معضلة البطالة و السياسة التشغيلية للحكومة


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4728 - 2015 / 2 / 22 - 23:45
المحور: الادارة و الاقتصاد     

أجرت الصحفية بجريدة المنعطف السيدة بشرى عطوشي حوارا مع عبد السلام أديب حول موضوع ارتفاع البطالة والسياسة التشغيلية للحكومة، وفيما يلى نص الحوار.

• توالت مؤخرا ومنذ بداية الشهر الحالي نشرات المندوبية السامية للتخطيط، تدق من خلالها ناقوس الخطر حول ارتفاع معدل البطالة، ألا تعتقدون بأن الحكومة تنهج سياسة غض الطرف عن كل التقارير المقدمة في الموضوع ؟

•• أعتقد ان النظام الاقتصادي الرأسمالي عندما يكون في عز الازمة والكساد، فإن الحكومات خادمة هذا النظام تسعى بكل جهدها الى تكييف هذه الأزمة وهذا الكساد اقتصاديا وسياسيا واجتماعية، وبطبيعة الحال أنه سواء بالنسبة لانعكاسات الازمة الاقتصادية على قطاع الشغل أو بالنسبة لانعكاسات السياسات الحكومية لتدبير هذه الأزمة على نفس القطاع، فان النتيجة تكون وخيمة وتتجلى على الخصوص في ارتفاع معدلات البطالة، وبالتالي تحاول الدوائر الحكومية المختصة اخفاء حقيقة مستوى البطالة.

حقيقة أنه سبق للمندوبية السامية للتخطيط أن أعلنت عن ارتفاع معدل البطالة خلال الربع الأخير من سنة 2014 الى نسبة 9,9 % بدلا من 9,2 %، لكنها في اطار توقعاتها لسنة 2015 واستعراضها لعدد من المؤشرات العالمية كانخفاض سعر البترول وتحسن الوضع الاقتصادي لبعض البلدان الرأسمالية الكبرى منها الولايات المتحدة الامريكية وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي وبالتالي انعكاس هذا التحسن على الطلب الخارجي على المنتوجات المغربية، وفي المقابل مؤشرات التساقطات المطرية التي تعد بسنة فلاحية جيدة، فبناء على مثل هذه المؤشرات الخارجة عن ارادة الحكومة أمكن للمندوبة ان تتوقع استقرار معدل البطالة سنة 2015 في نسبة 9,6 %.

ولا أعتقد هنا أن الحكومة تغض الطرف عن مثل هذه التوقعات خاصة اذا كانت ستستفيد منها في تهدئة الأوضاع الاجتماعية وبالتالي تحسين صورة الاحزاب المكونة لها في افق الانتخابات القادمة.

لكن التفاؤل الذي قد تتركه هذه التقارير المتضاربة والتوقعات الهشة لا يمكنها أن تخفي كوارث عمليات التكييف التي باشرتها الحكومة لتدبير الأزمة خاصة على كاهل الطبقات الاجتماعية المسحوقة والمتوسطة. فسياسات تكييف المجتمع مع شروط التراكم الرأسمالي خاصة عبر الغاء اموال دعم المنتجات الاساسية التي كانت توجه الى صندوق المقاصة وأيضا الغاء 15 مليار درهم من الاستثمار العمومي ورفع اسعار المحروقات وتطبيق المقايسة وانعكاس ذلك على ارتفاع اسعار مختلف المنتجات والخدمات. فمختلف هذه التكييفات انعكست في مجال التسريحات الجماعية والفردية للأيدي العاملة وتدني اجور الشغيلة وتقلص فرص التشغيل سواء في القطاع العمومي أو الخاص. فحتى نسبة 9,9 % من البطالة لا تتطابق فعلا مع الواقع الملموس خصوصا اذا ما أخذنا في الحسبان البطالة المقنعة أو أشكال الشغل الهامشية وأيضا معايير تعريف العطالة سواء في المدن أو في البادية. فالمعدل قد يرتفع كثيرا لكي يصبح برقمين.

