ج1 ب2 ف 3 : من مزاعم الكرامات الصوفية بالتصريف فى مُلك الله جل وعلا


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 19:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .
الباب الثانى : تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية
الفصل الثالث :ملامح تأليه الولى الصوفى فى العصر المملوكى
من مزاعم الكرامات الصوفية بالتصريف فى مُلك الله جل وعلا
1- أشارت ألقاب كثيرة للصوفية إلى تصريفهم في ملك الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا . وفي (طبقات الشاذلية) تتكرر عبارة ( أقامه الله في الكون، فتصرف في الوجود) في ترجمة الأولياء الشاذلية، ومن ذلك ما قيل في ترجمة النخال (تصرف في مخلوقات الله فقضى وعزل وولى ونصب وحكم . ) وأن أبا العباس الخضري : ( كان في زمنه غوثاً متصرفاً في جميع الموجودات ) . وقال صاحب المفاخر العلية عن الجيلاني ( ولّى وعزل ، وهدى وخذل، وأحيا وقتل، وأمرض وأشفى، ومنع وأعطى، ووصل وقطع، حمى ودفع وسلب وحجب وأعطى المحب ما طلب) .
2 ــ وهذه مبالغة تكرم ابن عياد الشاذلي مؤلف المفاخر العلية في منحها للجيلاني وكان عصر ابن عياد يجيز هذه المبالغات في وصف تصريف الأولياء.. تبعا لازدياد نفوذ التصوف المضطرد ، ويجدر بالذكر أن الشطنوفي في القرن الثامن قال إن عبد القادر الجيلي قال لأصحابه( إني قد عهدت إليكم: أني قد سُلَّمت إلى العراق، والآن وقد سلمت إليَّ الأرض شرقها وغربها وقفرها وعمرانها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها) . وهو أقل مبالغة من وصف ابن عياد الشاذلي .
3 ــ وقال إبن عياد هذا عن شيخه الشاذلي أنه( ظهر بالخلافة الكبرى، والولاية الكثرى، والقطبية العظمى، والغوثية الفردى، وخصه الله بعلوم الأسماء، ومنَّ عليه بأعلى مقامات الأولياء، وأخص خصوصيات الأصفياء، وانفرد في زمنه بالمقام الأكبر، والمدد الأكثر، والعطاء الأنفع، والنوال الأوسع، وتصرف في أحكام الأولياء ومددها بالإذن والتمكين، وانفرد بسؤددها حق اليقين، وأمد الأولياء أجمعين، وأمَّ بالصديقين، ونال مقام الفردانية الذي لا تجوز فيه المشاركة بين اثنين، وأجمع على ذلك من عاصره من العلماء العارفين والأولياء المقربين . ) أي أن الشاذلي كان متصرفاً على الأولياء أو إلهاً يتحكم في آلهة أقل شأناً منه.. !! وقال(أبو العزائم ماضي) أن الشاذلي قال : (حقيقة الشيخ مع أصحابه أن تكون يده عليهم تحفظهم حيثما كانوا غائبين أو حاضرين) ويقول(ماضي) أنه اعترض على الشاذلي في نفسه فحدثت له حادثة أذهبت اعتراضه وعرف صدق مقالة الشيخ .. هذه لمحات عن الطريقة الشاذلية الموصوفة بالاعتدال !!..
4 ـــــ وقد ورد في روض الرياحين قصة اثنين من الأولياء( كان لهما مقام التولية والعزلة) في الحكام والملوك، يقول اليافعي (وقد بلغني أنهما سمعا خطاباً من قِبل الحق عز وجل وهو يقول لهما: إذا أردتما أن تفعلا شيئاً فافعلا ولا تسألاني، فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجوهكما ) .أي أنهما يتصرفان بتفويض كامل من الله حرصاً على ألا يجرح إحساسهما , وأن الله – تعالى عن ذلك علواً كبيراً – أراح نفسه من مشاكل العالم وتركه لهما يتصرفان فيه بدون الرجوع إليه , ونحن بين موقفين إما أن نصدق اليافعي والصوفية في تصرف الأولياء في ملك الله ، وإما أن نصدق الله تعالى الذي ( َلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) ولا توسط بين الموقفين.. ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ سبأ24..).
