تجربة التدبير المفوض في المغرب تحت المجهر


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4655 - 2014 / 12 / 7 - 04:13
المحور: الادارة و الاقتصاد     

أجرت الصحافية بجريدة المنعطف السيدة بشرى عطوشي حوارا مع عبد السلام أديب حول تجربة التدبير المفوض بالمغرب. علما أن هذه التجربة سبق أن همت عددا من المرافق العمومية المحلية والوطنية كمرافق توزيع الماء والكهرباء والنظافة وجمع النفايات وتدبير المطارح العمومية اضافة الى تدبير مرفق النقل الحضري. وقد تم تنظيم هذا الحوار على اثر صدور تقرير عن المجلس الاعلى للحسابات في فاتح دجنبر 2014 والذي شمل تقييم السنوات الثمانية التي اعقبت دخول القانون رقم 45.05 المتعلق بالتدبير المفوض حيز النفاذ، وفي ما يلي مضمون الحوار.:

• كيف ترون تجربة التدبير المفوض في المغرب؟

•• لا يمكن تقييم تجربة التدبير المفوض بالمغرب كشكل قانوني تعاقدي لضمان استمرارية خدمات مرفق عمومي معين بشكل منعزل عن البيئة السوسيو اقتصادية التي نشأ فيها. فدخول القانون رقم 54.05 سنة 2006 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العمومية حيز التنفيذ لم يكن هو تاريخ البداية الفعلية لهذه الآلية، بل لا زلنا نتذكر انطلاق العمل بهذا الاسلوب في مجال النقل الحضري في بداية عقد الثمانينات حينما ابرمت بلديات عدد من المدن عقود امتياز لتدبير هذا القطاع مع عدد من شركات الخواص الى جانب استمرار الوكالات الحضرية للنقل العمومي في مزاولة مهامها الى حين. كما لا نزال نتذكر خلال النصف الثاني من عقد التسعينيات حينما ابرمت عدد من بلديات المدن عددا من عقود تدبير توزيع الماء والكهرباء مع شركات اجنبية خاصة كريضال بمدن الرباط سلا تمارة وليديك بالمجموعة الحضرية للدار البيضاء وامانديس طنجة وامانديس تطوان وكلها عقود ابرمت قبل صدور القانون الاخير.

إذن فالعمل بآلية التدبير المفوض سبق اعتماد القانون رقم 54.05 ولدينا اليوم ما يكفي من التجارب لتقييم العملية وسياقات اعتمادها. ويعتبر تقرير المجلس الاعلى للحسابات الأخير كمؤسسة متخصصة مهما في هذا الاطار، رغم كونه يقتصر على تقييم تجربة السنوات الثمانية فقط من دخول القانون حيز النفاذ. كما أن التقرير يقتصر على رصد سيرورة التدبير المفوض من حيث الكم على مستوى الأداء في مجالات التسيير والاستثمار وحجم المرتفقين المستفيدين، دون التطرق الى الآثار الجانبية النوعية لهذا التدبير كانعكاسه على مستوى جودة الخدمات ومدى تناسب الاسعار مع القدرة الشرائية للمرتفقين وأيضا آثار اعتماده على وضع العاملين بهذه القطاعات. كما لم يتطرق التقرير الى تقييم نجاعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي جاء في سيرورتها.

فبشكل عام يمكن القول أن اللجوء الى سياسة التدبير المفوض جاء في سياق الازمة الاقتصادية والمالية التي عصفت بالمغرب منذ أواخر عقد السبعينات من القرن العشرين. ولا زال الجميع يتذكر ما سمى "بتقرير الجواهري" الصادر سنة 1977، والذي اعطى تقييما عاما لتدبير الدولة للمؤسسات العمومية والتي تشكل المرافق العمومية عمودها الفقري. وإذا كان التقرير المذكور قد تعمد توجيه الاتهام الى التدبير العمومي كسبب من اسباب المديونية العمومية والعجوزات الماكرو اقتصادية وخاصة منها عجز الميزانية العامة وعجز الخزينة وعجز ميزان الاداءات الخارجية. وبالتالي التفكير منذ ذلك الحين في الخضوع لتوصيات المؤسسات المالية الدولية لاعتماد سياسات التقويم الهيكلي والتي تعتمد من بين بنودها على خوصصة المؤسسات العمومية.

