محنة الإسلام مع الحداثة وحقوق الإنسان

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 4697 - 2015 / 1 / 22 - 21:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مع كل عملية ارهابية يقوم بها متطرفون مسلمون في أي مكان في العالم يتكرر نفس رد الفعل الممل والساذج من جانب من يسمون أنفسهم برجال الدين والعلماء وهو أن هؤلاء المتطرفين لا يمثلون الإسلام وأن الإسلام بريء منهم وأن الاسلام لا يحض إلا على المحبة والسلام. ولا أحد من هؤلاء العلماء يمتلك الشجاعة ويقر بأن هناك مشكلة كبيرة تواجه العقل الإسلامي المعاصر وهو ما يدعو المفكرين في الغرب إلى القول بإن المسلمين ضحية لدينهم وأن الإسلام دين غير قابل للتطور وغير متوافق مع أبسط مبادئ الحداثة وحقوق الإنسان وعلى رأسها حق الحياة والعقلانية والإيمان بالعيش المشترك وحماية حقوق الأقليات وحرية التعبير والاعتقاد .... الخ

لماذا لا نعترف بأن لدينا مشكلة فعلاً مع هذه المبادئ وأن نسبة لا يستهان بها من المسلمين لا يؤمنون بها وينكرون على الغرب التمسك بها والترويج لها.
صحيح أن من يقومون بهذه العمليات قلة من المسلمين ولكن لا ينبغي تجاهل حقيقة أن نسبة لا يستهان بها من المسلمين عبر أنحاء العالم يؤيدون في صمت ما تقوم به هذه القلة وإن تكلموا فإنهم يلجؤون إلى نظرية المؤامرة حيث يرون أن من يقوم بهذه العمليات هم اليهود بغرض تشويه صورة المسلمين!

وعلى سبيل المثال فإن غالبية أصدقائي وأقاربي الذين يعيشون في مصر يؤيدون الهجوم الإرهابي الذي قام به بعض المتطرفين المسلمين على مقر جريدة تشارلي إبدو في باريس لنشرها صورا ساخرة للنبي محمد.
نعم هناك من يستنكر ان العملية انتهت بمقتل بعض الصحفيين في المجلة ولكن الأغلبية لا تستنكر الهجوم في حد ذاته وترى أنه كان لابد من رد فعل عنيف على ما نشرته المجلة من رسوم مسيئة للنبي، وينسى هؤلاء المنفعلون والمتعصبون أنه يفترض في أي دين أن يكون أكبر من أن تهزه بعض الرسوم الكاريكاتورية وإلا فإننا أمام بنيان هش لا يستطيع الصمود أمام أخف أنواع الرياح.

وللعلم فإن هناك كتب ودراسات عن الإسلام ونبيه تصدر في الغرب بواسطة مفكرين وأكاديميين لهم وزنهم أخطر بكثير وبما لا يدع مجالاَ للمقارنة من الرسوم الكارتونية العبيطة التي تصدر من فترة لأخرى ولم يلتفت لها أي أحد من رجال الدين أو المفكرين المسلمين لأنها لم تترجم إلى العربية ويمكنني أن أشير إلى الكثير من هذه الكتب والدراسات التي اطلعت على العديد منها بنفسي.
ولكن حتى ولو ترجمت هذه الكتب الى العربية فإن أحدا لن يقرأها لأننا أمة لا تحب القراءة بشكل عام وأتذكر أن نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل في الآداب كان يقول دائماً أنه يكون سعيداً جداً إذا ما تمكن من بيع خمسة آلاف نسخة فقط من أحد رواياته!
نحن أمة تستقي ثقافتها بحاسة السمع فقط لأنها أسهل وأقل معاناة وإجهاداً من القراءة ولهذا يسهل تضليل شعوبنا وغسل عقول أبنائنا.

