تهجير رفح المثير للجدل


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4643 - 2014 / 11 / 25 - 08:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

لم أفهم لماذا كل هذا الجدل بشأن تهجير قسم من أهل رفح المصرية إلى مكان آخر فى سيناء.
ولا أعتقد أن أحدا من معارضيه فَهِم السبب. أما المؤيدون فمنهم مَنْ اعتاد الوقوف دائما إلى جانب الدولة والحكام، ومنهم مَنْ خشى هجوم المعارضين والدولة فى آن معا، ومنهم مَنْ أفقدتهم ممارسات الدولة مع سيناء وأهلها، وكانت وما زالت كارثية، كل ثقة فيها، ومنهم مَنْ صار عليه أن يقوم بمهمة ثقيلة.
وقرار التهجير سهل وبسيط ومفهوم حيث ينبغى تهجير أهالى رفح سواء قبلوا أو لم يقبلوا لأن المنطقة صارت ساحة معركة حربية أساسية ضد داعش والإسلام السياسى الداعشى، ولا جدال فى أن من النتائج الجانبية لهذا التهجير حماية أرواح هؤلاء المواطنين.
فمَنْ يمكن أن يعارض الحرب على داعش ومقتضياتها سوى أنصارهم وتوابعهم، أو المعارضين لممارسات الدولة مع أهل سيناء، أو المعارضين للدولة والحكام مهما كانت مواقف الدولة والحكام دون تمييز لموقف عن موقف؟
ولا يمكن أن يتوقع المرء تأييد الداعشيين للتهجير لأن هذا يجعل جهادهم فى سبيل تدعيش سيناء ومصر والمنطقة برمتها أصعب. ومهما كانت فظاعات ممارسات الدولة ضد أهل سيناء فى الماضى والحاضر والمستقبل فإنه لا يمكن أن يتصور المرء أن يقف مصرى عاقل يدافع عن مصر موقف الخيار، على قدم المساواة، بين الدولة وداعش. ذلك أن من الصعب أن نفهم معارضة معارضى كل موقف للدولة، وهُمْ معارضون أشدّاء لداعش والداعشية ولتدعيش مصر، إذْ لا يمكن أن نُساوى فى دفاعنا عن شعب مصر بين الدولة التى نعارضها ونقاوم ممارساتها، وداعش التى تعمل على تدمير مصر لأن ممارساتها ستؤدى دون أدنى شك إلى إقامة دولة دينية، إسلامية، فى مصر، أو إشعال حرب أهلية مدمرة فيها.
ولا خيار بين الدولة وداعش لأننا لا نريد القضاء على الدولة منطلقين من موقفنا النظرىّ عن الدولة ومن إدراكنا أنها دولة طبقية، فالقضاء عليها لا يمكن أن يعنى فى مصر، فى الوقت الحالى، سوى أحد أمرين: انتصار الدولة الإسلامية الداعشية بكل ويلاتها أو أن تعجز الدولة عن هزيمتها بكل سرعة فنعيش فى غابة داعشية. ويمكن أن يكون هناك مفرّ من داعش، ولا يمكن أن يكون هناك مفرّ من الدولة: لا من دولة الرأسمالية التابعة ولا من دولة داعش التى ستكون دولة لنفس الرأسمالية التابعة.
دولة داعش أو الدولة الحالية! جيش داعش أو الجيش الحالى! هكذا تطرح القضية الراهنة علينا نفسها، ولكل مَنْ يعارض وجود دولة أو جيش أن يناضل بكل طاقته وعلى مدى طويل للغاية فى سبيل مجتمع بلا طبقات وبالتالى بلا دول أو جيوش أو حروب.
وأنا لستُ من عَبَدَة الدولة أو جيشها ولكننى لا يمكن أن أفكر إلا بعقلى المستقل، ولا يمكن أن أقول إلا ما يُرضى ضميرى وليس ما يُرضى آخرين.
وللتهجير سوابق فى منطقة القناة وغيرها. ففى أعقاب هزيمتنا فى حرب 67 لم يفكر أحدٌ فى تهجير أهل سيناء، مع أن هذا أمر مشروع إذا كان الأمر فى يدنا وفرضته ضرورات حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، لسبب بسيط هو أن الهزيمة أوقعت سيناء وأهلها تحت الاحتلال الإسرائيلى فى غمضة عين، وصار أمرهم فى أيدى فى سلطة الاحتلال.
ولسنا أول دولة حاربت ولا أول دولة قامت بتهجير السكان، وكان لا مناص من مثل هذا التهجير "القسرى" على الدولة، وليس على المواطنين، بسبب ضرورات الحرب. حيث تغدو الحرب بدون التهجير مستحيلة إلا إذا رضينا بتعريض أهل مدن القناة للموت بالآلاف وعشرات الآلاف ومئات الآلاف إذا حاربنا، أو رضينا بعدم مقاومة ومحاربة المحتل إذا استسلمنا.
أما تهجير النوبيين عند بناء السد العالى من موطنهم فربما كان تهجيرا قسريا لوجود بدائل. وكان تهجيرهم لإنقاذ حياتهم من الغرق فى المنسوب الجديد المرتفع لمياه النيل، غير أن النوبيين ينقسمون إلى مؤيدين للتهجير باعتبار السد العالى مشروعا قوميا، ورافضين لما يرونه تهجيرا قسريًّا، متمسكين بموطنهم.
وكان البديل الأفضل، فيما يبدو، هو التخلِّى عن بناء السد وبناء مجموعة من السدود تقوم بوظيفته فتُنقذ من ويلاته المتمثلة فى تهجير النوبيين، وفى رَدْم بحيرة ناصر بسبب البَخْر وتراكم الطمى مع الزمن، مع تَرْك النوبيين فى حالة بناء السد العالى يتراجعون إلى الصحراء وراء قُراهم ليبنوا حياة جديدة كما اعتادوا أن يفعلوا منذ بناء خزان أسوان.
وكان من الغريب إصرار الدولة على تهجير النوبيين لتوجس "القيادة العليا" دون مبرر من مطالبة النوبيين بالانفصال عن مصر ذات يوم! فقد روى هذا أمين هويدى فى مجلة السياسة الدولية، ولا أذكر العدد الذى قرأته فيه، ولكنْ أكَّد لى صديقنا الراحل خالد السرجانى، الذى لم تكن تفوته شاردة أو واردة، أنه قرأه فى نفس المصدر، كما أكَّد لى كاتب صحفى كبير جمعتنى به المصادفة مؤخرا صحة ما رواه أمين هويدى.
19 نوفمبر 2014