إذن فاعتماد سياسة التدبير المفوض يدخل ضمن الفلسفة الليبرالية الجديدة تستهدف معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية ليس على مستوى المغرب فقط بل على مستوى الاقتصاد الرأسمالي العالمي، حيث دخل العالم الرأسمالي منذ أواسط عقد السبعينات في ازمة هيكلية عميقة لا زالت مستمرة الى اليوم والتي سميت بأزمة تضخم الجمود، أي تزامن التضخم مع هيمنة الكساد نتيجة الانتاج الزائد الذي اصبح يستحيل تصريفه بالكامل وبالتالي تحويله الى ارباح، وحيث تم اتهام السياسات التدخلية الكينزية آنذاك، والمطالبة بالتحول كلية نحو اقتصاد السوق وتخلي الدولة عن اي تدخل لها.

فالتدبير المفوض والخوصصة شكلا إذن حصان طروادة لتحقيق هدفين أساسيين، أولهما هو انفتاح كافة الدول وتراجعها عن سياساتها التدخلية السابقة من خلال تفويت كافة قطاعها العمومي الى الخواص. ثم الهدف الثاني المرتبط بالأول وهو بيع المركبات العمومية الاقتصادية والاجتماعية الضخمة الى القطاع الخاص الدولي على الخصوص لكونه هو الوحيد القادر على شرائها بالنقد الاجنبي وبالتالي استيراد التكنولوجيات الحديثة لإدخالها في تدبير المرافق العمومية المخوصصة أو الخاضعة للتدبير المفوض. فالعملية إذن هي عبارة عن اتاحة المرافق العمومية كهدايا مغرية للرأسمال الدولي لكي يستثمر فيها ويحقق من ورائها ارباحا خيالية تعوضه عن العجز الذي أثر على معدلات التراكم الرأسمالي.

فكعامل اولي لتقييم تجربة التدبير المفوض في بلادنا هو انها اعتمدت تحت ضغوطات الازمة الاقتصادية والمالية وايضا نتيجة ضغوطات سياسية مارستها المؤسسات المالية الدولية في تناغم تام مع الرأسمال المحلي المستفيد أيضا من الخوصصة والتدبير المفوض.

أما بالنسبة للتساؤل المنطقي الثاني الذي يمكن طرحه حول مدى نجاعة التدبير المفوض في الرفع من جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين ومدى تناسب ذلك مع قدراتهم الشرائية في مجال القطاعات التي يتناولها تقرير المجلس الاعلى للحسابات، فإن فوضى خدمات توزيع الماء والكهرباء وخدمات التنظيف وجمع النفايات وتدبير المطارح العمومية اضافة الى فوضى خدمات النقل الحضري، أصبحت تفقع العيون خاصة على مستوى رداءتها وعشوائية الكثير منها وأيضا هشاشة بنياتها التحتية، مما يفضح عدم التزام الشركات أو الوكالات أو المؤسسات المفوض لها بتدبير هذه المرافق بدفاتر تحملاتها لا من حيث الجودة أو مستوى الاستثمارات فقط وانما أيضا بالنظر إلى عدم تفعيل نظام ناجع لمراقبة وتتبع أداء هذه الاطراف المفوض لها التدبير. لكن على الرغم من رداءة الخدمات المقدمة الا ان اسعار هذه الخدمات قفزت بشكل صاروخي الى مستويات خيالية، فاذا أخدنا فقط اسعار فواتير الماء والكهرباء فانها عرفت أكثر من عشر زيادات منذ سنة 1998، بل ان حكومة عبد الاله بنكيران تمادت في معاقبة الأسر المغربية بمضاعفة اسعار هذه الفواتير اربع مرات على الاقل، فهناك من كان يدفع فواتير بقيمة 100 درهم سنة 2013 اصبح يسدد أكثر من 600 درهم في الشهر في نهاية سنة 2014، عن طريق خدع حسابية بسيطة، وهو ما ارهق القدرة الشرائية لهذه الاسر الضعيفة اصلا نتيجة تجميد الاجور وارتفاع كافة الاسعار. ودون الدخول في التفاصيل فان تقرير المجلس الاعلى للحسابات واضح في هذا الباب ويؤكد بعض هذه الاحكام بشكل جزئي أو كلي. والخلاصة إذن هي أن التدبير المفوض المعتمد منذ بداية عقد الثمانينات في بلادنا لم يؤدي الى التحولات النوعية الموعود بها في مجال تدبير المرافق العمومية من طرف السياسيين المدافعين عنه.

