ج1 ب1 ف 3 : آثار حركة ابن تيمية على الفقهاء في القرن الثامن


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4663 - 2014 / 12 / 15 - 21:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .
الباب الأول : مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية من خلال الصراع السنى الصوفى الفصل الثالث: (وحدة الوجود وصراع الفقهاء مع الصوفية من أتباع ابن عربي مع الفقهاء في القرنين السابع والثامن الهجريين)
آثار حركة ابن تيمية على الفقهاء في القرن الثامن
مدرسة ابن تيمية الفقهية الحنبلية المناوئة للصوفية :
1- أسفرت جهود ابن تيمية عن تكوين مدرسة فقهية ابتعدت عن خط القضاة وكبار الفقهاء الذين دانوا بالتصوف ودافعوا عنه .وتحمل أولئك التلاميذ الكثير من عنت الفقهاء والصوفية أثناء محنة أستاذهم ، وأبرزهم ابن قيم الجوزيه وابن مري البعلبكي وابن شاس ، وعلى عبد الله الإسكندري .
2- واستمرت مدرسة ابن تيمية بعد موته تنادي بمبادئه وتدافع عنه وعنها وتتحمل في سبيل ذلك الكثير من الأذى ، ومنهم المؤرخ ابن كثير وابن البرهان المصري وابن ماجد وأبو بكر الهاشمي . وإبراهيم الآمدي ، وابن المنصفي ، وابن عبد الله الناسخ ، وابن المحب الحافظ ، وابن الأعمى المصري ، وصدر الدين اليوسفي ،
3-
والغزل ، والحمصي ، وابن السكري ..
تكفيرهم لابن عربي .
1- وأثرت حركة ابن تيمية في النشاط الفكري لبعض فقهاء القرن الثامن فناقشوا آراء ابن عربي وحكموا بتكفيره .. ومنهم الفقيه زين الدين العراقي الذي علق على قول ابن عربى في الدفاع عن كفر قوم نوح ( إنه كلام ضلال وشرك واتحاد وإلحاد ، فجعل تركهم لعبادة الأوثان التي نهاهم نوح عن عبادتها جهلاً ) . وقال عن تمجيد ابن عربي لعبادة بني إسرائيل للعجل ( هذا الكلام كفر من قائله ، من وجوه : أحدهما أنه نسب موسى عليه السلام إلى رضاه بعبادة العجل ، والثاني : استدلاله بقوله تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ . . الإسراء 23 ) على أنه قدر أن لا نعبد إلا هو وأن عابد الصنم عابد له ، الثالث : أن موسى عتب على أخيه هارون إنكاره لما وقع وهذا كذب على موسى عليه السلام وتكذيب لله فيما أخبر به عن موسى ، الرابع قوله أن العارف يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء فجعل العجل عين الإله المعبود ، فليعجب السامع لمثل هذه الجرأة التي لا تصدر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) .
ويقول شمس الدين بن الجزري ( وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر ، وقوله أن الحق المنزه هو الخلق المشبه كلام باطل متناقض وهو كفر ، وقوله في قوم هود : وحصلوا في عين القرب افتراء على الله ورد لقوله فيهم ، وقوله : زال البعد وصيرورة جهنم في حقهم نعيماً كذب وتكذيب للشرائع ، وأما من يصدقه فيما قال فحكمه كحكمه في التضليل والتكفير إن كان عالماً ، وإن كان ممن لا علم له فإن قال ذلك جهلاً عرف بحقيقة ذلك ويجب تعليمه وردعه عنه مهما أمكن ) .
وقال زين الدين الكتاني ( وقوله في قوم هود كفر ، لأن الله تعالى أخبر في القرآن العظيم عن عاد : إنهم كفروا بربهم والكفار ليسوا على صراط مستقيم ، فالقول بأنهم كانوا عليه مكذب لصريح القرآن ويأثم من سمعه ولم ينكره إذا كان مكلفاً ، وإن رضي به كفر ) . ومنهج أولئك الفقهاء هو الرد على أقاويل ابن عربي في الفصوص من الدفاع عن المشركين السابقين الذين ذكرهم القصص القرآني . وقد كفّروا ابن عربي لتأييده لهم ، وقد بذل ابن عربي كل جهده في الدفاع عن أولئك المشركين .
