المحمديون والمسيحيون


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4678 - 2014 / 12 / 31 - 21:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     


المحمديون والمسيحيون

جاءنى من الصديق أبو أيوب الكويتى هذه الرسالة ، وأردت أن أرد عليها فى هذا المقال .
أولا : يقول الصديق العزيز أبو أيوب الكويتى أكرمه الله جل وعلا :
( لدي سؤالان من فضلكم : تابعت تعليق لكم على صفحة الفيس بوك للاستاذ مجدي خليل :
قلت له ( أخى الحبيب مجدى : شكرا على العنوان وأنت تسمى الاشياء بأساميها الحقيقية ( تخاريف وهابية ) . أرجو أن تكف عن وصف كل هذه الافك بالاسلام والاسلامية . المسلمون معظمهم محمديون وأصحاب أديان أرضية ، منهم المعتدل المتسامح كالصوفية ومنهم الارهابى المتطرف كالسنية الحنبلية الوهابية . ومنهم من يتمسك بالقرآن وبصحيح الاسلام الذى نبذه معظم المسلمين . حين تصف الارهابيين بالاسلاميين أنت تجرح شعور المسلمين الحقيقيين الذين يناضلون ضد المتطرفين ويقفون فى خندق واحد معك ومع دعاة الحرية والعدل وحقوق الانسان . شكرا مقدما على تفهمك . أخوك أحمد صبحى منصور. ) . وأسأل :
السؤال الأول: اليس من الظلم تسمية اصحاب "الدين الارضي" بالمحمديون ؟ فكما تعلم فان محمد بن عبد الله عليه وعلى رسل ربي اجمعين السلام قد جاء برسالة سماوية ودين سماوي حق وماجاء به محمد عليه السلام هو الذكر الحكيم أي القرآن العظيم . فهل من العدل تسمية مثلا من قالوا بأن عيسى ابن الله بالعيسويون او من اذوا سيدنا موسى عليه السلام بالموسويون او مثلا من يفتري على ابراهيم الكذب الابراهيميون .... او حتى من يكذب على محمد رسول الله ويشركه في التشريع مع الله العظيم بالمحمديون الخ ؟ السنا بهذا نؤذي محمد بن عبد الله وانت قد عهدت على نفسك تجلية حقائق الاسلام العظيم وتبرئة محمد بن عبد الله مما نسب اليه بالتحاكم لله جل وعلى بالقرآن وكفى ونبذ كل ماقد نسب الى سيدي محمد عليه السلام ؟ . ارى بأن تسمية من يصح عليهم قول "اصحاب الديانات الارضية" بالمحمديون يتناقض مع اصل التسمية ذلك بان محمد عليه السلام قد اتى بالحق وحين تدعوهم بالمحمديون فان المعنى يدل على ان من تطلق عليهم محمديون انما هم اصاحب الدين الحق . فمثلا الاصوب في وجهة نظري المتواضعة بان يسمى اصحاب الدين الارضي كما ذكرت بتعليقك على الاستاذ مجدي خليل باسماء ائمتهم ... مثلا : الوهابيون , الحنابلة , التيميون .... الخ وليس المحمديون ! فلو كانوا حقا محمديون لاتبعوا سبيل ربي الصراط المستقيم ولاكتفوا بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام الا وهو القران العظيم.
السؤال الثاني : هل يعتبر هذا من التنابز بالالقاب الذي الله قد نهى عنه ؟ )
ثانيا : مع الشكر للأستاذ إبى أيوب الكويتى أقول :
1 ــ من السهل الاجابة بكلمة واحدة هى ( أمة محمد ) . فالسائد عند من أسميهم المحمديون أنهم يعتبرون أنفسهم ( أمة محمد ) ويتمسكون بأنهم ( أمة محمد ) فى مواجهة ( أمة المسيح ) فهم ( المحمديون ) مقابل ( المسيحيين ). ولكن الأمر يحتاج تفصيلا
2 ــ شهادة الاسلام تعنى الإيمان بالله تعالى والكفر بما عداه من آلهة. والإيمان برسل الله عليهم السلام هو إيمان بالرسالات السماوية التى تنزل كلاما من رب العزة لهداية البشر، ينطق بها أنبياء الله جل وعلا ورسله المُختارون من بين هؤلاء البشر . ليس الايمان بشخص الرسول البشرى ، بل بالرسالة السماوية التى نزلت عليه ، يقول جل وعلا عن محمد خاتم المرسلين:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) محمد). ولأن الكتب السماوية مصدرها واحد وتؤكد كلها على أنه ( لا إله إلا الله ) مهما إختلفت ألسنة البشر: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) الأنبياء ) فإن التعبير عن هذه الكتب يأتى أحيانا بلفظ ( كتاب ) : (وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ) (15) الشورى) ، وواجب الايمان بها جميعا بلا تفرقة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136) النساء ) والايمان بالكتب السماوية يعنى عدم التفريق بين الرسل ، لأنه لا أشخاص هنا ولكن رسالة سماوية تدعو الى أنه لا إله إلا الله جل وعلا :( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)البقرة ). ليس فى شهادة الاسلام إيمان بمخلوقات وإنما بالله جل وعلا وكتبه أى رسالاته ، أى إسلام القلب والوجه لله جل وعلا ، لذا فلا تفريق بين الرسل ولا تفريق بين الله جل وعلا ورسالاته : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة )، والذى يرفض هذا ويؤمن ببشر يكون قد إبتغى غير الاسلام دينا:( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85)آل عمران ). هذا عن الاسلام .
