فرانداعشتاين


فؤاد قنديل
الحوار المتمدن - العدد: 4694 - 2015 / 1 / 17 - 11:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أظن أن معظم القراء قرءوا أو سمعوا عن " فرانكنشتاين " وربما شاهدوا الفيلم الأمريكي الذي يحمل العنوان ذاته بطولة روبرت دينيرو وهو اسم رواية للمؤلفة البريطانية ماري شيلي صدرت سنة 1818 وتتناول أحداثها ما جري للبطل فيكتور فرانكنشتاين وهو من عائلة فرانكنشتاين إحدى أغنى العائلات في ذلك الوقت .. يرغب في اكتشاف إكسير الحياة الذي يبقيه هو وصديقه هنري وصديقتيه إليزابيث وجوستين أحياء للأبد .. فتتجه أفكاره إلى الرغبة في خلق إنسان ... ينعزل لمدة طويلة عن عائلته وأصدقائه كي يعمل طوال الوقت لخلق هذا المخلوق ..وبعد أن جمع بعض الأعضاء وشكل منها صورة إنسان ضخم ولكي يجعله قادرا على الحركة وممارسة الحياة بث في داخله منظومة من التروس والتوصيلات الحركية مع القليل من مواد صاعقة ومحركة ولما انتهي من عمله لم يتحرك المخلوق فقرر النوم حتى يعود للنظر إليه . استيقظ بعد ساعات على كسر الباب وخروج المخلوق ، ففزع منه وطرده . انطلق الوحش إلى الغابة وأقام بعض الوقت إلى أن وجد عائلة لا تعرف كيف تعثر على طعامها وتقاوم البرد القارص فعاونها بإسقاط الفاكهة من الأشجار العالية كما حمل إليها الحطب .. رحبت به العائلة وأعطته كوخا ليعيش فيه ... و ذات يوم رأي فتاة جميلة أراد أن يقبلها فهربت منه فقتلها وأراد أن يتزوج ابنة العائلة فرفضت فقتلها وزادت وحشيته لأنه لا يجد من يقبلوه بينهم...
استاء فيكتور صانع المسخ من سوء ما صنع وانعزل مجددا كي يحاول خلق كيان قوي آخر يقاوم هذا المسخ.. كان الوحش يراقبه مراقبة شديدة وأدرك أنه سيبتكر مخلوقا ينافسه فقرر قتل فيكتور ، وبدأت المطاردات تتوالي حتى تم القضاء على الاثنين .
لعل حالة فرانكنشتاين في الرواية المعروفة نموذج متكرر في ملايين المواقف على مستوى الأفراد والجماعات والدول ، بدءا من حالة الشخص الذي تفرط في إكرامه ودفعه للأمام ثم يكون أول مهاجميك وناكري خيرك والماضين بقوة من أجل خلعك أو محوك ، وهناك مثال صارخ وبشع لعدد كبير من جماعة أنصار بيت المقدس وأخواتها الذين ربتهم حماس لقتل المصريين وتخريب ديارهم وتدمير منشآتهم متسللين عبر الأنفاق والمعابر ولم يكن هناك أي ظن بأنهم مصدر سوء لأنهم لا شك يعلمون ماذا فعل المصريون من أجلهم طوال ما يقرب من سبعين عاما ، ومن ثم فالبيت بيتهم ثم تتكشف الحقائق ، وفي مثال آخر يتمثل في المجاهدين الأفغان والعرب الذين ربتهم أمريكا وشجعتهم ودعمتهم بالمال والسلاح لإخراج الروس من أفغانستان فلما نجح المسعى وتحقق الهدف نكلت بهم القوات الأمريكية وتنكرت لهم فانقلبوا عليها ووجهوا إليها ضربات موجعة خاصة في مركز التجارة العالمي بنيويورك( سبتمبر 2001) ، والمثال الحاضر الآن بقوة يخص الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) التي أسستها الإدارة الأمريكية باعتراف هيلاري كلينتون وآخرين لتشكل كيانا إرهابيا يمزق العالم العربي ويبدد طاقاته ويهدر مقدراته ويحوله إلى ساحة صراع لا تنتهي تكمل الدور الذي قامت ولا تزال تقوم به إسرائيل .
