لماذا التضامن مع -شارلي إيبدو- ؟


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 14:56
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

مشاركتنا في الوقفة التضامنية مع الصحيفة هي من حيث المبدأ وقوف ضد الإرهاب الذي يتهدد العالم بما فيه وطننا وشعبنا . وقفنا لنقول إن القتلة لا يمثلوننا كمسلمين ولا ينتمون إلى هذا الدين الذي يقتلون باسمه . وقفنا لنقول لأسر الضحايا وللشعب الفرنسي إن الإرهاب الذي قتل أبناءكم هو نفسه الإرهاب الذي يقتل أبناءنا في كل الدول العربية والإسلامية ، وليس لنا من حل سوى توحيد الجهود لمواجهته وتجفيف منابعه . فأن نتضامن من صحيفة شارلي إيبدو لا يعني أننا نؤيد رسوماتها أو الإساءة إلى رسول الإسلام وبقية الرسل ؛أن نتضامن مع صحفييها لا يعني أننا نوافق على كل ما يرسمون أو يكتبون ؛ أن نتضامن مع الجريدة لا يعني أننا نحمل نفس الأفكار والقناعات التي لإدارتها ؛ لكن في المقابل ألا نتضامن مع شارلي إيبدو معناه أننا نؤيد جريمة الإرهابيين ونوافق على قتلهم الصحفيين ، ألا نتضامن مع الصحفيين معناه أننا نساند العمل الإرهابي الذي استهدفهم ، معناه أننا نزكي مسوغات الإرهابيين في قتل الصحفيين وفي قتل غيرهم ؛ فكل إرهابي له ما يكفيه من المسوغات . الذين فجروا الدار البيضاء ومقهى أرڴ-;-انة بمراكش ومترو لندن وهجمات 11 سبتمبر وقطار مدريد ، والذين يقتلون الأبرياء في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر وتونس والجزائر ومالي ونيجيريا ، تعللوا بقائمة من المسوغات لا تتقاطع فيما بينها لكنها تشرعن القتل والتخريب ؛ مقاتلو بوكو حرام وضعوا حزاما ناسفا على خصر طفلة عمرها أقل من 10 سنوات فأمروها بالتوغل وسط الأبرياء جاؤوا يتبضعون من السوق ثم فجروا الحزام عن بعد أ وقتلوا 20 ضحية على الأقل. هذا هو الإرهاب الذي وقفنا نندد به ونحذر دول العالم من مخاطره بما فيها دولتنا حتى لا يفرخ الإرهابيون خلاياهم ببلادنا . من هنا فمن يناصر قتلة الصحافيين تحت أي مسوغ مكانه الطبيعي في صفوف داعش وبوكو حرام وليس بيننا . وأن نسكت عن إدانة الإرهاب معناه أننا نشجع الإرهابيين على أن يواصلوا جرائمهم وأن ينسجوا مسوغاتهم تارة باسم الدين وباسم الله وباسم النبي وتارة باسم بيت المقدس وباسم المسلمين . وأن نجيز للإرهابيين جريمة واحدة معناه أننا نجيز لغيرهم من الإرهابيين كل جرائمهم ، وأن نبرر لإرهابي واحد جرمه معناه أننا نشجع إرهابيين آخرين على ارتكاب نفس الجرم .
أن نتضامن مع شارلي إيبدو معناه أننا لا نرد السيئة بالسيئة كما يأمرنا ديننا الحنيف ، معناه أننا ندفع بالتي هي أحسن حتى مع من هو عدو لنا طالما لا يحمل السلاح في وجهنا ، أن نتضامن مع الصحفيين معناه أننا لسنا أوصياء على الله ولا نحكم عليه بالعجز والعطالة ، أن نتضامن مع الصحيفة معناه أننا نتضامن مع اسر الضحايا ومع الشعب الفرنسي ونقاسمهم مشاعر الألم ، أن نتضامن مع الصحفيين معناه أننا نرسل رسالة سلام للشعب الفرنسي وبقية شعوب العالم والغرب . والتضامن مع الضحايا ومع الشعب الفرنسي لا يعني الموافقة على إستراتيجية الحكومات الغربية في نهب مقدرات الشعوب وإذلالها وحماية الاستبداد والفساد الجاثم على صدورها .
الهجوم على شارلي إبدو وقتل صحفييها كشف عن حقيقة خطيرة وهي القابلية للدعوشة التي صار عليها كثير من المواطنين ، ولا فرق بين المتعلم والجاهل ، بين من تكوينه علمي أو أدبي أو أصيل ، بين الصغير والكبير ، الذكور والإناث .. جميعهم يشكلون خزانا خصبا لداعش وجيشا احتياطيا لداعش وقاعدة خلفية لداعش . والمؤسف أن هؤلاء يطمحون إلى تعليم أبنائهم في جامعات ومدارس فرنسا ، أو يلتحقون للعمل بها . ليس لأن فرنسا استعمرت دولنا وقتلت مواطنينا أيام الاستعمار وشاركت في قصف العراق وليبيا .. يكون إرهاب مواطنيها حلالا ودم أبنائها زلالا . من كانت له غيرة على الإسلام فليول وجهه شطر بيت المقدس وليطلب الشهادة هناك ضد الصهاينة الذين يقتلون الفلسطينيين نهارا جهارا . من يحب الرسول فليضح من أجل مكان إسرائه ومعراجه ، وأولى القبلتين . أما الهجوم على أناس عزّل وقتلهم فهذا جبن ما بعده جبن .لقد أخطأ الإرهابيون طريق الجنة والموعد مع "الشهادة" .
لهؤلاء جميعا والذين استنكروا علينا المشاركة في الوقفة أقول لهم لا تنسوا قول الله تعالى ونهيه نبيه ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية : قالوا : يا محمد ، لتنتهين عن سبك آلهتنا ، أو لنهجون ربك ، فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم ، ( فيسبوا الله عدوا بغير علم ) . إن الإسلام الذي يزعم المتطرفون الدفاع عنه لهم أشد إساءة إليه وإلى رسوله الكريم ؛ فمن تعاليم الإسلام ألا نرد السيئة بالسيئة ، وألا نحارب منكرا بمنكر أشد منه . وقتل الأنفس هو أشد منكرا من رسومات لم يكن ليعلمها خلق الله بالملايين لولا الدعاية المجانية التي قدمها المتطرفون للمجلة التي لم تكن مبيعاتها تتجاوز 4 آلاف نسخة .