون بصدد الحفاظ على ذاتها.

* بماذا تفسرون الحرص الشديد على تسويق النظام لنفسه في صورة الملتزم باحترام حقوق الانسان والمنخرط في مسلسل الاصلاح والديمقراطية؟ ما هي الاهداف الداخلية والخارجية الكامنة خلف هذه السياسة الدعائية؟

** تلك هي تعاليم ميكيافيلي والميكيافلية على العموم، ففي ظل الدولة الطبقية وتحت رحمة الطبقة المهيمنة ومن اجل استمرار نفس النظام الطبقي تلجأ البرجوازية الحاكمة الى الخداع من قبيل تسويق صورة غير صحيحة عن التزامها بمبادئ حقوق الانسان والاصلاح والديموقراطية رغم خوفها الشديد حتى من المنظومة الحقوقية بمفهومها البرجوازي وحيث تعمد الى الغائها بممارساتها القمعية.

* ما هي في نظركم التناقضات والحلقات الضعيفة التي يمكن الارتكاز عليها لتطوير مقاومة فعالة ضد خطر الدولة البوليسية؟ وهل يمكن في نظركم ان يشكل النضال ضد القمع قاعدة مشتركة للف القوى السياسية والشعبية في جبهة موحدة؟ وما هي المبادرات التي يمكن الاقدام عليها في المدى المباشر ؟

** في ظل وضعية غير ثورية وهيمنة نمط التفكير البرجوازي الصغير على شرائح واسعة من الطبقة العاملة، فان البرجوازية تتمادى في استغلالها لقوة عمل العمال من اجل تحقيق تراكمها الرأسمالي البدائي، لكن هذا الاستغلال المفرط تكون عاقبته نهوض صراع طبقي موضوعي بشتى الوسائل ونهوض الوعي الطبقي والسياسي من اجل التحرر من الاستغلال. ومع تطور انفضاح النظام القائم وتصاعد حدة الصراع الطبقي فإن الأوضاع العامة تنتقل الى وضعية ثورية حادة تتزايد فيها الانتفاضات الشعبية وتتزايد في المقابل الممارسات البوليسية للنظام على شكل اختطافات وتعذيب وتلفيق الاتهامات والاحكام بالسجن لمدى سنوات. وهناك مثال عن هذه الوضعية الثورية الحادة وهي تلك التي شهدتها مصر قبيل تظاهرات 25 يناير 2011 والتي ادت الى اصطدامات عنيفة بين قوى البوليس والقوى المحتجة وتشكلت في اطارها جبهة لمقاومة قمع النظام البوليسي. إن شكل تطور الصراع الطبقي وديناميته هو الذي يبين مدى قدرة الجبهة الشعبية الممكن تشكلها على اسس تاكتيكية على ردع الدولة البوليسية وتحقيق التحرر والديموقراطية وحقوق الانسان.