حول المواقف المختلفة من التحالف مع البعث الصدامي


بهاءالدين نوري
الحوار المتمدن - العدد: 4609 - 2014 / 10 / 20 - 16:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

من مذكرات بهاء الدين نوري: حول المواقف المختلفة من التحالف مع البعث الصدامي

كتب البعض من المشاركين في الحوار الاخير معي يتساءلون أو يعتقدون بانني كنت احد الموافقين على الجبهة مع البعث الصدامي عام 1973. وتوضيحا للحقيقة انشر النص التالي المنقول من مذكراتي، طبعة اربيل عام 1995، ص 312-314:

منذ أوائل 1972 طرحت مشاريع أو برامج مختلفة من قبل ح ش ع وجناح من الحركة القومية الناصرية (عبدالاله النصراوي) وأخيرا من حزب البعث الحاكم، كبرامج للتحالف المقترح. وبعد اكثر من سنة من النقاشات، التي دارت بالاساس حول الوثيقة البعثية، تمت الموافقة بين ح ش ع وبين حزب البعث على المشروع البعثي، بعد اجراء تعديلات طفيفة عليها لم تمس القضايا الجوهرية. فالامور ظلت مطروحة في صيغ عمومية وبشكل اراجيز فارغة غير مفهومة من الجماهير. على ان اسوأ ما في الوثيقة (التي سميت ميثاقا وطنيا) كان اقرار قيادة ح ش ع بالدور المتميز لحزب البعث، أي دوره القيادي في التحالف، وباحتكاره لحق العمل لنفسه في القوات المسلحة. كان ذلك شكلا من اشكال التأكيدعلى نظام الحزب الواحد، مع اعطاء حق الوجود لاحزاب أخرى شريطة ان تكون تابعة للحزب الحاكم وحتى لسياسته.
والاسوأ من اقرار هذا الميثاق هو ما قام به عزيز محمد منفردا من اتفاق مع صدام التكريتي على اتخاذ القرارات في الجبهة باغلبية الاصوات. في حين كانت هذه الاغلبية مضمونة عادة للحزب الحاكم. معنى ذلك الزام ح ش ع بتنفيذ أي قرار يتخذه البعثيون وحلفائهم باسم الجبهة الوطنية. بتعبير آخر فان عقد الجبهة على هذا الاساس اقترن منذ البداية بضياع الاستقلالية السياسية، بالنسبة إلى ح ش ع. كان التحالف قد عقد عمليا منذ ايار 1972. حين وافقت قيادة ح ش على المشاركة في الوزارة. غير ان اسباغ الصفة الرسمية -القانونية- على التحالف الذي عقد باسم "الجبهة الوطنية والقومية التقدمية"، جرى في اجتماع طارئ للجنة المركزية في تموز 1973، اعقبه التوقيع الرسمي على الميثاق امام مشاهدي تلفزيون بغداد، يوم ظهر احمد حسن البكر و عزيز محمد ليوقعا على عقد التحالف.
جرى نقاش حاد في اللجنة المركزية، التي كانت منقسمة على نفسها حول عقد التحالف بين رأي مؤيد وآخر معارض. وعندما عرض سكرتير الحزب عزيز قضية الانضمام إلى الجبهة مع البعث لم يصوت إلى جانبه سوى سبعة أصوات بين الحاضرين، في حين صوت ضده ثمانية اشخاص (كان بين المصوتين للجبهة عزيز محمد وكريم احمد وباقر ابراهيم وعبدالرزاق الصافي، وبين المصوتين ضدها زكي خيري ومهدي عبدالكريم وعدنان عباس وسليمان اسطيفان وانا). وهكذا لم تأت نتيجة التصويت لصالح عزيز محمد. وكان يفترض وفق التقاليد الديمقراطية - الحضارية، ان ينتهي الاجتماع وان يبلغ البعثيون بأن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لم تؤيد عقد الجبهة على اساس البرنامج والشروط المطروحة. لكن الديمقراطية هنا، حتى في قيادة ح ش ع، لم تتحول إلى تقاليد راسخة في العمل السياسي، بل هي تنبذ عندما تتعارض مع رغبات قائد الدولة أو الحزب الحاكم أو أي حزب سياسي، ولو كان وطنيا وتقدميا ومن معارضي السلطة. فالسكرتير لم يستسلم للامر الواقع بعد رفض الجبهة باغلبية الاصوات، بل استأنف النقاش وناشد المشاركين في الاجتماع كي لا يضيعوا هذه الفرصة التاريخية في عقد التحالف ولا يخاطروا بمصير الحزب والوطن. وبعد المناقشات الجديدة تم له ما أراد إذ انتقل -في التصويت للمرة الثانية- عضو اللجنة المركزية احمد بانيخيلاني من صف معارضي الجبهة إلى صف مؤيديها. فاصبحوا هم ثمانية وبقينا نحن المعارضين سبعة، وبهذه الاغلبية الهزيلة مرر عزيز محمد هذه القضية المصيرية الخطيرة.
لقد اصر عزيز محمد ومعه مسؤولون آخرون في قيادة ح ش ع على عقد هذا التحالف وراهنوا عليه، باعتباره طريقا للتطور اللارأسمالي مؤديا في نهاية المطاف إلى إقامة عراق اشتراكي. وبعد سنوات اجابت الحياة نفسها على كل القضايا المرتبطة بهذا التحالف -كما هو معروف.
لا بد من الاشارة إلى ان ح ش ع بذل مساع لضم الپارتي إلى الجبهة. ولم يستجب هذا الاخير لأنه كان قد وقع تحت ضغوط نظام الشاه والاوساط الغربية. واعتقد ان انضمام الپارتي كان يخلق الاساس المادي لمعادلة سياسة جديدة إذ كان اتفاق الشيوعيين والپارتيين على المسرح السياسي كفيلا بنجاح التصدي لطغيان الحكم البعثي ولفرض بعض الاصلاحات. ولم يكن البديل الذي اختاره الپارتي برفض الجبهة وبتجديد القتال في كردستان بالشئ الافضل. فاذا كان الشيوعيون قد اخطأوا في عقد هذا التحالف الثنائي غير المتوازن مع البعث الحاكم، فان الپارتيين هم الآخرون قد اخطأوا الاعتماد على نظام الشاه والاوساط الامبريالية الغربية والانصياع لها في تجديد القتال الذي عاد بضرر جسيم على الشعب الكردي خاصة وكل العراق عامة.
وحتى إذا قبل ح ش ع بابرام التحالف مع البعث الحاكم فان النتائج لم تكن لتنتهي إلى هذا المأساة المريرة فيما لو تمسك ح ش ع باستقلاليته السياسية بدلا من ان يجعل من الجبهة تبريرا لانتهاج سياسة التبعية وراء البعث.
ان المعارضة القوية داخل القيادة عام 1973 لعقد التحالف مع البعث الحاكم أخذ يخف تدريجيا خلال السنتين التاليتين حتى اصبح من صوتوا أول الامر ضد التحالف ملكيين أكثر من الملك نفسه -جبهويين اكثر من عزيز محمد- كما تجلى في مواقف زكي خيري وعدنان عباس ومهدي عبدالكريم وغيرهم.