وفيما يتعلق بما حدث في باريس، فإننا من المؤمنين بأنه لا يوجد شيء اسمه حرية مطلقة "بما فيها حرية التعبير" دون وجود حد أدنى من المسؤولية والاعتبار لمشاعر الاخرين، فكما أنه لا يصح أن يخرج إنسان وهو في حالة عري تام إلى الشارع بدعوى أنه حر كذلك الحال بالنسبة لحرية التعبير فلا يصح مثلاً أن تتفوه بألفاظ نابية في مكان عام وأمام جموع من الأطفال والنساء.
وكذلك لا يصح أن تهين الناس في معتقداتهم لغرض غير معروف سوى استفزازهم وفي هذا فإننا من المؤمنين بأن لكل فرد الحق في الاعتقاد بما يشاء لأن الاعتقاد مسألة خاصة تكمن داخل الإنسان ولا يحق لأحد أن يفرض وصايته على أحد فيما يعتقد، فما الذي يضيرني كإنسان أن يعتقد شخص ما أن الأديان مثلاً ما هي إلا أساطير وخرافات وأنها كانت مرحلة في تاريخ البشرية وقد استوفت غرضها ولم تعد صالحة للاستعمال الآدمي. وكما نعلم جميعا فإن هذا هو الاعتقاد الشائع بين الأغلبية في الغرب.

وعلى سبيل المثال فإن أحد أصدقائي الفرنسيين لا يؤمن هو وزوجته بأي دين ولذلك قررا إرسال أولادهم الى مدرسة علمانية لا تدرس أي مواد دينية وعندما سألته منذ زمن عن السبب في هذا القرار أجابني بأنه رأى هو وزوجته أنه من الأفضل لأولادهم أن يهتموا بالتركيز على المواد العلمية بدلاً من حشو عقولهم بكلام فارغ وأساطير لا معنى لها وفي ذات الوقت فإنهما يعلمان أولادهما كل الأخلاق الحميدة والسلوك المتحضر ولم يشعرا انهما بحاجة للمسيحية أو لأي دين آخر لتعليم أولادهم الأمانة والصدق والأدب وحب العلم والمعرفة. وأنا أشهد أن أولادهم بالفعل يتمتعون بكل هذه الخصال.
لقد أثبت صديقي هذا أننا بالفعل بحاجة إلى ضمير حي أكثر من حاجتنا الى رجل الدين.

أقول مرة آخرى أن حرية الاعتقاد ينبغي أن تكون مكفولة للجميع، أما عندما يأتي الأمر الى حق حرية التعبير فإن الإنسان ينبغي يتحسس طريقه ويبتعد عن إيذاء مشاعر الآخرين خاصة عندما يكون على علم تام بنوعية رد الفعل المتوقع إزاء أي عملية استفزاز نتيجة وجود تجارب سابقة حدثت خلالها عمليات قتل ومظاهرات وخراب وعداوات لازالت قائمة بل ومتفاقمة.

من أجل تجنب كل هذا ومن أجل ما نسميه بالإنجليزية " The common good " أي الصالح العام للمجتمع فإننا نقيد حرية التعبير في مواقف وأوقات معينة. ولذلك كله فإننا لا نؤيد التصرفات غير المسئولة لمجلة شارلي إبدو ولكننا في ذات الوقت لا نؤيد أبداً أن يكون الرد هو القتل وهذا العنف. وكان رد الفعل الأفضل هو عدم إعارة المجلة الفرنسية أدنى اهتمام وتجاهلها على غرار مبدأ أن الكلاب تنبح ولكن القوافل تسير. هذا إذا ما أردنا أن نثبت للعالم أننا شعوب متحضرة. وينبغي أن نتذكر دائماً أن الفكرة أو الرأي يرد عليهما بفكرة أخرى ورأي أكثر وجاهة وليس بالبندقية.
ولكن وعلى ما يبدو فإن الجماهير العربية المحرومة من التعبير عن آرائها إزاء ما يحدث في بلادها نتيجة سياسات اليد الغليظة لحكوماتها وعمليات القمع الوحشي، لا تتردد في التعبير عن نفسها إزاء ما يحدث في الغرب لإنها تعرف أن جلاديها يغضون الطرف عن هذا وهو من المفارقات التي تدعو إلى الرثاء.