وحتى بالنسبة للتحسن المتوقع خلال سنة 2015 من طرف المندوبية السامية للتخطيط أي 9,6 % فلا أعتقد أن الامر بهذه السهولة فهناك عوامل متناقضة تؤكد ان أي تحسن في الصادرات أو في الانتاج الفلاحي والصناعي وفي قطاع الخدمات قد لا يواكبه في نفس الوقت معدل مهم من امتصاص الاعداد الهائلة من جيوش العاطلين خاصة حاملي الشهادات العليا. وفي الوقت الذي يشتكي فيه القطاع العمومي من ارتفاع كتلة الاجور الى نسبة 11 % وبالتالي ضرورة تجميد التوظيف العمومي. فإن القطاع الخاص معروف بسوء التشغيل سواء في القطاع الفلاحي أو في قطاع المناجم. أو باستغلال القطاع الصناعي للأيدي العاملة المؤقتة عن طريق شركات الوساطة والذين يظلون تحت تهديد الطرد اذا ما طالبوا بتحسين الاجر أو بتحسين ظروف عملهم.

• ما هي قراءتكم للوضع الحالي و أزمة التشغيل بالمغرب ؟

•• كما أشرت في معرض جوابي على تساؤلكم الأول فإن تفاقم الأزمة الاقتصادية في المغرب منذ سنة 2008 دفعت الحكومتين المتعاقبتين لكل من عباس الفاسي وعبد الاله بنكيران الى اللجوء الى حزمة من السياسات التقشفية من اجل تدبير الازمة على حساب الايدي العاملة وعلى حساب الطبقة الوسطى وتوسيع حجم العطالة. فبعد مرحلة حكومة عباس الفاسي التي تسببت في تسريحات كبرى في العديد من القطاعات، خاصة قطاع النسيج الذي بلغت فيه تسريحات العمال سنة 2009 فقط، حوالي خمسين ألف عاملة وعامل تبعا لقرار خلية الازمة التي اتاحت للشركات المتضررة بتسريح 5 في المائة من عمالها.

وفي ظل تجميد الأجور وارتفاع الأسعار وتفاقم الوضع الاجتماعي الذي أطلق موضوعيا شرارة الاحتجاجات الجماهيرية والتي توسعت لكي تأخذ بعدا سياسيا مع حركة 20 فبراير مطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد؛ فمن أجل التخفيف من وتيرة هذه الاحتجاجات، تم اللجوء الى فرض اتفاق 26 أبريل 2011 بين الحكومة والمركزيات النقابية لتحييد الطبقة العاملة عن الصراع الطبقي وعن حركة 20 فبراير ثم اعتماد الدستور الممنوح لفاتح يوليوز 2011 ومن تم تنظيم انتخابات تشريعية في 25 نونبر 2011 والتي جاءت بحكومة عبد الاله بنكيران المؤلفة من احزاب العدالة والتنمية والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال في البداية قبل ان يترك مكانه لحزب الاحرار.

ومنذ البداية اعتمدت هذه الحكومة على نجاحها في الانتخابات التشريعية لرفع نسبة القمع البوليسي ضد جميع الحركات النقابية والاحتجاجية وفي مقدمتها حركة المعطلين وحركة 20 فبراير والاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والتي سقط ضحيتها في يناير 2012 معطلين من حملة الشهادات العليا نتيجة احراق الذات بل بلغ قمع المعطلين ان تم الزج بتسعة معطلين من حملة الشهادات العليا في السجن نتيجة اتهامات مفبركة واحكام ثقيلة. بل ان مستوى القمع البوليسي وصل سنة 2014 إلى درجة استهداف المنظمات الحقوقية المغربية ذات الصيت العالمي مثل الجمعية المغربية لحقوق الانسان والعصبة المغربية لحقوق الانسان وحتى فرع امنستي بالمغرب مع استهداف الصحافيين الاجانب.

