مبادرة هامة وكبيرة على طريق تعريب العلوم ونشر المعرفة العلمية


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 4702 - 2015 / 1 / 27 - 20:05
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي     

مع تزايد المطالبة بتعريب العلوم ودراستها بالغة العربية تتصاعد المطالبة بإيلاء البحث العلمي إهتماماً أكبر، ذلك لأن البحث العلمي هو نافذة البشرية الوحيدة إلى التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والفكري, بل أن كل الثورات العلمية والصناعية والتكنولوجية والمعلوماتية ما هي إلا ثمرة من ثمرات التراكم المعرفي والعلمي القائم على أسس تطوير منهجية البحث العلمي- يؤكد الباحث الدكتورعامر صالح. وقد أثبتت البحوث أن نسبة تحصيل أي فرد حينما يدرس باللغة التي يتحدث بها أكبر بكثير من نسبة تحصيله لو درس بلغة مختلفة- وفقاً للمهندس خالد صبحي الكيلاني.

والمعروف ثمة علاقة جدلية بين البحث العلمي والتعليم العالي، وهما يمثلان وجهين لنفس العملة الى حد ان التعليم العالي متداخل ومتلازم مع البحث العلمي ولا يمكن ان يكون هنالك تعليم عال ما لم يرافقه نشاط بحثي والا كان التعليم العالي عبارة عن منظومة للتلقين وضخ للمعلومات الجاهزة من غير وجود مبررات قوية للاستفهام والابداع والابتكار وهذا لعمري- برأي أ.د عدنان صالح الجنابي- يمثل هزيمة للتعليم العالي ويفرغه من محتواه.
ومن منطلق تعزيز وتوثيق العلاقة الجدلية بين التعليم العالي والبحث العلمي وتوسيع نطاق الأخير،يعتبر الخبراء ان تعليم العلوم والتكنولوجيا باللغة الوطنية ينطوي على أهمية كبيرة لما له من أثر في التنمية المستدامة الأقتصادية والأجتماعية وفي التوجه نحو الأقتصاد القائم على المعرفة. في هذا المضمار، يشير أ.د. محمد مراياتي الى ان الأقتصاد يتجه عالمياً نحو إقتصاد قائم على المعرفة.وان الجهود والأستثمارات الكبيرة التي تضعها الدول العربية للتوجه نحو "مجتمع المعرفة" لن تكون مجدية إذا لم يرافقها وجود المعرفة والمعلومات العلمية والتكنولوجية باللغة العربية لكي تكون في متناول الفرد العربي،إذ لن يقوم مجتمع المعرفة في الدول العربية بدون معرفة باللغة العربية، على ان إستعمال القوى العاملة للغة العلمية والتكنولوجية لن يتحقق إلا إذا كان تعليم العلوم والتكنولوجيا يجري باللغة الوطنية لهذه القوى .

إرتباطاً بما ورد، يشكل صدور الطبعة العربية لمجلة النيتشر Nature Arabic Edition كدورية شهرية عالمية للعلوم ،حدثاً مهماً ومبادرة هامة وكبيرة على طريق تعريب العلوم ونشر المعرفة العلمية. فالأوساط العلمية في أرجاء العالم تعرف بان الـ Nature هي دورية علمية إسبوعية عالمية، تصدر باللغة الأنجليزية، وتعتبر واحدة من أبرز المصادر العلمية في العالم.وقد لمس جميع المعنيين الدور الكبير الذي لعبته هذه الدورية العالمية الرائدة للعلوم، طيلة 145 عاماً إنصرمت من عمرها المديد (صدرت لأول مرة في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1869 وأول من أصدرها هو الفيزيائي البريطاني السير جوزيف نورمان لوكير، الذي واصل رئاسة تحريرها طيلة نصف قرن كامل، لغاية عام 1919) وما تزال تواصل دورها الريادي المتألق في نشر أحدث العلوم والبحوث العلمية الرصينة والمعرفة العلمية الراقية.