أخيرا وجوابا أيضا عن سؤال منطقي ثالث والمرتبط بانعكاسات التدبير المفوض على العاملين في القطاعات المذكورة، فإذا ما أخذنا قطاع النقل الحضري مثلا والذي مر من عدة تحولات منذ عقد الثمانينات، فالملاحظة الأولى تمثلت في ضرب استقرار العمل الذي كان يميز العاملين بوكالات النقل الحضري وأيضا استقرار أجورهم. وذلك من خلال ابرام العديد من العقود مع شركات الخواص، والتي كانت تشغل ايدي عاملة بعقود هشة لا تضمن الاستقرار الكافي للعمال بل تعرضهم للطرد في اية لحظة اضافة الى ضعف اجورهم. وفي ظل هذه الوضعية تم الاستغناء عن الوكالات الحضرية للنقل. وتشهد تجربة قطاع النقل الحضري لمدن الرباط سلا تمارة عن ظاهرة الفوضى والهشاشة التي طبعت قطاع النقل الحضري الذي توزع بين العديد من شركات الخواص طيلة عقدين من الزمن، وحيث بلغ عدد العاملين به أزيد من ستة آلاف عامل وعاملة بأجور زهيدة لا تتجاوز الحد الادنى للاجور الا بصعوبة. لكن ارادة ولاية الرباط سلا زمور زعير ابت الا ان تدخل في مفاوضات ماراطونية جديدة مع عدد الفاعلين في هذا المجال مغاربة واجانب من أجل ابرام عقد تدبير مفوض مع شركة واحدة، وهو ما أسفر عن ارساء الصفقة على شركة ستاريو STARIO وبالتالي تسريح العاملات والعمال الستة آلاف، مقابل المحافظة فقط على 1500 عامل وعاملة وبأجور متدنية.

وكخلاصة لما سبق فان حصيلة تجربة التدبير المفوض وان كانت قد حققت للشركات الرأسمالية المستفيدة ارباحا خيالية بحكم اشرافها على تدبير مرافق حيوية لا يمكن لساكنة المدن والتجمعات الحضرية الكبرى كالدار البيضاء مثلا الاستغناء عنها، فان ذلك قد تم على حساب جودة الخدمات في ظل ارتفاع فاحش لأسعارها وأيضا على حساب العاملات والعمال الذين أخذو يخضعون لاستغلال اكبر مقابل أجور متدنية.


• فشل التدبير المفوض منذ سنوات في تطوير قطاعات حيوية بالمغرب كالماء والكهرباء والنقل والنظافة كيف تقيمون تجربة الشركات المفوض لها تدبير هذه القطاعات ؟

•• لقد اثبتت تجربة التدبير المفوض للمرافق العمومية فشلها وأنها كما هو شأن الخوصصة واعتماد اقتصاد السوق واللبرلة المتزايدة لا تحقق سوى مصالح الباطرونا، وان هذه الآليات الجديدة للاقتصاد الرأسمالي ان كانت قد ظهرت في ظل الازمة من أجل معالجتها فقد تحولت أيضا بدورها إلى سبب جديد لتعميق الازمة. لذلك لا بد من توضيح كافي لكيفية مساهمة آلية التدبير المفوض كآلية رأسمالية الى جانب الآليات الأخرى في تعميق الفشل والازمة.

فمصالح الطبقة الرأسمالية المحلية والاجنبية هي التي ظلت تقف دائما وراء سياسات الحكومات المتعاقبة خاصة من أجل خوصصة المرافق العمومية وفرض سياسات التقشف بهدف تحقيق معدلات مرتفعة من الارباح. ولا تنطلق هذه الرغبة من نفاق وجشع الرأسماليين فقط، بل تشكل أيضا تعبيرا منطقيا عميقا عن المصالح الرأسمالية وطبيعتها الطفيلية.

