انظر أمامك فى غضب


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4657 - 2014 / 12 / 9 - 09:24
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     


صار يليق بنا أن ننظر إلى الأمام فى غضب، على العكس من مسرحية چون أوزبورن "انظر وراءك فى غضب" (1956)، ليس لأن الماضى أو الحاضر ليس مُثيرا للغضب بل لأن المستقبل يبدو أكثر إثارة للغضب، ولا عجب فالمستقبل ابن الماضى والحاضر. وسنكتفى الآن بالغضب لكى نهرب من اليأس، لأنه ما يزال يوجد بصيص من الأمل نحيا به حينا من الدهر.
وقد يكون من الممكن فى مستقبل غير بعيد أن نتخلص من كابوس حاملى الرايات السوداء أىْ الإسلام الإخوانى الذى يُخيفنا الآن من الحاضر والمستقبل. والانتصار الكامل على الإسلام السياسى ليس بالأمر السهل كما نُحِبّ أن نتصور لأن هذا الانتصار يشترط علينا شروطا قاسية يُفزعنا ألَّا نكون على مستوى تحقيقها. وقد يساعدنا الإسلام السياسى على الانتصار عليه لأنه وسَّع بكل حماقة القوة ساحة المعركة فصار يهدد كل العالم، كما فعل الإخوان وحلفاؤهم فى الداخل والخارج بالأخونة السريعة دون إنجازات بكل التهوَّر وحماقة القوة.
والمشكلة عويصة وخطيرة وخطرة لأنها تتعلق بوجودنا ذاته. وهناك من يدرك الخطر ويدفن رأسه فى الرمال ومن لا يدرك أبعاد الخطر. ومن البديهيات أن الحل الأمنى لا يكفى رغم ضرورته التى لا جدال فيها. غير أن السؤال عن حقيقة الحلول الأخرى لا يجد إجابة مقنعة. ذلك أن كل حل نتصوره يفترض كل الحلول الأخرى.
ويُقال إن الحل هو رفع مستوى معيشة عشرات الملايين ولكنْ أين الترليونات المطلوبة لهذا حتى إذا استرددنا التريلونات المنهوبة؟ ويُقال إن التعليم هو الحل ولكن كيف يكون التعليم حلا مع أن المعلمين لا يجدون من يعلمهم ثم إن ميزانية الدولة كلها نقطة فى بحر المال المطلوب لإصلاح التعليم وحده. ويُقال إن الحل هو القضاء على الفساد ولكنْ كيف يقضى الفاسدون على الفساد؟ وأين غير الفاسد فى بلد تمكَّن منه الفساد فصار غير الفاسد كالغول والعنقاء والخل الوفى. ثم إنه لا وجود على ظهر الكوكب لبلد غير فاسد ولكن الاقتصاد المتقدم رغم أزماته فى أمريكا أو ألمانيا أو الياپان ينطوى على آليات وقدرات يمكن أن تصمد أمام الفساد المتفشى فيها، وإنْ كان الفساد فى الولايات المتحدة الأمريكية كاد يقضى على الاقتصاد العالمى منذ ظهور الأزمة العقارية وأزمة السيولة فى 2008. القضاء على الفقر ومتلازمة الفقر؟ ولكن كيف ومن أين فى اقتصاد ضعيف عالم-ثالثىّ وغير منتج؟
كل المشكلات وكل الحلول مترابطة ولا مجال لحلٍّ دون حلّ باقى المشكلات! وقد يحتاج الأمر إلى قيام لجنة من الخبراء الاقتصاديين المشهود لهم بالخبرة والكفاءة والنزاهة بإعداد برنامج اقتصادى محكم ينسق العمل على كل المحاور بأولويات محكمة التخطيط والترتيب، ولكن ما ضمانات تنفيذ توصياتهم فى بلد لا شاغل فيه لأحد سوى تكوين ثروة واسعة فى الحال وليذهب كل شيء آخر إلى الجحيم؟ أرجو ألا يُصدم أحد بكل هذا التشاؤم؛ ولكن أليس هذا بالضبط ما حدث بالفعل فى عهد مبارك وكل العهود السابقة بلا استثناء؟
ومجالات الحل ليست معدومة ولكننا لا نملك وسائل استغلالها؛ وعلى سبيل المثال: يمكن بفضل ما نملك من آثار، أن تُدرّ السياحة أموالا طائلة ولكنها لا تفعل مع أن بلدانا لا تملك ما نملك تكسب من السياحة أضعاف ما نكسب. لماذا؟ لأنه لا يمكن إلا لبلد رأسمالى صناعى متقدم أن يستفيد بموارده. ونتباهى بأننا نملك ثروة بشرية هائلة ولكن الثروة البشرية لا تتمثل فى وجود ملايين العاطلين، بل تتمثل فى ملايين من ذوى الخبرة تدربوا فى مدرسة اقتصاد متقدم؟
يكمن الحل إذن فى أن نتحول إلى بلد رأسمالى صناعى متقدم بمعنى الكلمة. ونقول إن مصر ستعود أم الدنيا. وكانت مصر كذلك ذات يوم فى الماضى السحيق لأنها، مع العراق القديم، كانت أصل الحضارة. وكيف ستكون مصر أم الدنيا إنْ لم تتحول إلى بلد صناعى متقدم؟ وعندنا مشكلات وأزمات تشكل معضلة تواجهنا بجبال من التحديات، ولا تقف المشكلة عند هذا الحد فالبلدان الرأسمالية الصناعية المتقدمة تقف حجر عثرة فى طريق تحقيقنا لأبسط تقدُّم؛ وهذا هو ما تتوفر لإثباته أمثلة كثيرة بعيدا عن نظرية المؤامرة ولكنْ لا مجال لإيرادها ومناقشتها فى مقال صغير.
تشاؤم؟ فليكن! أليس أفضل من الاستسلام البليد لتفاؤل أبله قبل أن تأتى بعد فوات الأوان ساعة الحقيقة؟ ولماذا لا نفتح مناقشة تكشف لنا أبعاد مشكلتنا والبحث الجاد عن طريق للخروج من أزمتنا المصيرية؟ ولا تبحث حتى المؤتمرات الاقتصادية قضايانا بجدية ولا يأخذ بحلولها ومقترحاتها أحد.
تشاؤم؟ هناك مراكز ديموجرافية محترمة فى فرنسا وغيرها تتحدث عن أننا نتجه إلى الانقراض، فهل هناك أخطر من الانقراض كشعوب لننتظر؟ ألا ينبئنا الصراع فى أفريقيا بالحروب الأهلية والحدودية، وبهذا المستوى المفزع من النمو السكانى، حول كعكة غير موجودة أصلا، بأن من يتحدثون عن الانقراض وإلغاء العالم الثالث لا يُبالغون؟
25 نوفمبر 2014