نحو إلغاء عقوبة الإعدام في العراق وعموم العالم العربي *


رزكار عقراوي
الحوار المتمدن - العدد: 4631 - 2014 / 11 / 12 - 23:05
المحور: الغاء عقوبة الاعدام     

هناك رأي شائع بين مجتمعاتنا و حتى عند الكثير من ناشطي حقوق الإنسان في العالم العربي والعراق بشكل خاص بضرورة وجود عقوبة الإعدام لكونها حماية للمجتمع من العنف والإرهاب، و رادعا للجريمة وأنها تقدم تعويضا عادلا للضحايا وذويهم، ولها ما يبررها دينيا وإنسانيا وحقوقيا. في حين الوقائع والإحصائيات من مختلف دول العالم التي تطبق هذه العقوبة المشينة تثبت عكس ذلك ، ماعدا انه من الممكن عند تطبيق عقوبة الإعدام، إن يقع خطأ او خلل قضائي- قانوني سيؤدي إلى إعدام شخص بريء ولا يمكن التراجع بعدها.
معظم الدول التي ما زلت تعمل بعقوبة الإعدام تفتقر إلى أنظمة قضائية عادلة، ومعظم الاعترافات تؤخذ تحت التعذيب وإشكال مختلفة من الضغط النفسي والجسدي. بشكل عام الشرائح الفقيرة والضعفاء في المجتمع هم من يحكم عليهم بالإعدام ويعكس ذلك الطابع الطبقي للعقوبة.
عقوبة الإعدام تقنون القتل ويكون للدولة دور -القاتل - وبالتالي عكس هذه الثقافة اللاإنسانية على المجتمع وتعزيز روح الكراهية والعنف والعنف المتبادل، وتعكس فشل العدالة وليس تحقيقها.


- إلغاء عقوبة الإعدام في العالم

حركة إلغاء عقوبة الإعدام في تطور مستمر، وأصبحت توجها قويا على الصعيد العالمي، وسنويا تنظم دول جديدة إلى البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1989، او تتوقف عمليا عن تنفيذ عقوبة الإعدام بشكل اختياري او قلصت إصدار إحكام الإعدام الى حد كبير جدا ، نتيجة تصاعد الوعي الحقوقي والإنساني بخطورة هذا العقوبة التي تستند الى عقلية الانتقام والعقاب، وهي رد يائس لاإنساني لوقف الجرائم او قمع المعارضة السياسية، بدلا من إشاعة الديمقراطية والحريات، والعدالة الاجتماعية، ومكافحة البطالة وتقليل التفاوت الطبقي والحد من الفقر، وكذلك التطوير النظام القضائي نحو مفهوم - إصلاح - الإنسان وليس عقابه و إعدامه.
هناك وعي كوني لمعارضة عقوبة الإعدام بغض النظر عن الجريمة وهوية المجرم، او طرق الإعدام، حيث ان عقوبة الإعدام جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد، وهي عقوبة قاسية جدا تنفذها الدولة وهي إنكار لحق الإنسان في الحياة كما هو منصوص في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه معظم دول العالم.

أكثر من ثلثي دول العالم ألغت عقوبة الإعدام او أوقفت تطبيقها وحسب إحصائيات منظمة العفو الدولية لعام 2013:
• الدول التي ألغت العقوبة بالنسبة لجميع الجرائم: 98
• الدول التي ألغت العقوبة بالنسبة للجرائم العادية فقط: 7
• الدول التي ألغت العقوبة عملياً: 35
• عدد الدول التي ألغت العقوبة في القانون والممارسة:140
• عدد الدول المبقية على العقوبة: 58



- عقوبة الإعدام في العالم العربي

للأسف كل دول العالم العربي تحكم بالإعدام في الكثير من الجرائم ماعدا دولة جيبوتي التي هي الدولة العربية الوحيدة التي ألغت عقوبة الإعدام، بعض الدول أوقفت تنفيذ الإعدام منذ سنوات مثل الجزائر، وتونس والمغرب وموريتانيا.
معظم الدول العربية تستند في قوانينها إلى الشرائع الدينية، وتفتقر إلى أنظمة قضائية نزيهة، وعادلة ويمارس التعذيب بشكل عام لنزع الاعترافات، وتصدر إحكام الإعدام في محاكمات غير عادلة دون ان يتوفر للمتهم الحد الأدنى من الحماية القانونية، وتسود في البعض منها حالات الإعدام التعسفي أو الإعدام خارج نطاق القانون أو الإعدامات بالجملة ومعظمها بسبب الرأي او المعتقد.
هناك نشاط واهتمام واضح الآن لدي منظمات حقوق الإنسان العربية بإلغاء عقوبة الإعدام، وشكلت اطر وتحالفات مختلفة تنشط وتعمل من اجل فرض إصلاحات تشريعية في الدول العربية، وتطوير نظامها الجنائي تمهيدا للتوقيع على البروتوكول الاختياري الداعي لإلغاء عقوبة الإعدام، وهناك توجه ايجابي لدى بعض الحكومات في طرح إلغاء عقوبة الإعدام للنقاش بين الرأي العام تمهيدا لإلغائها أو إيقافها أو تحديدها.