فلقد ارتكزت حزمة السياسات الحكومية منذ تنصيبها على ثلاث ركائز رئيسية، تتمثل الأولى في القمع الممنهج لكافة أنواع الاحتجاجات على البطالة وعلى السكن غير اللائق وعلى السياسات الحكومية نفسها في مجالات شتى كالتعليم بجميع مراتبه والصحة والتهميش في المناطق النائية ...الخ، وتتمثل الركيزة السياسية الثانية في تمرير عدد من الاجراءات اللاشعبية واللاديموقراطية من قبيل سياسة الغلاء ورفع اسعار المحروقات وتعديل قانون الاحالة على التقاعد النسبي والغاء صندوق المقاصة. أما الركيزة السياسية الثالثة فتتمثل في عدد من الاجراءات الاقتصادية والمالية كالعفو عن ناهبي المال العام ارتكازا على مقولة "عفا الله عما سلف" والعفو عن مهربي الأموال نحو الخارج بمكافئتهم بعدم المتابعة في حالة ارجاع تلك الأموال الى البلاد، والغاء 15 مليار درهم من الاستثمارات العمومية سنة 2013، والاستناد على عدد من هبات دول مجلس التعاون الخليجي وايضا رفع وتيرة الاقتراض الخارجي.

ان مختلف هذه الاجراءات التكييفية استهدفت ايقاف سيرورة الازمة الاقتصادية، وبطبيعة الحال فإنها اجراءات طاردة لليد العاملة وليست مستوعبة لها. ومع انخفاض اسعار البترول في السوق العالمي منذ شهر دجنبر 2014 الى حين بلوغه 46 دولار للبرميل استفادت حكومة بنكيران مؤقتا على المدى القصير من عدم انفجار انعكاس سياساتها اللاشعبية على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. لكن مع شروع اسعار برميل البترول في الارتفاع وعودة الحكومة الى اللجوء الى نظام المقايسة برفع اسعار المحروقات عند البيع في 16 فبراير 2015، فيبدو أن كافة الانعكاسات السلبية التي اخفاها انخفاض اسعار النفط قد تنفجر فجأة قريبا بعد تراكمها التدريجي.

خلاصة ما سبق هو أن أزمة التشغيل بالمغرب مرتبطة بشكل وثيق بطبيعة الأزمة أولا وبطبيعة السياسات الحكومية ثانيا، وما دامت هذه السياسات على هذه الطبيعة في خدمة الامبريالية والاستغلال الرأسمالي على حساب الطبقات الشعبية المسحوقة فمن البديهي أن تزداد ازمة التشغيل تفاقما.

• نشرة المندوبية السامية للتخطيط أكدت أن ارتفاع عدد العاطلين يهم فئة الخرجين بالدرجة الأولى، ما هو تعليقكم ؟

•• لقد أصبحت أزمة عطالة حاملي الشهادات العليا أزمة وطنية هيكلية ولا يمكن للمندوبية السامية للتخطيط ان تتجاهلها في نشراتها الدورية. وتؤكد هذه الازمة الهيكلية على عمق الازمتين الاقتصادية والسياسية، فعلى مستوى أزمة الاقتصاد المغربي التبعي ذو التوجه الخارجي فنجده يستهدف من جهة تحقيق التراكم الرأسمالي البدائي للبرجوازية المحلية على حساب استغلال الطبقة العاملة وتكوين ما يسمى بالجيش الاحتياطي للعمل؛ ومن جهة أخرى تمكين الشركات الامبريالية عبر استغلالها للايدي العاملة المغربية باجور زهيدة (مثال شركة رونو بطنجة التي انتفض عمالها مؤخرا في وجهها) من تحقيق فوائض ارباح الهائلة وبالتالي العمل على ترحيلها نحو المتربول. وبذلك يدخل هذا النمط الاقتصادي التبعي في دائرة مفرغة من التخلف وضعف السوق الداخلي وعدم قدرته على استيعاب اليد العاملة الفائضة. أما على مستوى الأزمة السياسية والتي تقوم بالدرجة الأولى على استمرار هيمنة القوى الاقتصادية المحلية والعالمية على الحياة السياسية وفرض التنظيمات السياسية التي تخدم نفس النموذج الاقتصادي التبعي المنتج للتخلف والعطالة من خلال التلاعب بديموقراطية الواجهة وفرز النخب الموالية للنموذج المسيطر كما هو الشأن بالنسبة لحزب العدالة والتنمية. لكن هذا التلاعب يعبر عن عمق الازمة السياسية والتناقض القائم بين الطبقة الحاكمة والجماهير الشعبية وهي الازمة التي قد تترجم في مواجهات طبقية عنيفة في المستقبل.

