خطاب الملك يقتضي إعادة بناء تحالفات دولية جديدة.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4638 - 2014 / 11 / 19 - 23:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

لعل المواطنين والمهتمين بالشأن السياسي المغربي لاحظوا التغير الجدري في نبرة ومضمون الخطب الملكية ، والتي لم يخرج عن نبرتها الخطاب الذي ألقاه الملك بمناسبة الذكرى 39 للمسرة الخضراء . ويمكن التركيز على الخصائص التالية :
1 ـ إنه خطاب دولة يسترد المبادرة بتضييق هامش المناورة على خصوم الوحدة الترابية وسقف مطالبهم ، ما يفرض عليهم تغيير إستراتيجيتهم وفق الأسس التي وضعها المغرب وأهمها :
أ ــ أن تدبير قضية الصحراء لن يتم عبر التقارير التقنية المخدومة ولا الرهان على القرارات الأممية تحت البند السابع .
ب ــ أن قبول الحوار « لا ينبغي فهمه على أنه ضعف، أو اتخاذه كدافع لطلب المزيد من التنازلات » .
ج ــ أن المغرب في صحرائه يمارس سيادته عليها .
د ــ أن أقصى ما يقدمه المغرب هو الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية .
هـ ــ اللاءات الأربعة التي تحد من مناورات الخصوم والدول الداعمة لهم .
2 ـ إنه خطاب صريح وصارم وقوي.
أ ــ صريح يطلع المغاربة على استعداد الملك للحوار المباشر مع ممثلي البوليساريو كما حاورهم من قبل باعتبارهم مواطنين مغاربة . وهذه رسالة واضحة للأطراف السياسية والقطاعات الحكومية التي تدين اللقاءات المباشرة مع عناصر تنتمي للبوليساريو . فليس كل لقاء أو حوار معهم هو خيانة .
ب ــ صارم من حيث كونه وضع أسس التعامل مع العناصر المخرّبة للممتلكات العمومية والخاصة ، والتي تتبنى أطراف داخلية وخارجية تقديمهم "كأبطال" و"كشهداء" . والمغرب لن يكون أبدا، مصنعا لشهداء الخيانة ».
ج ــ قوي في مواجهة أمريكا والأمم المتحدة بحقيقة موقفهما الغامض من قضية الصحراء . وأظهر الخطاب شدة صريحة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وهيئة الأمم المتحدة لتناقضهما بين التقييم الإيجابي للتجربة السياسية للمغرب قياسا إلى محيطه الإقليمي ، وبين الغموض الذي يطبع مواقفها من قضية وحدته الترابية واسترجاع المناطق الصحراوية إلى الوطن الأم . فالمغرب يئس الاستجداء والرهان على الدور الأمريكي في حل النزاع ، في الوقت الذي تستغل الولايات المتحدة هذا الصراع للحصول على مكاسب اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية وسياسية من حكام الجزائر ؛ وكيف لا والجزائر أنفقت ما يزيد عن 220 مليار دولار من أجل إدامة الصراع وتغذيته ضد المغرب . لهذا فالمخرج لهذا الصراع هو تحميل كامل المسئولية في الصراع للجزائر .
3 ـ خطاب يتفاعل مع نبض الشارع ومطالب القوى السياسية والمدنية في الصحراء المغربية التي قدمت قراءتها للوضع السياسي والاجتماعي هناك واللوبيات المستفيدة منه . وشمل هذا التفاعل مطلبين رئيسيين :
أ ــ وضع حد لاقتصاد الريع حيث جاء القرار الملكي صريحا ( كفى من سياسة الريع والامتيازات. وكفى من الاسترزاق بالوطن)( لذا، وإنصافا لكل أبناء الصحراء، وللأغلبية الصامتة التي تؤمن بوحدة الوطن، دعونا لإعادة النظر جذريا في نمط الحكامة بأقاليمنا الجنوبية ) .
ب ــ تفعيل الجهوية الموسعة في الأقاليم الصحراوية وباقي جهات المملكة . ومن شأن الإسراع بتطبيق الجهوية الموسعة في الأقاليم الجنوبية ، أن يجعل السكان يتمرسون على تسيير شؤونهم المحلية دون تدخل من السلطة المركزية ، حتى إذا انتهت جولات الحوار بين المغرب وجبهة البوليساريو إلى الموافقة على الحكم الذاتي ، يكون سكان الصحراء قد تدربوا وخبروا شؤون التدبير والتسيير . كما يريد المغرب ، بإجراء تفعيل الجهوية الموسعة إعطاء الدليل المادي على جدّية المغرب في مقترح الحكم الذاتي الذي لم يطرحه كمناورة ، بل تقدم به كحل سياسي يحفظ ماء وجه كل الأطراف حيث لا غالب ولا مغلوب . وهو حل مشرّف لخصوم الوحدة الترابية إذا قبلوا بالحكم الذاتي والانخراط في بناء الوطن الأم والحفاظ على وحدته وسيادته .
أكيد أن المغرب لن يتمكن من الصمود في مواقفه المعلنة والضغط على الولايات المتحدة لتغيير موقفها بما يدعم مقترح الحكم الذاتي لإنهاء النزاع حول الأقاليم الجنوبية إلا ببناء تحالفات دولية جديدة تقوى موقفه وتحمي ظهره . وفي هذا الإطار على المغرب أن يستغل تقاطب القوى الدولية ليقيم تحالفات إستراتيجية مع الأقطاب الدولية المنافسة لأمريكا ، وخاصة روسيا والصين . ولعل الأزمة الأوربية/الروسية أهم فرصة لإقامة هذا النوع من التحالف مع استحضار الدور الروسي والصيني في منع استصدار قرار أممي يجيز استعمال القوة العسكرية ضد النظام السوري .