2 ـ أما عن ( أمة الاسلام ) فالحديث عنها فى القرآن الكريم يعنى أفرادا ينتمون إلى دين واحد يمتد فوق الزمان والمكان يتبعون كل الرسالات السماوية الاسلامية . وبقراءة القرآن قراءة موضوعية بمفاهيمه ومصطلحاته فإنه من آدم إلى أن تقوم الساعة فكل من أتبع الرسل والأنبياء فهو مسلم معهم(أى يؤمن بالسلام مع الناس وبالاستسلام والحضوع للاله الواحد جل وعلا فلا يقدس معه بشرا ولا حجرا ) ، وكل من يحمل هذه العقيدة فى قلبه ويطبقها فى سلوكه ايمانا وعملا صالحا فهو فرد ضمن هذه الأمة مهما اختلف الزمان والمكان واللسان . وهذا هو معنى أمة الإسلام في اصطلاح القرآن ، ليس دولة أو مجتمعا محدداً بالزمان والمكان ، بل مجموعة من القيم والمعتقدات التي جاءت في كل الرسالات السماوية ، وكل فرد يتبعها من البشر جميعاً في كل زمان ومكان فهو مع الآخرين يكوّنون في الدنيا أمة واحدة منفردة ، أما في الآخرة فهم مع كل الرسل جميعاً في الجنة أمة واحدة (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) النساء 69 )
3 ــ الواقع المرير أنه بعد موت النبى يعود الشرك متخفيا فى المبالغة فى حب ذلك النبى الراحل ، ويتحول الحب الى تقديس وتأليه وتكوين دين أرضى يتناقض مع دين الاسلام الذى جاء به ذلك النبى. يبدأ الأمر برفعه فوق مستوى الرسل السابقين وتمييزه عليهم ، فيحملون إسمه منتمين اليه ك ( أُمّة فلان ) ، ويختلقون له شخصية مقدسة الاهية تتناقض مع حقيقته ، وفى إطار الانتماء لهذا النبى وكونهم ( أمة فلان ) يتفرقون شيعا وأحزابا وطوائف ومذاهب ومٍللا ونٍحلا .
4 ـ لقد جاء الخطاب القرآنى لكل الرسل:( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) الأنبياء )، أى إن كل الأنبياء مع أتباعهم المخلصين أمة واحدة فوق الزمان والمكان . ولكن الواقع المرير هو الشقاق والانقسام ، ويقول جل وعلا فى الآية التالية : (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)الانبياء ). ويؤكد الله جل وعلا نفس الحقيقة عن الأمة الاسلامية الواحدة ، يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) ويقول جل وعلا فى الآية التالية عن الشقاق والانقسام وتحولهم الى (أمة فلان ) و (أمة فلان ): ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) المؤمنون 51: 52 )(الأنبياء92) .
5 ـ نفس المعنى عن التفرق والتنازع بعد نزول الرسالة السماوية ،أو ( العلم الالهى ) حين يحدث البغى عليها بتأسيس أديان أرضية جديدة ، و( أمة فلان وفلان )، يقول جل وعلا عن شهادة الاسلام الواحدة العالمية لكل المؤمنين المخلصين من ( أمة الاسلام )وهى ( لا إله إلا الله ) : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)، ثم يقول جل وعلا عن الاسلام والبغى عليه والكفر به والتفرق بعده : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) آل عمران ).
ويقول جل وعلا عن شرع الاسلام من نوح الى خاتم النبيين عليهم السلام والنهى عن التفرق فيه : (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) ثم يحدث التفرق بالبغى على الشرع الاسلامى : ( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) الشورى ).
6 ــ وحدث هذا فى تاريخ بنى إسرائيل : (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية ). وحدث نفس الشىء بغيا على القرآن الكريم بتكوين أديان أرضية تحول بها المسلمون الى ( أمة محمد ) فأصبحوا ( محمديين ) كما حدث من قبل مع الانجيل ، فأصبحوا (مسيحيين ).
7 ــ وفى كل الأديان الأرضية تتكون للرسول شخصية الاهية تتناقض مع دين الاسلام والرسالة السماوية التى عانى وجاهد الرسل فى تبليغها . المسيح عليه السلام هو عبد الله ورسوله ، وبهذا نطق فى المهد : (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) مريم ). هذا فى الاسلام الذى جاء به عيسى عليه السلام ، والذى آمن به الحواريون : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) آل عمران )، وكفر بعدها الحواريون : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) آل عمران ).وبهذا تحولوا من ( أمة الاسلام ) الى ( أمة المسيح ) ويوم القيامة سيسأل رب العزة عيسى عليه السلام : (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) ) المائدة ).
