حقائق اقتصادية في الثقافة المصرية


إلهامي الميرغني
الحوار المتمدن - العدد: 4698 - 2015 / 1 / 23 - 08:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

حقائق اقتصادية في الثقافة المصرية
تشكل الثقافة أحد الفرائض الغائبة في الكثير من الحوارات المصرية.ورغم كثرة الحديث عن الإرهاب ومواجهته والتصدي له،وعن أهمية تطوير الخطاب الديني، إلا أن المسئولين وأصحاب السلطة والقرار يبحثون عن مواجهة التطرف والإرهاب من خلال الأجهزة الأمنية ومن خلال المؤسسات الدينية التي هي جزء أساسي من الأزمة.
كما تغيب الثقافة عن برامج العديد من الأحزاب السياسية في مصر. لذلك جاءت فكرة البحث في أرقام وحقائق الثقافة في مصر لكي تساعد الباحثين والأحزاب السياسية علي طرح رؤيتهم لعلاج مشاكل غياب الثقافة بجانب بحث قضية تطوير التعليم باعتبارهما الركائز الحقيقية لمواجهة الإرهاب والتطرف.
الأمية في مصر
منذ عشرينات القرن الماضي ونحن نسمع شعار الفقر والجهل والمرض.وعلي مدي عقود تحارب الحكومات المتعاقبة الأمية أكبر آفة تواجه مصر وتطورها.
لذلك أنشئت الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار عام 1992 بمقتضى القانون رقم ( 8 ) لسنة 1991 في شأن محو الأمية وتعليم الكبار . ورغم مرور 23 سنة علي تأسيس الهيئة جاءت نتائج آخر تعداد عام للسكان أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2006 عن وجود 17 مليون أمي في مصر يشكلون 29.6% من السكان عام 2006 وتبلغ نسبة الأمية 22.3% بين الذكور و 37.3% بين الإناث.
كما تبلغ الأمية 20.7% بين سكان الحضر و 37.5% بين سكان الريف . وتختلف نسب الأمية بين المحافظات حيث بلغت 32.2% في الشرقية و 34.3% في كفر الشيخ و 36.7% في البحيرة بينما كانت الصورة أشد قتامه في الصعيد حيث بلغت 40.5% في بني سويف و 40.9% في الفيوم و 41.3% في المنيا و39.1% في أسيوط و38.5% في سوهاج و34.8% في قنا.
لكن بعد سنوات من جهود جهاز محو الأمية نجد أنه طبقا لإحصاءات جهاز محو الأمية من 2006 وحتى 1/7/2014 فإنه يوجد في مصر 14.1 مليون أمي وتبلغ نسبة الأمية 21.7% بنسبة 15% بين الذكور و 28.5% بين الإناث. وتبلغ 28.5% في الفيوم و30.2% في أسيوط.
http://www.eaea.gov.eg/statisticsdetal.php?id=176
هذه هي الأرقام الحقيقية وإذا أضفنا إليها من يجيد القراءة والكتابة وينساها مع الوقت ، وإذا أضفنا كذلك المتسربين من التعليم والخريجين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة الأمر الذي دفع وزارة التعليم لاستحداث نظام سمته المقراءة في محاولة لتعليم خريجي التعليم المتوسط القراءة والكتابة. وبما يعكس أن جيوش الأمية في مصر تنتشر ويتضاعف عددها.
كما يلاحظ أن المحافظات التي تشكل معاقل لتيارات الإسلام السياسي هي المحافظات التي تعاني من ارتفاع نسب الأمية مثل الشرقية والبحيرة ومحافظات الصعيد. وتشكل الأمية التحدي الأكبر لأي مشروع ثقافي في مصر يليها السحر والشعوذة.
كم ينفق المصريين علي السحر والشعوذة؟!
كشفت الدراسة، التي أعدها الباحث المصري الدكتور محمد عبد العظيم بمركز البحوث الجنائية عام 2005 ، أن الإنفاق على أعمال الدجل والشعوذة التي تجتذب الكثيرين في مصر تجاوز خمسة مليارات دولار سنوياً، وأن نصف النساء يعتقدن في هذه الأعمال، ويترددن على الدجالين علانية. وقالت الدراسة انه يوجد في مصر أكثر من 300 ألف مشعوذ ، وأن 38% من مشاهير الفن والسياسة والرياضة والمثقفين هم من رواد السحرة والمشعوذين.