الكل لا شك يعلم بأمر الشرق الأوسط الجديد الذي تأهبت الإدارة الأمريكية الفاشلة لوضعه موضع التنفيذ بعد أن فشل مشروعها الخاص بالنظام العالمي الجديد ، وكل مشروعات أمريكا تقوم على القتل والتدمير ولا اعتبار لأي ضحايا ولا رؤساء أو قيادات أو سيادة للدول التي تخوض في أراضيها وتكلف من ينهش مواطنيها لتتوقف أية مشروعات للتنمية والتقدم .. إنها تنويعات منبثقة من المخطط الرئيسي وهو العمل الدءوب والمنظم على جعل منطقة الشرق الأوسط والعرب بالذات منطقة ملتهبة ومشتتة والصراع فيما بين أطرافها لا يتوقف ولو لجأت الإدارة اللعينة لأفكار من قبيل الفوضى الخلاقة .
فكرت أمريكا إذن في جر العالم العربي إلى ما يشبه الهاوية التي سوف تقضي تماما على أي صوت أو فكر غير مجرد البحث عن العشاء ، وهكذا كلفت قيادات متأسلمة من عتاة المتطرفين فأوكلت إليهم المهمة ليكون القاتل والمقتول من الهوية نفسها والجزاء من جنس العمل ومن ثم يتأكد أن المسلمين خطر ليس فقط على أصحاب الأديان الأخرى بل هم خطر على المسلمين أنفسهم ، وهكذا انطلق الأغبياء الذين بلعوا الطعم الأيديولوجي المدعم بالمال والسلاح والإعلام لاقتحام كل بلد عربي ونهب ممتلكاته وقتل الأبرياء منه وسيي النساء وإثارة الفتن وترسيخ الانقسامات .
مضى قيادات جماعة داعش في تنفيذ المشروع بهمة محمومة فجمعوا خلال شهور قليلة عشرات الآلاف من الرجال الذين أغروهم بالخلافة الإسلامية وبالجهاد من أجل تغيير العالم وأسلمته واجتاحوا الدول واحتلوا المدن والقرى وأثاروا الرعب الذي تحدثه أساليبهم الوحشية والبربرية وسيطروا على معظم أنحاء العراق وسوريا ووصلوا إلى ليبيا وبثوا كثيرا من رجالهم في مصر لمحاولة زلزلة نظام الحكم عبر التسلل واقتراف جرائم بشعة تدفع الشعب للثورة لكن الجيش والشرطة كانا لهم بالمرصاد، ومن المهم الإشارة إلى أن كل الكيانات الإسلامية بصرف النظر عن أسمائها تنبع من مستنقع واحدة أسسه الإخوان المسلمون .
هكذا صنعت أمريكا هذا المسخ " فرنداعشتاين " الذي تعرف أنه قبيح وهمجي وخطير ، لكنها لم تحسب أن هذا المخلوق سوف يقومها ويهاجم رجالها ويعد الخطة لإلحاق الأذى الثقيل بها ولما أحست بذلك شرعت تجمع دول العالم للتصدي له وقد تصورت أنها ستسحقه خلال شهور ، لكنها أعلنت أن المهمة ليست سهلة والأمر بحاجة إلى مزيد من الأموال والمخصصات والجيوش والدعم المادي واللوجيستى كي يمكن قص أجنحته والتقاط بعض قياداته التي تعيش على الدم والوحشية . وهكذا مثل الرواية احتدم الصراع بين الصانع المتآمر والمسخ وانقلب السحر على الساحر ، والملعب الآن اتسعت مساحاته ليصبح بعرض العالم والنجاة من هذا المخلوق مشكوك فيها ، ولو انتهي فصانع الشر باق بغبائه وعماه سوف يصنع شياطين جديدة وكيانات تهدد سلام العالم ولا يعنى هذا الصانع غير بيع سلاحه والتكريس لفكرة أنه سيد العالم وليتمكن من مواصلة تجارته وهي الحرب . ولا حل إلا ما دعا إليه عبد الناصر وهو أن يصبح العالم العربي كله كيانا متحدا ومتناغما وكل شعوبه على قلب رجل واحد ، ولا يكون فيه ولا من بين أهله أعداءُ منافقون لهم عدة وجوه بعضها لأوروبا وأمريكا وبعضها للعرب.