5- ووصل ادعاؤهم إلى التصريف في الملائكة لأنهم وقد ادعوا الألوهية ، فقد شاركوا الله تعالى في التحكم في ملائكته بزعمهم .. ويزعمون أن الشاذلي كان تحت إمرته ألوف الملائكة، فيحكي أبو العزائم ماضي أنه خرج في طريق موحش فتكفل بحراسته ثمانون ألفاً من الملائكة يحفظونه من أمر الله حتى وصل إلى الإسكندرية وكل ذلك ببركة الشاذلي .. وبعض الملائكة كانت تهبط على الشاذلي في هيئة طيور أربعة (نزلوا من السماء وساروا على رأسه صفاً ثم جاء إليه كل واحد منهم وحدثه ، ورأيت معهم طيور على قدر الخطاطيف، وهم يحفون به من الأرض إلى عنان السماء ، ويطوفون حوله ، ثم غابوا عنه ثم رجع إلىّ وقال : هل رأيت شيئاً ،قلت : نعم قال : أما الطيور الأربعة فهم من ملائكة السماء الرابعة أتوا ليسألوني عن علم فجاوبتهم عليه وأما الطيور الصغار فهم أرواح الأولياء أتوا إلينا ليتبركوا بنا ) .
وادعى بعضهم أن الملائكة تتشفع به فحكى أنه نزل يوماً في حلقة الشيخ عبد الرحيم القنائي (شبح من الجو لا يدري الحاضرون ما هو فأطرق الشيخ ساعة ثم أرتفع الشيخ إلى السماء، فسألوه عنه فقال : هذا ملك وقع في هفوة فسقط علينا يستشفع بنا ، فقبل الله شفاعتنا فيه فارتفع ) .وبعضهم كان عنيفاً مع الملائكة – بزعمه – فقد (هاجت الريح ) والزواوي المجذوب (ت835) في مركب ( فأشرفت على الغرق فقام وأمسك بالملك الموكل بالريح فسكن الريح وتحول ) ..وطرد الشربيني ملك الموت حين أراد قبض (روح ابنه ) . وكان الشربيني (من أرباب الأحوال العظيمة ). وقد مرض شيخه مدين مرة ( أشرف فيها على الموت فوهبه من عمره عشرة سنين ثم مات في غيبة الشومي رضي الله عنه , فجاء وهو على المغتسل , فقال : كيف مت وعزة ربي لو كنت حاضرك ما خليتك تموت ) أي تحكم الشومي في ملك الموت وفى ميعاد الموت ، مع أن ذلك محدد بأجل لا يتقدم ولا يتأخر (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ .. الأعراف آية 34:النحل 61 )،( إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) يونس49 ).( وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون )
6- وقد جعل سبحانه وتعالى صيغة التصريف عنده لفظ ( كن) أي أنه تعالى يقول للشيء (كن) فسرعان (ما يكون ). وهذه الكلمة لا يقولها قادراً على تجسيدها واقعاً حياً – إلا الله تعالى ، لذا كان أسلوب القرآن الكريم في التعبير عنها أسلوب قصر بإنما (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) النحل 40 ).(سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) مريم 35).(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس 82) ، ( إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ )غافر 68) فمنه الأمر وقول كن لا يشركه فيها أحدٍ ، لأنه ـــ جل وعلا ــ لا يشرك في حكمه أحداً .
وعزّ على الصوفية أن يتركوا لله تعالى لفظة ( كن فيكون) فنافسوه فيها أيضاً ، فكان الولي يدعي أنه أعطى حرف (كن) كالجيلي . بل تكرم الخواص فشمل البشر كلهم بعنايته فقال (إن لكل إنسان في باطنه قوة " كن") . ومعنى ذلك أن لا فرق حقيقي بين الخلق والله الحق، وهو تعبير أصيل عن عقيدتي الاتحاد ووحدة الوجود. وقد وضعوا لذلك حديثهم الكاذب "عبدي أطعني تكن عبداً ربانياً تقول للشئ كن فيكون" . وارتبط لفظ (كن) بادعاء الصوفية خرق العادة (يكون للولي خرق العادة حين يعطى حرف كن) . وهو ما يعبر عنه حيناً (بقلب الأعيان)، ومن ذلك أن البدوي – على زعمهم – قلب الشعير قمحاً . . و( قلب الأعيان ) تعبير صوفى عن كرامات التصريف فى الكائنات والمخلوقات .