الحدث الجديد في مسيرة الـ Nature ويهمُ قراء اللغة العربية هو أنها أصبحت منذ عامين، وتحديداً مع بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2012، متاحة باللغة العربية ومتوفرة على موقعها الألكتروني التالي:
http://arabicedition.nature.co
حيث يصدر العدد الجديد منها في بداية كل شهر ، الى جانب تحديث موقعها الألكتروني إسبوعياً..
وقد إحتفلت الطبعة العربية للدورية في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 بصدور العدد 24 منها ومرور عامين على صدورها.وبهذه المناسبة تضمن العدد 25 ملفاً خاصاً متضمناً إطلالة لمجموعة من العلماء على مستقبل العلوم في العالم العربي، بشكل عام ،ومستقبل تعليم العلوم والهندسة الوراثية وأبحاث الطاقة وتحلية المياه والطب الحيوي وعلوم الفلك،بشكل خاص،في ظل أحوال تعصف بإستقرار المنطقة وبإستقرار مؤسساتها العلمية، منتجاً خصيصاً للطبعة العربية المدعومة بالكامل من قبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.وتتوفر نسخ أعدادها على موقع المدينة بصيغة PDF وهي متاحة للجميع أيضاً.وعدا هذا، فان كامل محتوى الطبعة العربية الشهرية متاح لقراء العربية.ويمكن للراغب بإستلامها مراسلة هيئة تحريرها على البريد الألكتروني التالي: [email protected] وإرسال عنوانه لها لتصله بالبريد مجاناً كل شهر..

بهذه المبادرة الهامة والآنية، أصبح الآن بإستطاعة القارئ باللغة العربية الأطلاع بحرية على أحدث التطورات العلمية الرصينة من موقع الدورية العلمية الأسبوعية العالمية للعلوم Nature، عبر ما تنشره الطبعة العربية الشهرية من بحوث ومقالات وتقارير وأخبار علمية نشرتها الطبعة العالمية في الأعداد الأربعة لكل شهر.وتسمح هذه الطبعة للناطقين بالعربية في شتى أرجاء العالم بالوصول بلغتهم الأم الى اَحدث الأخبار والتعليقات العلمية العالية الجودة، بالأضافة الى الإطلاع على ملخصات لجميع الأوراق البحثية بمختلف التخصصات العلمية.والطبعة العربية تتضمن أبواب ثابتة،مثل: إفتتاحيات، رؤية كونية، أضواء على البحوث،تحقيقات،مستقبليات،مهن علمية،ثلاثون يوماً، أخبار في دائرة الضوء،أنباء واَراء، تعليقات، كتب وفنون ،مراسلات، صندوق الأدوات..وتتناول الأضواء التي تسلطها على البحوث علوم: الكيمياء،الفيزياء،الرياضيات،الفلك،البيئة،الموارد،المواد،تكنولوجيا حيوية،، فيزياء المواد المكثفة،الطب، الأدوية،الأحياء المجهرية،الجينوم،الأرض،المحيطات، التغذية،الأقتصاد،الحيوان،الغلاف الجوي،تغير المناخ، سلوك الحيوانات ، وغيرها.

ولعل ما تتميز به محتويات الطبعة العربية ليس فقط تنوعها وغناها بشتى الموضوعات العلمية، وإنما أيضاً بدقة الترجمة وسلامة اللغة وسلاسة الصياغة بفضل ما تتمتع به هيئة التحرير من كفاءة، وهي مؤلفة من: رئيس التحرير: مجدي سعيد. نائبا رئيس التحرير: د.خالد محروس و كريم الدجوي.مدير التحرير والتدقيق اللغوي: محسن بيومي. محرر علمي: نهى هندي و نهى خالد.مسستشار التحرير:أ.د. عبد العزيز السويلم. الترجمة:أ.د.سلطان المبارك.

مما لاشك فيه، ان تأثير صدور الطبعة العربية للدورية العالمية للعلوم Nature سيكون كبيراً في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي وفي نشر المعرفة العلمية ووضعها بمتناول القارئ باللغة العربية !