فالمصالح الرأسمالية للتحالف الطبقي الحاكم وتداخل مصالحها مع مصالح الرأسمال الدولي المهيمن، تقوم على تناقضات عميقة جدا، والتي تتولد عنها تناقضات في المصالح وصراعات بين الرأسماليين من جهة والعاملات والعمال من جهة أخرى، كما تتولد عنها أيضا أزمات دورية للرأسمالية، كما هو الشأن بالنسبة للازمة الحالية الآخذة في التعمق منذ سنة 2008 والتي فرضت على حكومة بنكيران تدمير كافة الاصلاحات التي تم تخويلها للعاملات والعمال منذ عقد الستينات، كدعم أسعار المنتجات والخدمات الاساسية للمرافق العمومية الحيوية من خلال اعدام صندوق المقاصة ودون الالتزام بوعود تعويض المتضررين.

كما يدخل في باب التناقضات الاساسية للتدبير الرأسمالي للمرافق العمومية لجوء مالكي رؤوس الاموال والمقاولات المستفيدة الى استغلال قوة عمل العمال والعاملات من أجل انتاج سلع وخدمات تحقق لهم ارباحا ضخمة. لكن الأجر الذي يتقاضاه العامل او العاملة مقابل قوة عملهما فلا يمكنه أن يعادل القيمة الحقيقية للسلع أو الخدمات التي ينتجونها، لأنه انطلاقا من الفرق بين هذا الاجر المسدد للعمال وسعر السلعة المنتجة يتكون اصل أرباح الباطرونا. ففي ظل هذه السيرورة تتولد وضعية جديدة يصبح في اطارها العاملات والعمال لا يملكون مجموعين القدرة على شراء كافة السلع المنتجة. وبعبارة أوضح، نظرا لأن قدراتهم الشرائية الجماعية لا تتساوي مع مجموع أسعار المنتجات (علما ان الفرق في القيمة بين الاثنين تستحوذ عليها الباطرونا كأرباح)، فإننا نكون إذن أمام إنتاج زائد من السلع والتي لا تتحول الى ارباح لكونها لا تجد شاريا لها وانطلاقا من هنا تنخفض أرباح الباطرونا.

وحتى تحقق الشركات الرأسمالية عائدات لاستثماراتها وتعوض بالتالي أرباحها الضائعة بسبب السلع غير المباعة، فان الرأسماليين يلجؤون الى الانتقاص من الكتلة الاجرية وبالتالي من شروط عيش العاملات والعمال. ويؤدي ذلك إلى دائرة مغلقة تدفع بسرعة السوق نحو الأزمة. فللحفاض على ارباحها تعمل الباطرونا على الضغط على الحكومة، حكومتها، من أجل مهاجمة الطبقة العاملة وخوصصة المزيد من المقاولات العمومية. باختصار فإن التدبير المفوض والتقشف والخوصصة شكلت دائما نتائج مباشرة لازمات رأسمالية كما شكلت أيضا سببا مباشرا في اثارة ازمات جديدة. وهذا هو التناقض الذي انتج فشلا ذريعا لتجربة التدبير المفوض.



• المجلس الأعلى للحسابات يكشف مرة أخرى عن اختلالات التدبير المفوض في كل القطاعات ، ألا يدعو هذا للحزم في الحد من نزيف ملايير الدراهم دون فائدة ؟

•• لنسجل في البداية ايجابية اصدار تقارير سنوية حول وضعية تدبير المرافق العمومية سواء عن طريق التدبير المفوض أو عبر اساليب اخرى. فمثل هذه التقارير تدفع المتتبعين الى تعميق مناقشة ازمة المرافق العمومية والاساليب الأنجع لتدبيرها. كما ان المجلس الاعلى للحسابات قد تحكم تقاريره خلفيات سياسية تتماها مع مصالح التحالف الطبقي الحاكم فتدفع في هذا الاتجاه أو ذاك، حيث قد نكتشف ان المجلس يدعو ميزانية الدولة الى دعم استثمارات الشركات المشرفة على المرافق العمومية ماليا أو قانونيا، أو قد يدافع عن ما يسمى بشراكة القطاعين الخاص والعام في تدبير المرافق العمومية حيث يتحمل المكلف بالضرائب عجوزات هذه المرافق بينما تستفيد الباطرونا لوحدها من الارباح المستخلصة من استغلالات المرفق العمومي المعني بالامر.