2-وبعضهم حكم أجمالاً بتكفير ابن عربي وخروج مذهبه عن الإسلام ، ومن أولئك أبو حيان الأندلسي وهو من خلصاء ابن تيمية ، وقد قال عن الاتحادية ( هم شرُ من الفلاسفة الذين يكذبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم وينكرون البعث ، وقد أولع جهلة ممن ينتمي إلى التصوف بتعظيم هؤلاء وادعائهم أنهم صفوة الله ) ، وقال شرف الدين الزواوي عن الفصوص ( وأما ما تضمنه هذا التصنيف من الهذيان والكفر والبهتان فهو كله تلبيس وضلال وتحريف وتبديل ، فمن صدق بذلك أو اعتقد صحته كان كافراً ملحداً صاداً عن سبيل الله ..) .
وقال ابن عقيل البالسي في وحدة الوجود ( من صدق هذه المقالة الباطلة أو رضيها كان كافراً بالله تعالى يراق دمه ولا تنفعه التوبة عند مالك وبعض أصحاب الشافعي ، ومن سمع هذه المقالة القبيحة تعين عليه إنكارها بلسانه، بل يجب عليه منع قائلها بالضرب إن لم ينزجر باللسان ، فإن عجز عن الإنكار بلسانه أو بيده وجب عليه إنكار ذلك بقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) . وهي فتوى عملية لحديث " من رأى منكم منكراً .. " الذي أشاعه الحنابلة في محنتهم السابقة عن خلق القرآن ، واستطاعوا بهذا الحديث التأثير على الخليفة المتوكل العباسي ، في القرن الثالث الهجري ، ثم دبت الحياة العملية لهذا الحديث في محنة ابن تيمية في القرن الثامن ، والعادة أن ينتشر هذا الحديث مع سيطرة الفقهاء الحنابلة .
وكتب ابن هشام النحوي على نسخة من كتاب الفصوص ( هذا كتاب فصوص الظلم ونقيض الحكم وضلال الأمم ، كتاب يعجز الذم عن وصفه قد اكتنفه الباطل من بين يديه ومن خلفه ، لقد ضل مؤلفه ضلالاً بعيداً وخسر خسراناً مبيناً لأنه مخالف لما أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وفطر عليه خليقته ) . وقال شمس الدين العيزري عن الفصوص أيضاً ( قال العلماء : جميع ما فيه كفر لأنه دائر مع عقيدة الاتحاد ) . وقد سئل سراج الدين البلقيني عن أبي عربي فبادر بالجواب أنه كافر .
وقد قيل في ترجمة ابن الصاحب من أتباع ابن عربي أنه ( صرح بالاتحاد فوقعت له محنة مع الشيخ سراج الدين البلقيني ) .
تكفيرهم ابن الفارض ..
1- وفي الناحية المقابلة عزّر شهاب الدين بن أبي حجلة بحكم القاضي الصوفي السراج الهندي ، وكان ابن أبي حجلة ( كثير الحط على الاتحادية ، وصنف كتاباً عارض به قصائد ابن الفارض ، وكان يحط عليه وعلى نحلته ويرميه ، ومن يقول بمقالته بالعظائم .. وقد أمر ابن أبي حجلة عند موته بأن يوضع الكتاب الذي عارض به ابن الفارض وحط عليه فيه في نعشه ويدفن معه في قبره ، ففعل به ذلك ) .
2- وفعل آخرون كابن أبي حجلة فصنفوا كتباً في الرد على الفصوص مثل ابن بلبان السعودي ، وبدر الدين حسين ابن الأهدل في تصنيفه المسمى ( كشف الغطاء عن حقائق التوحيد ) ، وقال عماد الدين الوسطي ( أنه علق ( أى كتب ) في ذم هذه الطائفة ثلاثة كراريس الأول سماه البيان المفيد في الفرق بين الإلحاد والتوحيد ، والثاني : لوامع الاسترشاد في الفرق بين التوحيد والإلحاد ، والثالث : أشعة النصوص في هتك أشعار الفصوص ) .
3- وتأثر بعض خصوم ابن تيمية به فلما لبثت أن عاد فقيها منكراً على ابن عربي ومن هؤلاء قاضي القضاة تقي الدين السبكي ، وقد قال أخيراً عن ابن عربي ( ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلال جهال خارجون عن طريقة الإسلام فضلاً عن العلماء ) . ويذكر أن تقي الدين السبكي عاد يثني على ابن تيمية و يعترف بفضله .