.8 ـ نفس الحال مع خاتم النبيين عليهم جميعا السلام . بعد موته مباشرة إنتهكت قريش بزعامة صحابة الفتوحات شرع الاسلام بما ارتكبوه من غزو وتكوين امبراطورية وفق ثقافة العصور الوسطى التى تتناقض مع شريعة الاسلام ، ولتسويغ هذا الانتهاك لشريعة الاسلام تم تأسيس دين السّنة تسويغا للقهر القرشى ، وأسس المعارضون له دين التشيع ، وحين دخلت جموع أهل البلاد المفتوحة الى الاسلام أسسوا دين التصوف معبرا عنهم . ومع إختلافهم جميعا إلا إنهم إتفقوا على تكوين شخصية للنبى ( محمد ) تتناقض مع حقيقته التى نزلت فى القرآن . هو فى القرآن بشر يُحى اليه وعبد الله ورسوله و الذى لا يعلم الغيب و الذى لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ماشاء الله شأن كل البشر ، والذى تعرض الى اللوم والتانيب بسبب أخطائه البشرية. تحول ( محمد ) فى الأديان الأرضية فى ( أُمّة محمد / المحمديين ) الى إله يتحكم بالشفاعة فى يوم الدين ، وله قبر مقدس يحجون اليه يستشفعون به ، ويعتقدون أنه حىُّ فى قبره يراجع أعمالهم ويتشفع فيهم ، وجعلوه شريكا لرب العزة ليس فى الحج ولكن أيضا فى الصلاة وفى الذكر ، وطغى تأليههم لمحمد على حق الله جل وعلا فى العبادة والتقديس . ويوم القيامة سيتبرا خاتم النبيين من أولئك الذين إتخذوا القرآن مهجورا ، واتبعوا بدلا منه كتب أديانهم الأرضية (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان )
9 ـ أى هناك شخصيتان للمسيخ وشخصيتان لمحمد . المسلم الذى يُسلم لله جل وعلا وجهه مخلصا فى الدين ويخلص لله جل وعلا عبادته وحياته لا يقدس بشرا ، ويرى أن المسيح عبد الله ورسوله ، ويرى محمدا عبد الله ورسوله ، ولا يفرق بين الرسل ، ويؤمن بالرسل إيمانه بالرسالات السماوية ، وليس فى قلبه أى تقديس للبشر . هذا المؤمن المسلم ينتمى الى ( أمة الاسلام ) مع من سبقه ومن سيأتى بعده .
الذى يقدس المسيح أو يقدس محمدا هو فى الجانب الآخر ، ينتمى الى ( أمة المسيح ) أو ينتمى الى ( المسيحيين ) والذى يقدس محمدا ينتمى الى ( أمة محمد ) أو ( المحمديين ).
10 ــ وكما إنقسمت أمة المسيح ( المسيحيون ) الى أديان أرضية مختلفة ( أرثوذكس ، كاثوليك ، بروتستانت / وطوائف داخلية وطوائف أخرى خارجية) إنقسم المحمديون قديما وحديثا الى ( سنة وشيع وتصوف / وطوائف داخلية وطوائف أخرى خارجية ). ولا يزال الانقسام ساريا .
11 ــ بالتالى فإن المسلم الحقيقى لا يمكن أن يكون محمديا أو من أمة محمد . و ( محمد ) الحقيقى عليه السلام برىء من الشخصية المختلقة المخترعة فى العصر العباسى وما تلاه فيما يسمى بالسيرة النبوية والأحاديث النبوية . وهو نفس التناقض بين الاسلام دين الله جل وعلا الدين السماوى الوحيد الذى نزلت به كل الرسالات السماية بألسنة مختلفة ، وأديان البشر الأرضية التى تجعل البشر آلهة مع الله جل وعلا ، وتقوم بالبغى على الرسالة السماية بالتحريف والهجر والإخفاء والتغيب. 12 ــ وليس من التنابز بالألقاب تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية . بل إن فى تسمسة الأشياء بأسمائها الحقيقية هنا رفع الظلم عن الاسلام وتبرئته مما يرتكبه المحمديون الوهابيون الذين يزعمون أنهم يطبقون سُنة الرسول ، وهم أعدى أعدائه .
13 ـ إن من الظلم للإسلام أن نجعله مسئولا عن إرهاب وتخلف الوهابيين . من الظلم للاسلام تسميتهم ( إسلاميين ) . هذا يجرح مشاعر المسلمين الحقيقيين المتمسكين بالقرآن الكريم ، وبه يدافعون عن ضحايا الوهابية . ومن هنا كانت رسالتى الى الاستاذ مجدى خليل ، أن يكف عن وصف الوهابيين بالاسلاميين ، أو أن يقحم اسم الاسلام فيما يفعلونه ، ليس فقط لأنه يجرح مشاعرنا ، ولكن أيضا لأنه بذلك يؤكد زعم الوهابيين بأنهم ( إسلاميون ) ويجعلنا نحن ( غير إسلاميين ) . وهو يعرف التناقض بيننا وبين الوهابيين ، وأننا من ضحايا الوهابيين .