مستقبل النفط العربي مهدد


فؤاد قنديل
الحوار المتمدن - العدد: 4689 - 2015 / 1 / 12 - 09:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عندما ترد كلمة "البترول " في أحاديث العالمين ببواطن الأمور والمتابعين لآثاره المدوية على طول الأزمنة الحديثة يستشعرون أنهم يتحدثون عن البطل المادي الساحر بوصفه أحد الثروات العالمية المذهلة التي أعانت العلماء والمخترعين والخبراء والمهندسين في القرنين الأخيرين على نقل أفق الصناعة البدائية المتواضعة والتي لم تكن لديها القدرة على تحقيق كم إنتاجي ضخم حتى بعد استعمال الفحم كمصدر للطاقة إلى فتح أبواب الصناعة كثيفة الإنتاج على أوسع أبوابها بل وتمكن الأغنياء من الصناع من بناء مصانع استوعبت مدنا بكاملها خاصة بعد أن انفتحت القارات وتغلغل المد الاستعماري في كل المعمور من الأرض ونهبت ثروات الشعوب وأصبحت هذه المصانع قادرة على أن تنتج مليارات السلع القابلة للاستهلاك كما أسهمت الطاقة الجديدة في دفع وسائل النقل بكافة أشكالها إلى آماد بعيدة لتقتحم البر والبحر والجو .
وتدل الدراسات الاقتصادية المعنية بشئون البترول أنه تشكل على مدي 500مليون سنة وأن العالم يستهلك من مخزونه كل عام نحو 3,5مليار طن ، و ولو استمر الاستهلاك بنفس الوتيرة فهذا يعني أننا لن نجد نقطة واحدة بعد ثلاثين عاما ، وإذا كان بعض علماء الجيولوجيا يؤكدون أن البترول طاقة متجددة ، أي يمكن أن يتكون بعد كل فترة في الأحواض الرسوبية ، إلا أننا بحاجة إلى مرور 500 مليون سنة كي نستطيع أن نوفر ما يلزمنا من النفط لخمسين عاما أخري ، ويؤخذ في الاعتبار أن استهلاكنا اليوم أضعاف استهلاكنا خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من العشرين.
ومن ثم أصبح من الضروري الإسراع باستخدام وسائل أخري لإدارة المصانع ووسائل النقل وتوفير الكهرباء وغيرها من الاحتياجات التي تتزايد كل يوم بل كل ساعة بسبب جنون الاختراع والصناعة والتجارة وبشتى المغريات ويقابل ذلك بالطبع جنون أفدح في الاستهلاك .
وآن أن نقرأ ما نشرته صحيفة " يدعوت أحرونوت"" الإسرائيلية في عددها الصادر يوم السابع من يناير 2015
“ إن الخبر الأكثر دراماتيكية، الذي مرّ من دون أن يلحظه أحد تقريباً في 2014، إعلان الولايات المتحدة رفع القيود عن صادرات النفط الأميركي ومن ثم بدء التصدير إلى الخارج مع حلول اليوم الأول من السنة الجديدة. بالطبع، لا احد توقع أن يحدث هذا بهذه السرعة، لكن من المعروف أن الولايات المتحدة اكبر صانع لمنتوجات النفط في العالم، وتتفوّق على السعودية بل وهي الآن في موقع قوي بفضل تكنولوجيا النفط الصخري التي غيّرت وجه عالم الطاقة على نحو واضح. فمن المتوقع خلال سنة أن تنتج الولايات المتحدة 12 مليون برميل من النفط سنوياً، وتصدر مليون برميل تقريباً”.
أضافت الصحيفة، إن أسعار النفط ستواصل التراجع، خصوصاً مع تنافس أميركا مع منتجين وصانعين آخرين، وسيؤدي هذا إلى سحق روسيا نفطياً وإلى معاناة دول الخليج العربية من انعكاسات سلبية تؤثر على سياساتها النفطية في حين ستواجه الدول والدكتاتوريات الأخرى، التي تعتمد في شكل رئيسي على النفط كإيران، مستقبلاً كئيباً غامضاً. يحدث هذا في وقت تستعد فيه دول ديموقراطية مثل كندا والبرازيل والمكسيك ونيجيريا وحتى إسرائيل الصغيرة لدخول السوق. وتابعت “يديعوت احرونوت” إن عصر النفط العربي انتهى وانتهت معه أيضاً قوة دول الخليج النفطية “الهدّامة”. فهذه الدول هي التي دفعت على نحو فاضح أوروبا إلى الفشل، وذلك من خلال شراء السياسيين، ورشوة الشركات واكتساب السلطة السياسية التي جرى استخدامها ضد إسرائيل.
