رماد لا يشتعل ردًا على ليندا كبرييل


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4709 - 2015 / 2 / 3 - 12:29
المحور: الادب والفن     

أولاً
أدبي الجديد، بما في ذلك النقد، لم يبدأ اليوم، بل منذ عشرات السنين، فمن يتعرف على جزء مني اليوم من واجبه أن يعرفني كلي، البارحة قبل اليوم، من واجبه أن يعرفني من جواي، كيلا يصدر حكمًا حسب الظواهر كما فعل بعض القراء. لمقالاتي الأخيرة خصوم ليسوا الأخيرين، خصومي هم ها هنا من المهد إلى اللحد، وأنا، كل ما أفعل، أترك لهم الحبل على الغارب، فالحرب الكلامية لا تزعجني على الإطلاق، يريحني أن أواصل المشوار مع الشعور بالخطر، بفضل هذا الشعور بالخطر أواصل الكتابة، بعد أن كنت الحركة التي أسست لعدم الاعتراف، وبالقبول، ربما، بعد موتي.

ثانيًا
خصومي مذ كان الخصوم لم يتركوا من بائس الكلام شيئًا إلا ورموني به، فضحك منهم الكلام، وجعلوا من أنفسهم سخرة أنفسهم، وشرف الإشارة إليهم يمنعني من ذكرهم، لأن دافعي هو احترامي لهم كأشخاص، فالمواقف شيء، وأصحابها شيء آخر. وفي السياق الذي نحن فيه، أقول في السياق الذي نحن فيه، يصبح من الكلام أقله رفضًا للمغايرة، ووسيلة للقضاء على المبدع من حيث لا يشاء صاحب أقل الكلام، خصوصًا عندما يضرم المبدع الرماد لا ينفخ فيه، يشعل العدم لا يشعل من العدم، ابتكارًا لفعل الخلق، وما يحمل فعل الخلق من شتى الرموز والعلامات.

ثالثًا
موقفي من الأدب العربي الحديث موقف سلبي، وليس هذا منذ اليوم، هناك استثناءات، باعترافي أنا في أكثر من مناسبة، استثناءات هذا صحيح، ولكنها لا ترقى بالأدب العربي إلى مصاف الأدب العالمي. إذن، موقفي محتمل وفي الوقت ذاته غير محتمل. من هذه الزاوية، زاوية المحتمل وغير المحتمل، وليس زاوية السعال واللهاث، لصحة قلمي الممتازة، كانت مقارباتي النقدية، ولم تزل، تاركةً للنص كل سلطته عليه، فينطق بلسان حاله. وبناء على ذلك، النص الرديء كالجيد يظل نصًا قابلاً للنقد، وموضوعًا للنقاش، والموضوع يَمَّحي خلف قول الموضوع، فالقول هو موضوع النقد الذي أمارسه، والتزام المتحاورين يكون حول القول، يعني المنقود، وليس حول الناقد، هكذا أفهم النقد والحوار والاختلاف في الآراء والتنوع في الأذواق.

رابعًا
ليندا كبرييل لم ترهق قراءها بتأكيدات تقليدية اعتدناها، وأقامت علاقات ذاتية، كما هو شأنها دومًا، مع قرائها، علاقات ودية، بدون أي تغرض لي. وعلى العكس، ظلت تخاطب قراءها كقيمة إبداعية كنتُ ذريعةً لها لا أكثر، تاركة لهم الحرية رأيًا وموقفًا ولها الحرية رأيًا وموقفًا، فلم تتردد عن شجب النقد القديم، ولجدارتها عرفت كيف تزاوج بين عينين تقرآنها، وتواجهان بعضهما، حول لا جدوى النقد القديم وجدوى النقد الجديد في اللا جدوى.

خامسًا
على غرار الكتابة عند رولان بارت، يصنع نص ليندا كبرييل مسارًا تخيليًا، إذ هي في الوقت الذي ترى فيه ما أمارسه من تحولات في النقد العربي تمثل مستقبل هذا النقد، تمارس على طريقتها نوعًا من الكتابة قراؤها هم وراء هذا المستقبل، تهزهم، تربكهم، تسائلهم، تتساءل عنهم، تشككهم، تشكك فيهم، تقنعهم، أو لا تقنعهم، ويغدو قراؤها، وليس هي، أسياد اللعبة.


باريس الاثنين 2015.02.02