في حضرة شيخ الأدباء


فؤاد قنديل
الحوار المتمدن - العدد: 4632 - 2014 / 11 / 13 - 16:53
المحور: الادب والفن     


يوسف الشارونى هو شيخ أدباء مصر بعد رحيل نجيب محفوظ ، وهو واحد من أبرز رهبان الأدب المصري المعاصر.. وهو من القلائل الذين جمعوا بين عشقهم للأدب وحبهم للأدباء .
وفي احتفالية لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة بمناسبة بلوغه التسعين رأيت المشاركة بشهادة مختصرة عن الملامح الشخصية والأدبية للكاتب الكبير فقد تراجع كثيرا اهتمام المتعلمين بالقراءة والنهل من معين الثقافة والتعرف على العطاء النبيل لمئات الكتاب والمفكرين .. فمن هو يوسف الشارونى ؟
• لا أستطيع أن أتحدث عن المنجز الأدبي للكاتب الكبير دون التوقف لحظات للإشارة إلى أخلاقه الرفيعة وتواضعه ووطنيته وبساطته وإيثاره غيره على نفسه وزهده ورضاه بالقليل دون أن يفكر في الاغتراف من ماديات الحياة ، وعندما أصفه بأنه راهب ليس فقط لتفرغه للأدب ولكن أيضا لشخصيته الوديعة وتعاطفه مع البشر خاصة الأدباء.
• درس يوسف الشارونى الفلسفة ثم تركها من أجل الأدب . أثرى المكتبة العربية بما يزيد على خمسين كتابا في القصة القصيرة والرواية والدراسات النقدية وأدب الرحلات والتراث العربي . ومن أهم مجموعاته القصصية .. العشاق الخمسة . الزحام . رسالة إلى امرأة . مطاردة منتصف الليل . حلاوة الروح . الضحك حتى البكاء . أجداد وأحفاد وكتب رواية واحدة هى الغرق.
• أفنى كل عمره في القراءة والكتابة ولا زال يقرأ حتى الآن أكثر من معظم الشباب .
• حرص طوال عمره بدءا من عمله بوازارة الثقافة على مساعدة الكتاب الشباب ورعاية مسيرة عشرات الكتاب وتشجيعهم بالكتابة و عنهم مناقشة أعمالهم في الندوات والمؤتمرات..
• حرص في قصصه القصيرة التى بدأ كتابتها منذ الأربعينيات وحتى الآن على أن يستمدها من الحياة والأحداث اليومية ويلتقط كل ما هو إنسانى وكل ما ينتصر للحياة .
• انشغل بأزمات الإنسان المعاصر خاصة ما عاناه من الفقر والمرض والقمع والزحام
• لم ينشغل بالقضايا الكبري مثل نجيب محفوظ وإنما وجه كل فكره لمسيرة الإنسان المصري المسحوق تحت وطأة الاستبداد وشظف العيش ، وحاول أن يكون صوته التواق للحرية والعيش الكريم.
• انتهج المذهب التعبيرى في السرد الذى أدرك انسجامه وملاءمته للمواقف الإنسانية ، وأنصت لمشاعر شخصياته وحاول أن يستنطقها ويتصور دلالاتها وتحولاتها .
• حافظ على بساطته الشخصية في طرح أفكاره إلى حد كبير وتجنب كل أثر للغموض وإن استدرج حبه للفن لتجريب عدة أساليب غير معقدة ، وقد خاف على سرده من شراسة التحديث الذي بلغته وما زالت تجارب الكتاب في أنحاء مختلفة من العالم.
• تربي منذ صغره وبعد دراسته للفلسفة على تأمل الحياة ومصائر البشروكان مهتما باختيار بعض اللقطات مما يحدث من حوله ليتخذ منها بؤرا جمالية ذات دلالة
• اعتاد أن يبدع من قلب الصدق دون افتعال أو تكلف. وأن يتعمق عبر البساطة وأن يبحث عن الجمال خلال القبح.
• لديه ميل للرمزية ، وبدا واضحا في العديد من القصص القصيرة مثل ، " الزحام . الحذاء . الأم والوحش، ورواية الغرق التى تناولت حادث سقوط العبارة 98 في البحر الأجمر وقد ضاع ضحيتها ألف وثلاثمائة مصري بسبب الإهمال والجشع والاستهتار والتخلى عن المسئولية وغياب الضمير .. توقف عندها بوصفها تعبيرا عن حالة مصر خلال الثلاثين سنة الماضية حيث تجلت فيها مفظم الأخطاء المصرية التى يتمتع بها كبار المسئولين ورجال الأعمال.
• أقبل على تأليف كتب الدراسات النقدية لأنه يقرأ كثيرا ويتأمل ويحلل ، كما أنه من فرط تواضعه وحنانه رأي أن يفيد الكتاب من الأجيال التالية بفحوى ما قرأ
• لم يحاول أن يجدد إلى درجة الانفصال عن القراء ولا أن يدخل في صدام ولا أن يسيرعكس التيار ولم يصارع بحثا عن الشهرة ، واكتفى بالإخلاص للكتابة والقراءة في كل وقت وتحت أي ظرف فهما مصدر متعته الأولى.
• سار على شاطىء الحياة إلى جوار نهرها المتدفق يغرس شتلاته الأدبية في هدوء ومحبة متتبعا نداء ذاته المثقفة والأبوية .
• لم يؤرقه أن يكون ذا مشروع أدبي خاص جدا ومميز على حساب صدقه مع نفسه وكان مشروعه الوحيد التعبير عن الحياة وما تمور به من مشكلات يمكن أن يخفف الفن من وطأتها.
• رغم أن يوسف الشارونى رضي أن تبقى تجاربه ومساهماته وديعة وبلا ضجة ولم يبذل أي جهد للزج بها في كل محفل إلا أن قراءه بعشرات الألوف في مصر والعالم العربي بل ومناطق مختلفة من العالم بفضل الترجمة التى نقلت أعماله إلى لغات عالمية كثيرة ولا شك أن من حقه ومن حقنا أن نفرح بمسيرته الناصعة وأن نحتفى بعطائه الخصيب وحضوره البازغ والمؤثر.
• وتحية دائمة لهذا النموذج الفريد الذي يمثل قدوة لكل الكتاب من الكبار والشباب بما تميز به من المثابرة والعطاء والاحتضان والتأمل والإشعاع.