وقالت الصحيفة “سيدرك الأوروبيون والأميركيون في غضون أسابيع قليلة الآن إن عهد القوة العربية قد ولّى لأن دول الخليج لم يعد لديها ما يكفي من مال لتنفقه. بل و ستهتز هذه الدول من الداخل بفعل الاضطرابات الاجتماعية العرقية والإرهابية. ويمكن القول إن مؤشرات انكفاء القوة العربية باتت واضحة بالفعل”.
وتساءلت الصحيفة “ماذا سيحدث لروسيا مع تواصل هبوط أسعار النفط؟ يبدو أنها الآن في مرحلة انهيار ما قد يدفعها لافتعال حروب في أوروبا من اجل إنقاذ نفسها، وماذا يمكن أن يحدث لمصر؟ الحقيقة أن معظم المراقبين يرجحون الآن أن تقطع الرياض مساعدتها للقاهرة تبعاً للنقص الواضح في الأموال، وماذا أيضاً عن دول الخليج الغنية كقطر؟ من المؤكد أن هذه الدول ستُضلل نفسها إذا اعتقدت أن أحداً سيهتم بها ما لم يكن لديها مصدر المال الرئيسي: النفط”. وأوضحت “يديعوت احرونوت” إننا الآن، مع حلول العام 2015، نواجه بلا شك عالماً جديداً. يتميّز بثورة المعلومات، العقول النيّرة، القوة الشخصية، الإبداع والابتكار. وفي مثل هذا العالم إسرائيل هي الأميرة الحقيقية”، وأشارت إلى أن “عصر النفط ولّى، وبدأ عهد العقل الإسرائيلي”.

لا شك أن اللهجة التي كتب بها المقال لهجة استعراضية حاقدة وتحمل في سطورها كل الأمنيات المتأصلة في قلوبهم لخراب العرب ، كما تشير إلى أن المستقبل لإسرائيل وليس لجيرانها ، لكنني أكاد أزعم أن طرائق التفكير المتخلفة التي هيمنت على العقل العربي طويلا لم تعد قائمة أو على الأقل تراجعت وهناك قاعدة عريضة من العلماء والخبراء والمفكرين العرب الذين يمتلكون الرؤى الفكرية الناضجة والخبرة العلمية ويتعامل معظمهم مع التكنولوجيا الحديثة ويمارسونها في كافة المشروعات والمؤسسات وتتسل تدريجيا إلى نظم الإدارة ، كما أن الدراسات لا تتوقف في مجالات الطاقة المختلفة خاصة البترول ، بالإضافة إلى أن الأحواض الرسوبية في البلاد العربية لا توشك على الجفاف كما يتوهم الإسرائيليون أو يتمنون ، وهناك احتياطيات كبيرة تحت الأرض العربية تحاول أمريكا بدأب نزحها وعلى القيادات العربية أن تعيد النظر في سياساتها بحيث تحافظ على ثروات الأجيال القادمة فلا يتعين أن نورثهم الفراغ والقحط .
على أية حال فسواء ما نشرته الصحيفة الصهيونية حقيقة أو كذبا ، فإن العصر يحتم علينا العمل بمنتهى الجدية لتوفير الطاقة المتجددة وترسيخ العلم بها واستغلالها في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه وكل ما يمكن الاعتماد عليه من أجل صناعة مستقبل أفضل على مستوى جودة الحياة ومستوى الإنتاج وحقوق الإنسان ، الأمر الذي يفرض تحديات تتطلب أساليب علمية جادة ودءوب للخروج من النفق الذي يحاصر مساراتنا وتطلعاتنا .