الدين السياسي سرطان الشعوب


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4660 - 2014 / 12 / 12 - 17:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أعيد نشر هذا المقال الصادر في الحوار المتمدن منذ أربعة أعوام لكل من أساء فهمي...


مقولة ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" عمل على تحريفها النظام السياسي لمحاربة الشيوعية تحت ادعاءات لا تعد ولا تحصى، كما يجري اليوم مع الإسلام من التهويل والتهويم، ولإخضاع هذه الشعوب بعد أن يغدو الدين سوطًا سياسيًا ومِكبحًا لكل تطور، لأن الدين السياسي هو أفيون الشعوب لا الدين كإنتاج ثقافي غير مادي نجده جنبًا إلى جنب مع باقي المعتقدات والعبادات والطقوس والأساطير والحكايات والعادات، لكنه للنظام السياسي والنظام الإيديولوجي أهم أسس البنية الفوقية من قانوني ومدرسي وثقافي، يصوغه هذان النظامان لغاية في صدر يعقوب، والتي هي السلطة والتسلط. وأبتعد أكثر عندما أقول إن الدين السياسي سرطان الشعوب، يضرب في جسدها ضربًا إلى أن يرميها أرضًا، فيدوسها التاريخ ويمضي. هذا ما حصل مع الإمبراطورية الإسلامية في الماضي البعيد بعد أن غدا الدين سياسة حمائية، وهذا ما حصل مع الإمبراطورية السوفييتية في الماضي القريب بعد أن تحولت الماركسية إلى دين بيروقراطي، وهذا ما سيحصل مع الإمبراطورية الأميركية وقد تعدد الدين السياسي لديها تعدد سرطانات اليوم، فهو الدين السمائي والدين الدعائي والدين الاستهلاكي والدين التلفزي والدين الموضوي والدين الحُلمي والدين الاستيهامي... لهذا السبب التغى اسم الله بين الناس، فالله هو انعكاس للعالم الموضوعي بما وصل إليه من تقدم وللهموم التي تنتج معه، وعلى عكس عالم التخلف، على عكس العربي الذي يذكر اسم الله في حله وترحاله، ويراه في كل شيء ومن كل شيء حتى من عيني القمر، "السين" فيما مضى، فالسين، أي القمر، كان الله، يتذكر الغربي الله، وليس كل غربي، يوم الأحد، عندما يذهب إلى القداس، ثم يريح الله من أعبائه المادية التي لا تعد ولا تحصى أسبوعًا كاملاً، وهكذا دواليك. لقد فهمت الكنيسة أن السرطان سيستشري في جسد شعوبها وفي جسدها، فقبلت باستئصال سلطة البابا، وتبنت العلمانية كعلاج، ولقد فهمت الدولة أن السيطرة على الشعوب هي سيطرة بالحريات التي عددناها كأديان وليس بالقمع الديني أو البدني.

بعد أن نامت الشياطين الحمر ومن قبلها الزرق، أيقظ الأمريكان الشياطين السود، كل شياطين الدين القدامى عندنا لأنها على صورنا نحن المنتمين إلى بِنى متخلفة لننشغل ببعضنا في الوقت الذي تذهب فيه ثرواتنا، ثروة النفط على الخصوص، إلى أسواقهم دون أي عائق.

الدين السياسي هو حجر الرحى لجهاز القمع العربي التونسي المغربي الجزائري الليبي السوري اليمني القطري السعودي المهترئي المتعهري، والدين القرآني الإنجيلي التوراتي البوذي الكونفوشيوسي حجر الزاوية لاختيار شخصي يخلب العقل (اليوم هذا الاختيار صرعي وكل الضغوطات الهستيرية).

الإسلام، كالمسيحية كالتوراة، جاء من أجل إرساء العدالة –كيف وهل تم الإرساء؟ هذا موضوع آخر- لهذا كان ثوريًا في مهده وفي زمنه وتحت شرطه الاجتماعي، وعندما تبدل بقوة الأشياء شرطه، أُقحم في الجهاز السياسي، وجرى تسييسه الذي أدى إلى مقتل كل الخلفاء الراشدين ما عدا أبي بكر –كان عجوزًا ولو امتد به العمر لمات هو الآخر قتلاً- ومنذ ذلك الزمن البعيد تحول الإسلام، وقد جعلوا منه مذهبًا للسلطة لا مذهبًا للعباد، إلى دين سرطاني على أيدي حكامه ليبقوا حكامًا على مرضى لا أمل في شفائهم.

التطور تحت كل أشكاله ليس مرتبطًا بدين أو بملة، فَهِمَ الغرب هذا، وسيفهم الشرق هذا. الصدق والنقاء والحب والعدل والمتعة وكل القيم، كلُّ واحدةٍ منها صاحبةُ شرطِهَا، والدينُ ليس شرطَهَا، يمكن الدين أن يكون شرطَهَا مع غيره من أركان البنية الفوقية، ولكن أبدًا شرطها الوحيد.