إذن ففي ظل هذه الدوامة من الازمتين الاقتصادية والسياسية يمكن توقع تفاقم ازمة عطالة حاملي الشهادات العليا وتزايد احتجاجاتهم. فنفس السياسات تنتج نفس النتائج. لكن مع تزايد اعداد الخريجين العاطلين وتزايد وثيرة احتجاجاتهم وبالتالي تعمق الازمة السياسية فإن مآل هذه الاضطرابات واتساعها لتشمل كافة الطبقات الشعبية المقهورة مع الزمن، ان تؤدي الى انتفاضات سياسية شعبية قد تغير الأوضاع رأسا على عقب خصوصا إذا تبلورت الأذاة السياسية للطبقة العاملة المنظمة. فالمثل المعروف يقول ما زاد عن حده انقلب ضده. والاشارة هنا الى تراكم القمع بشكليه الاقتصادي والسياسي يفرض الانتقال نحو تغيير جذري.


• ما هو تأثير ارتفاع العاطلين على الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية ؟

•• ارتفاع عدد العاطلين يحقق للبرجوازية وارباب الشركات ميزة انخفاض الاجر نظرا للمزاحمة العنيفة التي يدخلها الباحثون عن الشغل. ففي ظل اتساع حجم العاطلون عن العمل تزداد شركات التشغيل بالوساطة لاستغلال قوة العمل بأجور زهيدة وبعقود عمل هشة ولمدد قصير جدا لا تمكن العامل من منصب عمل قار، وبالتالي يضطر الكثير من العمال الى القبول بأجور زهيدة جدا نظرا لاضطرارهم للعمل لإعالة انفسهم واسرهم. كما ان تزايد الخريجين العاطلين الذين يقبلون احيانا ببعض الاعمال الهامشية فانهم ينظمون انفسهم من اجل النضال المنظم والضغط من اجل دفع الحكومة الى ابتكار مجالات لتشغيلهم. لذلك فان نضالات هؤلاء الشباب من الخريجين تساهم في رفع مستوى الوعي السياسي الجماهيري وبالتالي البحث عن اساليب التغيير الجذرية.

تفاقم عدد العاطلين وتدني الاجور والقدرة الشرائية للجماهير الشعبية نظرا لكون هؤلاء العاطلين يتواجدون داخل كل اسرة مغربية تقريبا، فان ذلك يقلص من مستوى الطلب المنتجات والخدمات وبالتالي تراجع معدل الاستهلاك الكلي، ويعني هذا التراجع في الاستهلاك الكلي تفاقم الكساد والانتاج الزائد وهو ما يؤدي الى تراجع ارباح البرجوازية المحلية والدولية وبالتالي الى تراجع الاستثمار والى الازمة التي تولد من جديد البطالة حيث تصبح العطالة مولدة للعطالة.

ان كوارث العطالة كثيرة لا تحصى، يأتي في مقدمتها الافقار الواسع والامية والامراض الفتاكة والانتحارات والفساد والتعاطي للمخدرات والجرائم ... الخ