ما هو -شكل- الكون؟


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4615 - 2014 / 10 / 26 - 21:02
المحور: الطب , والعلوم     


أوَّلاً، كيف ترى الكون لو كنتَ في موضِع (من الفضاء الكوني) هو الأبعد عن كوكب الأرض؟ تخيَّل أنَّكَ تعيش في داخل "حُجْرَة كروية صغيرة شفَّافة" تسبح في الفضاء الكوني، وفي مقدورها الانتقال، في ثوانٍ معدودة، بحسب ساعتكَ، إلى أيِّ موضِع في الفضاء.
إذا انتَقَلْتَ بحُجْرَتِكَ هذه إلى موضِعٍ فضائيٍّ بعيد (يَبْعُد عن كوكب الأرض 100 مليون سنة ضوئية مثلاً) فلن ترى (بالعين المجرَّدة) لا كوكب الأرض، ولا غيره من كواكب المجموعة الشمسية؛ سترى بالعين المجرَّدة شمساً (أو نجماً) هي الأقرب إليك؛ وقد ترى كواكب (وأقمار) أخرى.
في موضعكَ الجديد، لن ترى (بالعين المجرَّدة) من الأجسام (أيْ من النجوم والكواكب..) ما رأيْتَه (من قَبْل) في موضعكَ القديم؛ لكن، ثمَّة "ثابِتٌ" في "المشهد الكوني المتغيِّر (بتَغَيُّر موضعكَ في الفضاء)"؛ فما هو هذا "الثابت"؟ إنَّه "المركزية الكونية"؛ فأنتَ، مع حُجْرتكَ، "مركز الكون"، في أيِّ موضِعٍ فضائي كُنْت.
إنَّكَ تَنْظُر إلى "الأعلى"، وإلى "الأسفل"، إلى "الأمام"، وإلى "الوراء"، إلى "اليمين"، وإلى "اليسار"، فترى الكون (وإنْ اخْتَلَفَت، في استمرار، تفاصيل "المشهد الكوني") محيطاً بكَ، وكأنَّك (مع حُجْرِتكَ) مركزه. وهذه "المركزية الكونية" نسبية، ووهمية، في آن؛ إنَّها نسبية؛ لأنَّ غيركَ (أيْ الموجود في موضِعٍ فضائيٍّ آخر) يرى ما ترى، أيْ يرى "الثابت" نفسه، ويظن ما تظن، أيْ يظن أنَّه "مركز الكون"؛ وإنَّها وهمية؛ لأنْ ليس للكون من "مركز"؛ فهو ليس على هيئة "كرة لها مركز".
قُلْت إنَّكَ سترى نجوماً وكواكب.. تحيط بكَ؛ لكنَّ هذا "المشهد" يتغيَّر إذا ما غادرت، بحُجْرَتِكَ، مجرَّتنا، مجرَّة "درب التبَّانة"، التي تضم آلاف الملايين من النجوم، أو الشموس، وإذا ما غادرت (بعد ذلك) زمرة (أو مجموعة) المجرَّات التي إليها تنتمي مجرَّتنا؛ فالكون، في "مشهده العام" هو "فضاء واسع شاسع، تتخلله نُقَط صغيرة؛ وكل نقطة تمثِّل مجموعة (متَّحِدة) من المجرَّات". ولكَ أنْ تشبِّه الكون ببحرٍ واسع (هو الفضاء) تتخلله جُزُرٌ صغيرة متباعدة (كل جزيرة هي مجموعة من المجرَّات).
تخيَّل الآن أنَّكَ، مع حُجْرتكَ، تسبح في الفضاء الكوني (النَّقي) بين تلك "النُّقَط"، أيْ بين مجموعات المجرَّات؛ فماذا ترى؟ ترى (بالعين المجرَّدة) فضاءً يحيط بكَ من كل حدب وصوب، وكأنَّكَ، مع حُجْرتكَ "الكون كله (لا مركزه فحسب)"؛ لكن تخيَّل أنَّكَ بـ "عين اصطناعية ما" تستطيع أنْ ترى أبعد وأكثر وأوضح.
سترى نفسكَ الآن "مركز الكون (الثابت)"؛ فإنَّ كثيراً من تلك "النُّقَط"، أيْ مجموعات المجرَّات، يحيط بك؛ وسترى، أيضاً، أنَّ كل "نقطة" منها ترتدُّ بعيداً عنكَ، وبسرعة هائلة، مع أنَّها ثابتة، لا تتحرَّك في الفضاء؛ فإنَّ الفضاء بينكَ وبين كل "نقطة" من هذه "النُّقَط" هو الذي يتمدَّد ويتَّسِع في استمرار، وبسرعة متزايدة؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ هذه "النُّقَط (التي لا تتحرَّك "في" الفضاء)" تتحرَّك "مع" الفضاء.
أنتَ الآن، وفي موضعكَ الفضائيِّ هذا، عَزَمْتَ على "المغامَرة الكبرى"، مغامرة "الخروج من الكون". نَظَرْتَ إلى "الأمام"، فقرَّرتَ أنْ تنطلق بحجرتكَ إلى "الأمام"، بسرعة خرافية، في مسارٍ ثابت مستقيم؛ فماذا كانت "النتيجة النهائية"؟ لقد عُدتَّ إلى الموضع الذي منه انْطَلَقْت. جَرَّبْتَ "تغيير الاتِّجاه"، فسافَرْت في اتِّجاه خلفي، ثمَّ في اتِّجاه يميني، ثمَّ في اتِّجاه يساري؛ لكنَّكَ عُدتَّ، كل مرَّة، إلى الموضع الذي منه انْطَلَقْت.
لم يبقَ لديكَ إلاَّ أنْ تجرِّب "الاتِّجاه العلوي"، أيْ السَّير إلى أعلى، و"الاتِّجاه السُّفلي"، أيْ السَّيْر إلى أسفل. لقد جرَّبْتُهما؛ لكن "النتيجة النهائية" ظلَّت هي نفسها؛ فهل لكَ، بعد كل هذه التجارب، أنْ تَرْسُم لنا شكل الكون؟