وفقاً لهذه البيانات وبأسعار الدولار اليوم فإن الإنفاق علي السحر والشعوذة يتجاوز 35 مليار جنيه. وبما يشكل عائق أمام مشاريع التنمية الثقافية كجزء من التنمية الشاملة في مصر.
لكن هل تدرك الحكومة خطورة قضية الثقافة وتخصص لها الإمكانيات اللازمة ؟!
الإنفاق الحكومي علي الثقافة
يشكل الإنفاق الحكومي علي الثقافة المكون الرئيس للإنفاق الثقافي في مصر.ولذلك تشكل الموازنة العامة للدولة المرآة التي تعكس مدي اهتمام الدولة بالثقافة. بالنسبة لموازنة الثقافة وفقا للتصنيف الوظيفي للموازنة يوجد قطاع اسمه الشباب والثقافة والشئون الدينية يشمل وزارات الشباب والرياضة والثقافة والإعلام والشئون الدينية. وقد بلغ المخصص لها في موازنة 2014/2015 ما قيمته 28.4 مليار جنيه من إجمالي موازنة بلغ 789.4 مليار جنيه.أي أن المخصص للوزارات الأربعة لا يتجاوز 3.6% من مصروفات الموازنة المصرية .
لكن لو تدخلنا أكثر في التفاصيل سنجد حقائق أكثر وبأرقام الدولة المصرية وموازنتها المنشورة.
- انخفض الإنفاق علي الأنشطة الثقافية من 6.3 مليار جنيه في موازنة العام الماضي إلي 4.8 مليار جنيه في موازنة العام الحالي .
- يمثل الإنفاق علي الأنشطة الثقافية في موازنة 2014/2015 حوالي 17% فقط من الإنفاق علي قطاع الشباب والثقافة والشئون الدينية.
- يمثل الإنفاق علي الأنشطة الثقافية في موازنة 2014/2015 أقل من 1% من إجمالي إنفاق الموازنة ( 0.6%) .
- انخفضت موازنة الهيئة العامة للكتاب من 96 مليون جنيه العام الماضي إلي 91 مليون جنيه في العام الحالي.
- موازنة الهيئة العامة لقصور الثقافة لا تتجاوز 509.1 مليون جنيه منها 360 مليون جنيه أجور ومرتبات .
- إذا قسمنا المخصص للثقافة علي الشعب المصري يكون متوسط نصيب الفرد 55.2 جنيه سنوياً. وإذا قسمنا المخصص لقصور الثقافة علي عدد السكان يصبح نصيب الفرد 5.8 جنيه سنوياً.
- يوجد في مصر 559 قصر ثقافة موزعين علي مختلف المحافظات.يوجد 7 قصور ثقافة في بني سويف والفيوم لو نسبت لعدد السكان سنجد أنها لا تغطي الاحتياجات الثقافية لهذه المحافظات.
تعكس أرقام الموازنة أن الدولة المصرية والحكومة الحالية لا تضع أهمية للثقافة المصرية. ولا تعي أهميتها في مواجهة الإرهاب والتطرف.وإنها لو وجهت ربع الإنفاق علي الأمن للثقافة لأمكن القضاء علي الإرهاب والتطرف ودعم التقدم والتنمية. ولكن من يسمع ومن يهتم ؟!!!!
حقيقة أوضاع الثقافة في مصر
توجد بعض الأرقام ذات الدلالة عن وضع الثقافة في مصر والمستندة إلي بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المنشورة ومنها:
- يوجد في مصر 92 دار عرض سينمائي تضم 75.2 ألف مقعد عام 2012 أي انه يوجد دار عرض سينمائي لكل 952 ألف نسمة. ( كتاب مصر في أرقام لعام 2014)
- 41% من دور العرض في محافظة القاهرة التي تضم 48% من مقاعد السينما في مصر.
- توجد محافظات يوجد بها دار عرض سينمائي واحد منها البحيرة وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان.