إن الملايير المستنزفة من خلال التدبير المفوض لمرافق عمومية حيوية هي في الواقع فوائض قيمة منتزعة من عرق جبين العاملات والعمال إما خلال مزاولة العمل أو من خلال انفاق الأجور نظرا لارتفاع اسعار منتجات وخدمات هذه المرافق. وهنا لا يبدو ان المجلس الاعلى للحسابات قد تحركه أية رغبة لمعالجة مثل هذا الاستغلال الفاحش، مع ان هذا الاستغلال هو نفسه الذي يشكل سبب ازمة المرفق العمومي وايضا سبب ازمة الانتاج الزائد وفي نهاية المطاف سببا في الازمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة. فعدم الانتباه الى أصل الداء يجعل من الصعب الوصول الى العلاج بالأساليب الترقيعية، لأن العلاج يعتبر سياسيا بالضرورة.

• هل يمكن للمجالس البلدية أن تسير هذه القطاعات أم أنها ستفشل كالسابق ؟

•• سكان المدن بالمغرب هم اناس يولدون ويعيشون في مجتمع وتنشأ لهم بهذه الصفة حقوقا وواجبات، وعلى المجالس البلدية التي يجب بالضرورة ان تكون منبثقة بشكل ديموقراطي عن هؤلاء السكان أن تعمل بشكل ناجع على توفير هذه الحقوق والواجبات ومن بينها تذبير المرافق العمومية المحلية.

فمن بين حقوق سكان المدن الولوج الى الخدمات العمومية الجيدة دون التمييز بسبب الموقع الاجتماعي او الدخل أو مكان الولادة مع مراعاة القدرات الشرائية للسكان. وان الخدمات العمومية الجيدة بصفة عامة والولوج اليها وتوفرها، تشكل عنوانا لمدى ازدهار المدن وسكانها أو انحطاطهم. ومع التطور التاريخي لشعوب العالم انطلاقا من الانتاج الصغير القائم في ظل الحياة في البوادي الى تجربة الانتاج الكبير الصناعي في المراكز الحضرية، فان قضية الحق في الخدمات العمومية الجيدة بالنسبة للجميع ستظل تطرح نفسها دائما. فالمدن التي تتيح خدمات جيدة للجميع تعتبر متقدمة، لان ذلك يخلق بيئة صحية طبيعية واجتماعية تتيح للكائن الانساني انجاز مسؤولياته. أما المدن التي لا ترعى جيدا الخدمات العمومية المحلية تصيب الكائن الانساني بالتخلف والتقهقر الحضري، والفقر، وانتشار مدن القصدير، واندلاع التوترات وعدم المساواة الاجتماعية، وانتشار التلوث وغياب الحياة الثقافية، والابداع خاصة بالنسبة للأشخاص ذوي الدخل الضعيف.

الخدمات العمومية الجيدة إذن هي بالنسبة للجميع عبارة عن بنية تحتية عصرية ضرورية لها دورها في أنسنة المدينة وتوفير اجتماع الشروط الضرورية للتنمية الاقتصادية، والتضامن الاجتماعي والانسجام والسلم.

إذن فسكان المدن والقرى مسؤولون عن مراقبة ومحاسبة بل ومعاقبة القائمين على تدبير المرافق العمومية المحلية نظرا لارتباط تلك المرافق العمومية بحقوقهم الطبيعية، وبالتالي ضرورة مواجهة جشع التحالف الطبقي الحاكم وسياساته الآخذة في تقويض هذه المرافق. لذلك فان سياسات تدبير المرافق العمومية يجب ان تخضع لاختيارات الجماهير الشعبية مع رفض السياسات الطبقية التي تخدم فقط مصالح الباطرونا.