ولكن دعونا نقر بأن أحد أسباب الفوضى الحاصلة وردود الفعل المنفلتة والغاضبة لدى جموع المسلمين هو غياب القيادات الدينية الفاعلة والمؤثرة والتي تتناقض دائماً أقوالها مع أفعالها وعلى سبيل المثال فإن مشيخة الأزهر أدانت الهجوم على المجلة الفرنسية وقتل محرريها ولكنها لم توضح للجماهير الغاضبة سبب سكوتها وتجاهلها لما يحدث من عمليات اعتقال وتضييق وفصل للكثير من الصحفيين والإعلاميين وطلاب وأساتذة الجامعات المصريين على يد السلطات العسكرية الحاكمة في مصر الآن لمجرد التعبير عن آراءهم بشكل سلمي.

كما أن السلطات السعودية التي أدانت الهجوم على المجلة وقامت بإرسال وزيرا إلى باريس للتعازي في ضحايا الحادث لم تتورع في نفس الوقت عن اعتقال المدون السعودي رائف بدوي والحكم عليه بالسجن والجلد العلني والغرامة لمجرد قيامه بممارسة حقه في التعبير كما فعلت المجلة الفرنسية.
إن الحكم بالجلد العلني على رائف هو حكم مهين ليس له وحده ولكن للبشرية جمعاء، وكم أتمنى أن أرى أي تعليق على هذا الحكم للعدو اللدود للعلمانية وفصل الدين عن السياسة الأخ عبد الله خلف المراقب العام لموقع الحوار المتمدن.

كما أنه من العوامل الأخرى التي تدفع الكثيرين من شباب المسلمين سواء في الشرق أو الغرب إلى التعاطف مع التنظيمات الإسلامية المتطرفة هي أن من يسمون برجال الدين لم يحاولوا حتى الآن التصدي بشكل علمي وحاسم لأفكار من يسمونهم بالمتطرفين والجهال بأحكام صحيح الإسلام، ولكن هل يستطيع أحد أن ينكر أن أسامة بن لادن أو الظواهري أو خليفتنا الجديد الأخ البغدادي أناس متعلمون ومثقفون ثقافة إسلامية عالية؟

مشكلتنا معهم هي أننا نراهم متطرفين ولكنهم مسلمون ويستندون في فهمهم وأرائهم وأفعالهم إلى مراجع وأحاديث ووقائع إسلامية موجودة بالفعل في تاريخنا وتراثنا وحتى الآن لم يستطع أحد من رجال الدين اياهم محاجاتهم فيها أو مواجهتهم فكرياً كما أسلفنا.

لماذا أصبح الإسلام ديناً للانقسام والصراع والعنف والاستبداد والخوف سواء بين اتباعه أو ضد الآخر ولماذا تعاني الدول العربية المسلمة من تفشي الظلم والفساد والاستبداد من أنظمتها الحاكمة؟ وأين رجال الدين من كل هذا؟ وكيف يمكنهم التعايش في أمان وانسجام مع كل هذا الاستبداد والظلم والفساد؟ وبماذا شعر شيخ الأزهر هو ورجاله والسيسي يهددهم بأنه سوف يحاجيهم يوم القيامة أمام الله لأنهم لم يفعلوا شيئا لإصلاح الإسلام؟ ولماذا لم يجرؤ أحد منهم على الرد عليه بأنهم أيضاً سوف يحاجونه لأنه لم ولا ينوي القيام بأي عملية إصلاح سياسي حقيقي والذي بدونه لن يحدث أي إصلاحات أخرى في مصر؟

العالم العربي الإسلامي يسير بثبات وسرعة نحو الهاوية والفجوة التي تفصله عن أبسط مبادئ الحداثة وحقوق الإنسان تزداد اتساعاً وعمقاَ وهو لم يدرك بعد أن التنظيمات الإسلامية المتطرفة وعلى رأسها داعش والقاعدة ما هي إلا نتاج سياسات القمع والاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي، والغرب ذو المعايير المزدوجة يغض الطرف عما يحدث ولا يزال يؤيد هذه النظم الرجعية من أجل حماية مصالحه والاستمرار في نهب المنطقة العربية والسيطرة عليها.
إن الإسلام اليوم في محنة كبيرة بسبب رجاله وصراعاتهم وتناقضاتهم وخوفهم من قول الحق.