- ارتفع عدد ساعات البث الإذاعي للبرامج الدينية من 56 ساعة عام 2003/2004 إلي 69 ساعة عام 2013/2014 بينما انخفض عدد ساعات بث البرامج الثقافية من 87 ساعة إلي 73 ساعة خلال نفس الفترة.
- علي مستوي البث التليفزيوني ارتفع عدد ساعات بث البرامج الدينية من 10.8 ساعة إلي 14.2 ساعة وانخفض عدد ساعات بث البرامج الثقافية خلال نفس الفترة من 23.6 ساعة إلي 13.3 ساعة وفقاً لبيانات الكتاب الإحصائي السنوي لعام 2014.
- كان لدينا فضائيتين حكوميتين للثقافة تم إغلاق واحدة منهم هي قناة التنوير عام 2009 بينما توجد عشرات الفضائيات الخاصة الدينية التي تعمل دون أي رقابة وتبث سموم التطرف والإرهاب.
- انخفض عدد الكتب والكتيبات المؤلفة والمترجمة طبقا للموضوع من 2870 كتاب عام 2007 إلي 1626 كتاب عام 2012.وانخفض عدد إصدارات كتب العلوم التطبيقية من 512 كتاب إلي 114 كتاب والعلوم البحتة من 227 كتاب إلي 74 كتاب والفنون الجميلة من 79 كتاب إلي 24 كتاب خلال نفس الفترة.
- انخفض عدد زوار المتاحف من 4.1 مليون زائر عام 2004/2005 إلي 1.1 مليون زائر عام 2012/2013.
- انخفض عدد عروض البيت الفني للمسرح من 1166 عرض مسرحي شاهدها 114 ألف مشاهد عام 2004/2005 إلي 707 عرض شاهدها 45 ألف مشاهد عام 2012/2013. كما انخفض عدد عروض البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية من 1364 عرض شاهدها 614 ألف مشاهد إلي 494 عرض شاهدها 128 ألف مشاهد خلال نفس الفترة.
- كما انخفض عدد المسارح والمشاهدين بالمحافظات من 38 مسرح شاهدها 897 ألف مشاهد عام 2009 إلي 31 مسرح شاهدها 454 ألف مشاهد عام 2012. أي أن عدد مشاهدي المسرح انخفض في المحافظات بما يقرب من نصف عدد المشاهدين عام 2004/2005.
- محافظات الفيوم والمنيا وأسيوط وقنا والأقصر كفر الشيخ والمنوفية والغربية لا يوجد بها مسارح.
هكذا تعكس مؤشرات الثقافة ومن البيانات الحكومية المنشورة حجم التدهور الثقافي في مصر علي مدي السنوات الماضية.ولا يمكن النهوض بمصر دون عودة المكتبات المدرسية والمسرح المدرسي والمسابقات الفنية في الرسم والموسيقي. لا يمكن النهوض بالثقافة بدون إنشاء المسارح ودور العرض السينمائي في كل المدن والقري المصرية وبدون دعم فرق مسارح الأقاليم وأندية الأدب التي خرجت الآف المبدعين عبر سنوات.لا يمكن النهوض بالثقافة دون نشر المكتبات العامة في القري والأحياء ودعم دور النشر العامة والخاصة.
هل القراءة للجميع في مصر؟!
أعد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار دراسة هامة بعنوان " ماذا يقرأ المصريون" ونشرت عام 2010 ضمن سلسلة التقارير المعلوماتية،وذلك بعد مرور 19 سنة علي إطلاق السيدة سوزان مبارك لما عرف بمهرجان القراءة للجميع ومرور 16 سنة علي إطلاق مكتبة الأسرة . لكن نتائج الدراسة الميدانية التي قام بها مركز المعلومات التابع لرئاسة مجلس الوزراء قدمت عدة حقائق منها :
- 88% من الأسر المصرية لا يقوم أياً من أفرادها بقراءة أي نوع من الكتب ( بخلاف الكتب المدرسية ).
- 76% من الأسر لا تقوم بقراءة الصحف والمجلات علي الإطلاق .
- 79% من القراء الحريصين علي قراءة الكتب يقبلون علي قراءة الكتب الدينية تليها الكتب العلمية بنسبة 33% ثم الكتب الأدبية بنسبة 29% وأخيراً الكتب ذات الموضوعات السياسية بنسبة 11%.
