السياسى العارض


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4670 - 2014 / 12 / 23 - 09:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

اضطر المرشّح منصف المرزوقى، مكرها، إلى الإصغاء لنصائح مديرى حملته، وتنفيذها بعد أن أكّدوا له أنّ التأثير فى الجماهير لابدّ أن يتمّ عبر الصورة. وانطلاقا من هذا التصوّر كان على المرشّح أن يقصد بعض المدن والأحياء والساحات العامة فى محاولة للالتحام بالجماهير. وفى كلّ مرة كان عليه أن يلبس ما «يهدى» إليه من ملابس تقليدية تحمل خصوصية كلّ منطقة: البرنس، والشاشية (قبعة للرأس)، واللحاف، والقشابية (معطف تقليدى من الصوف)... وهكذا بدا الرئيس المؤقت فى هيئة عارض أزياء يتبختر فى حلل مختلفة ويزهو كلما تهافت المعجبون على أخذ صور تذكارية معه.

ولئن اتّخذ، المرزوقى فى البداية، شعار «ننتصر أو ننتصر» لحملته فإنّه سرعان ما أذعن لانتقادات وُجّهت إليه فغيّره إلى «تونس تنتصر». وحبّذا لو تتطابق الشعار مع الواقع: واقع يصوّر إلينا على أساس أنّه يحمل كلّ «الصدقية». فالجماهير الملتفة حول المرزوقى تعرّف بأنّها «الشعب» الذى هبّ بكلّ عفوية ليناصر من اختاره لقيادة المرحلة، والهدايا التى قُدّمت إلى الرئيس تصوّر على أساس أنّها منحت بطريقة تلقائية للتعبير عن حبّ الجماهير، ورغبتها فى تأييد «ابن الشعب» . ولكن تحرّك مراقبى الحملات الانتخابية أثبت «الصناعة» والتضليل والتدبير المسبق الذى حرص مهندسو الحملة على «إتقان» إخراجه بيد أنّ المراقبين كانوا لهم بالمرصاد فضحوا المسرحية. فقد كان على المرزوقى أن يرمّم، ويلمّع صورته بعد أن كشفت وسائل الإعلام بمعية جماعة «أنانيموس» وبعض جمعيات المجتمع المدنى المهتمة بالفساد والشفافية والمحاسبة والحوكمة سوء التصرّف فى ميزانية رئاسة الدولة ففواتير استهلاك السمك فى القصر تجاوزت المعقول فى فترة يزداد فيها انخفاض المقدرة الشرائية وتتضاعف فيها نسبة الفقر، وإغداق الهدايا على الأصدقاء والمقرّبين وإسداء الخدمات لهم فضحت المستور فهذه نائبة بالمجلس التأسيسى تؤدى زيارة إلى الإكوادور على حساب الرئاسة التى بررت تنقلها على أساس أنّه مهمة ولكن لم تكشف عن نوعية هذه المهمة، إلى غير ذلك من الأمثلة التى تثبت حسب مختلف مكونات المجتمع المدنى إفراط الرئاسة فى استنزاف الميزانية فى مسائل لا تثبت البتة أنّ الهدف هو فى صالح «تونس تنتصر» بل هى أموال تهدر فى وقت تنتهك فيه كرامة التونسيين والتونسيات: خصاصة وجوع وعرى وفقر وعوز، ومرض، وشعور بالمهانة.. ولهذه الأسباب كان على مديرى الحملة أن يعالجوا الموقف حتى تحوّل الوجهة، ولا تتذكر الجموع إلاّ ابن الشعب المتواضع. والحال أنّ الجماهير التى تجمّعت حوله جلبت فى الغالب، بعد تعبئة، وجهد كبير.


وفى المقابل لم يكن الباجى قايد السبسى مضطرا إلى اتّخاذ أزياء شعبية ليقترب من الناس، فالطبقات المعوّل عليها مختلفة، وإن حرص مرشّح التونسيين على التواصل مع الجميع. ولم يكن بمقدور السبسى التنقّل بحرية فى كلّ المناطق بحكم عوامل متعدّدة كالسن، والاعتبارات الجهوية وغيرها، وفى المقابل كان عليه عرض قدرته على التواصل وإبراز ما يتمتع به من كاريزما، وهى خصلة ميّزته على منافسه. فعرض قدرته على توشية خطابه السياسى بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والأشعار والحكم والأمثال، ومقارنة الأزمنة، والتذكير بإنجازات الجمهورية والدولة الوطنية، ونمط الحياة القائم على حب العيش....

سيّان إن تحدثنا عن المرزوقى أو السبسى فكلّ منهما برز فى صورة العارض: عارض الأزياء المحلية ذات الطابع الجهوى، التى تثير مجموعة من العواطف والمشاعر، وعارض الكلام المؤثر الذى يذكّر بخطب الزعيم بورقيبة بانى الدولة الوطنية، ومحرّر المرأة، والمراهن على مجانية التعليم وتوفير الخدمات الصحية. ليس المهمّ العرض المتلائم مع الطلب بل الأهمّ من كلّ ذلك أن يكون الرئيس القادم وفيّا لتونس ومحبّا للمهمشين والفقراء والمعوزين، خدوما لهم، لأنّ كرامة التونسييين هى فوق كلّ مصالح السياسيين وتضخّم ذواتهم.