- عقوبة الإعدام في العراق

للعراق تاريخ حافل ودموي مع عقوبة الإعدام، وكانت تستخدم بشكل رئيسي كأسلوب للقمع وفرض نظام حكم سياسي دكتاتوري، فقد أعدم عشرات بل مئات ألوف سواء من خلال محاكم صورية او إعدامات جماعية داخل وخارج نطاق القضاء، وأغلبيتها كانت بذريعة ما يوصف بال -الجرائم السياسية – او حماية الدولة من الأعداء والجواسيس، وشملت كافة العراقيين بغض النظر عن القومية والدين والجنس.
في ظل حكم النظام البعثي كان الإعدام والاختفاء ألقسري والإعدام التعسفي حكما طبيعيا لكل من يخالف النظام، وازدادت عدد الجرائم الجنائية والسياسية التي كان يحاكم بالإعدام. وكان المعتقلون يتعرضون الى شتى أنواع التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية ويعدمون بإشكال وحشية دون اي التزام بالمعايير والمواثيق الدولية التي كان العراق طرف فيها ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. الأسلوب العنيف الغير ديمقراطي للنظام البعثي فرض على المعارضة المسلحة تنفيذ عدد كبير من الإعدامات خارج القضاء لمنتسبي حزب الحكم والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية كنوع من الاعتراض العسكري وكمحاولة لإسقاط النظام الحاكم.

بعد سقوط النظام البعثي تم تعليق عقوبة الإعدام في حزيران 2003 من قبل سلطات الاحتلال، وما لبث ان اعيد العمل بها في اب 2004 بعد تسليم السلطة الى العراقيين بحكومة استندت إلى تقسيم طائفي قومي، وبقضاء غير مستقل وغير محايد وتابع للسلطة التنفيذية والأحزاب الحاكمة والمتنفذة، إعادة بناء الشرطة والأجهزة الأمنية لم يتم على أساس مهني أنساني، حيث مازالت تعمل باليات تحقيق ضعيفة جدا، وتركز على التعذيب الجسدي والنفسي والعقاب الجماعي وأحيانا وشاية مخبر كافية للحكم بالإعدام! ولا تتوفر فرص مناسبة وعادلة للمتهمين للدفاع عن النفس. ومازال قانون العقوبات 18 في ظل النظام البعثي مطبقا وأضيفت اليه -جرائم جديدة متعلقة بمكافحة الارهاب - يعاقب بها بالإعدام.

ومن ذلك الحين والعراق من أحد اكبر الدول التي تحكم وتطبق الاعدام، الأرقام الرسمية لا تعكس الواقع الفعلي، فالعدد الحقيقي مضاعف بشكل كبير جدا، فعدا قيام السلطات الرسمية بالحكم وتنفيذ الإعدام، فهناك إعدامات كثيرة جدا خارج نطاق القضاء تقوم بها الميلشيات التابعة لأقطاب الحكم، وفي طرف الآخر الميلشيات المعارضة لنظام الحكم، وليس هناك اي أنواع من المحاكمات العادلة للضحايا، ولم يعثر على جثث عدد كبير منهم الى الان.
الحكومة العراقية لم تأبه الى الان بالمناشدات والضغط الدولي المطالب بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام في العراق ومستمرة في تطبيق هذه العقوبة الهمجية تحت ذريعة - مكافحة الإرهاب وإرساء السلم والأمان - في حين كل الوقائع تشير ان اثر ذلك شبه معدوم وبل العكس حيث عزز وساد التعصب القومي والديني وثقافة الكراهية والعنف والانتقام.


- ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام وتجارب مشابه للوضع العراقي

هل نستمر بالحكم وتطبيق عقوبة الإعدام في العراق؟ هناك الكثير من الدول الى مرت وتمر بظروف مشابه للوضع في العراق من حيث مرروها بالأنظمة الدكتاتورية والحروب الداخلية، قامت بإلغاء او قامت بإيقاف العملي لعقوبة الإعدام.

فمثلا دول ألغت عقوبة الإعدام بشكل كامل:
أنغولا، البوسنة والهرسك، كولومبيا، هندوراس، جنوب أفريقيا، بوروندي

او دول عمليا الغت الإعدام عمليا ولم تنفذ اي حكم بالإعدام في 10 سنوات الأخيرة
الجزائر، اريتريا، وليبيريا، سريلانكا، سيراليون.


للأسف العمل من اجل إلغاء عقوبة الإعدام في العراق لم يأخذ حيزا كبيرا ومهما الى الان في حركة حقوق الإنسان في العراق، ولم ينعكس في نشاط منظمات وجمعيات وناشطي حقوق الإنسان في الداخل والخارج رغم الاستخدام المفرط لهذه العقوبة في تاريخ العراق الحديث، وفي المؤتمر التوحيدي لجمعيات حقوق الانسان في برلين 1999 اقر بند يطالب بوقف الإعدام للجرائم السياسية. اعتقد انه نقص كبير لدينا وفي الوعي الحقوقي العراقي مقارنة بالتطور الكبير في منظمات والتحالفات المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام في الدول العربية الأخرى وعلى الصعيد العالمي.

حق الانسان في الحياة لابد ان يكون مقدسا وكفلته المواثيق الدولية، أناشد الجميع في هذا اللقاء تفعيل الحوار حول هذه القضية الحساسة، والعمل من اجل إقرار قرار يطالب الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان بوقف اختياري لعقوبة الإعدام، وبالبدء بإصلاحيات قانونية ودستورية ومجتمعية من اجل إلغاء عقوبة الإعدام بشكل نهائي في العراق.


******************************************************

* كلمة ألقيت في لقاء برلين لجمعيات ومنظمات ونشطاء حقوق الإنسان العراقي في الداخل والخارج - 8 و9 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، وقدمت كمقترح لإلغاء تدريجي لعقوبة الإعدام في العراق، وتم مناقشته وإقراره كأحد مقررات وتوصيات اللقاء حيث تضمن البيان الختامي :
(- 27. الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام في القوانين العراقية وحث جميع جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني الأخرى للإسهام في حملة إعلامية وتثقيفية بهذا الشأن ومطالبة السلطات التشريعية والتنفيذية بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية الخاصة بإلغاء عقوبة الإعدام.)