- 72% من الأسر المصرية يرون أن السبب في عدم إقبال المجتمع علي القراءة بشكل كبير هو أولويات الحياة ، يلي ذلك انخفاض الدخول وذلك بنسبة 56% ، ثم يأتي ارتفاع أسعار الكتب بنسبة 41%.
- 76% من أرباب الأسر المصرية – التي يقوم أحد أفرادها علي الأقل بالقراءة – يحرصون علي القراءة لأبنائهم.
- 48% من الشباب المصري ( في الفئة العمرية 15 -29 سنة ) يضعون القراءة في المرتبة الثالثة ضمن هواياتهم.
- 65% من الشباب الذين يمارسون القراءة يهتمون بقراءة الكتب الدينية ، تليها الكتب العلمية 36% والكتب التاريخية 34% .
- 61% من الشباب الذين يمارسون القراءة يعتبرون الاستعارة من المكتبات هي المصدر الأساسي الذين يعتمدون عليه للحصول علي الكتب يليها الشراء بنسبة 44%.
- 57% من النشء المصري ( في الفئة العمرية 6 – أقل من 15 سنة ) يرون أن التوسع في إنشاء المكتبات تعتبر من أهم العوامل التي تشجع النشء علي القراءة ، يليها التشجيع من خلال وسائل الإعلام 45%.
- 46% من النشء يُرجعون أسباب عدم الإقبال علي القراءة بشكل عام إلي عدم تشجيع الأسرة، يليها كثرة القنوات التليفزيونية بنسبة 40% ، ثم كثرة الأعباء المدرسية بنسبة 36%.
- 76% من النشء يترددون علي المكتبات المدرسية.
- 82% من النشء يرون أن الوالدين من أكثر الأشخاص قدرة علي التأثير في النشء لتشجيعهم علي القراءة.
بذلك تكتمل أبعاد تعاطي الحكومة مع قضية الثقافة المصرية وما تخصصه من موارد للإنفاق علي الثقافة.ومدي تدهور كافة مؤشرات الثقافة المصرية علي مدي السنوات الماضية. لقد كان التليفزيون المصري في فترات سابقة يقدم برامج نقدية مثل نادي السينما وبانورما فرنسية وبرامج الموسيقي العربية والموسيقي العالمية وبرامج الفن التشكيلي والأدب والفن الشعبي.كما كانت مؤسسة السينما الحكومية تقدم العشرات من الأفلام الهامة في تاريخ السينما المصرية وكانت مسارح الدولة تجذب كبار الكتاب والمخرجين والفنانين والفنيين ولكن سياسات الدولة معادية للثقافة والمثقفين.
لذلك لا اعرف كيف يمكن للمركز القومي للسينما أن يقدم تجارب سينمائية بميزانية لا تتجاوز 16.4 مليون جنيه منها 13.4 مليون جنيه أجور ومرتبات ، كيف يمكن مواجهة الأفلام التجارية بميزانية لا تتجاوز 3 مليون جنيه وفي ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج السينمائي وتطور الأجهزة والمعدات. هذا المبلغ أقل من أجر ممثلة أو ممثل واحد في فيلم من الأفلام الجديدة.
ماذا يحدث لدولة تدعم الإنتاج السينمائي ب 800 ألف جنيه وتدعم المصدرين ب 2.6 مليار جنيه. لدولة تضع القيود علي حرية الفكر والتعبير والإبداع وتترك المؤسسة الدينية والفضائيات الدينية تعمل بلا رقابة وتطرح تدمير التماثيل وتحرم التمثيل والغناء.
لذلك تشكل الثقافة أحد أهم القضايا التي يمكن أن تنحاز للتنمية والتقدم في مواجهة الرجعية والتخلف.وتظل بعض البرامج التي تبثها الفضائيات عن الجن والشعوذة نموذج للثقافة المرغوب في نشرها بين المصريين.
وتظل مصر بحاجة لثورة ثقافية وتنويرية كأساس لأي تغيير جذري يمكن أن يحدث.
إلهامي الميرغني
22/1/2015