ق 3 ف 2 : موقف علماء السلطة السعودية بين اللجنة والدولة


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4607 - 2014 / 10 / 18 - 18:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
القسم الثالث: المعارضة الوهابية التى أنجبت أسامة بن لادن
الفصل الثانى : تحليل الصراع بين اللجنة الشرعية والدولة السعودية
صراع اللجنة مع الدولة : صراع بين عقيدتين سياستين من عقائد السلف
موقف علماء السلطة السعودية بين اللجنة والدولة
عقيدة علماء السلطة فيما يخص السياسة ان ولي الامر اعرف بالمصلحة وتجب طاعته فيما يراه ،وعقيدة اللجنة ان الشرع يجب ان يعلو فوق الحاكم ،وان اللجنة هي التي تمثل الشرع وتحتسب علي الحاكم بالشرع .فالي أي حد كان موقف العلماء الرسميين بين اللجنة والدولة ؟
أولا : ــ نبدأ بالشيخ عبد العزيز بن باز ..
1 ــ يمكن تلخيص موقفه بأنه كان مترددا مع انحيازه النهائي للسلطة التي كانت تعرف كيف تحكم سيطرتها عليه في الوقت المناسب ،وبسبب هذا التردد قام بدور التوسط في الازمات بين اللجنة والسلطة ،وبسبب هذا التردد ايضا فإن اللجنة كانت تمتدحه احيانا وتلتمس له العذر احيانا اخري ، ثم اذا انتهت مرحلة التردد وانجاز الشيخ للسلطة تماما فكان هجوم المسعري وسخطه عليه ، وبهذا تناقض شرع المسعرى فى موقفه من ابن باز .
2 ــ فالشيخ ابن باز هو الذي تحمس لتزكية خطاب المطالب وكتب يؤيده في مقدار صفحة ونصف الصفحة ، وينصح ولاة الامر بإحالة الخطاب لهيئة كبار العلماء لدراسته وتحديد طرق تنفيذه، مما شجع الشيخ إبن عثيمين علي التأييد الحذر . والشيخ ابن باز هو الذي استقبل لجنة الاحتجاج التي تطورت مهمتها فيما بعد لتضع مذكرة النصيحة ،وهو الذي وعد بلقاء دوري وشهري مع اعضائها ،وهو الذي تدخل حتي لا يتم اجهاض مشروع مذكرة النصيحة وهو الذي شجع علي كتابتها ، وكان الاصوليون يستخدمونه في كل تلك الخطوات [30] .
3 ــ ولكن عندما احتدم الصراع بين اللجنة والدولة وجاءت الاعتقالات ،كان لابن باز احيانا دور التوسط في القبض والاعتقال ،او في التخفيف عن المعتقلين ، أي في مرحلة التوسط هذه كان عمله في خدمة الدولة اكثر من عمله في خدمة اللجنة .ونعطي امثلة من بيانات ونشرات اللجنة :
بعد خمسة اشهر من اعتقال الاصوليين صدر البيان رقم 24 في 8/2/1995 يقول انه حصل من ابن باز علي وعد بأن الضيقة ستحل خلال وقت قصير مقابل تهيئة الاوضاع ،وهو مالم يحدث .
وابن باز هو الذي كتب تزكية للشيخين سفر الحوالي وسلمان العودة ،واستغل الاصوليون هذه التذكية في صراعهم مع الدولة ،ولكن الدولة من ناحيتها استصدرت فتوي ضدهما من ابن باز وعلي اساس هذه الفتوى تم اعتقالهما [31] ،وكان اعتقالهما لإجبارهما علي التعهد بالكف عن النشاط المعادي للدولة ،وقد رفضا وصمما علي الرفض فأرسلت اليهما الدولة الشيخ ابن باز فأصرا علي رفضهما وهاجما ابن باز واتهماه بالعمالة للسلطة حسبما يقول منشور اللجنة رقم 38 في 8/3/1995 . ومع ذلك فأن ابن باز هو الذي توسط لدي السلطات لتمكين الشيوخ المعتقلين من رؤية اهلهم في السجن واهمهم سفر وسلمان صالح السدري وغيرهم . وهذا ما اكدته نشرة اللجنة رقم 25.
وفي صراعها مع الدولة كانت اللجنة تقوم بتوزيع تزكية ابن باز للشيخين سفر وسلمان علي اشرطة مما جعل السلطات تعتقل مروجي هذه الاشرطة ،وشعرت اللجنة بخوفها ان يكون ذلك تمهيدا لاعتقال ابن باز نفسه ،وهذا ما تردد في النشرتين 17،19 اكتوبر 1994 .
وحين ضاقت الارض بما رحبت علي الشيخ يحي اليحيي وهو هارب من اعين السلطة سلم الشيخ نفسه الي الشيخ ابن باز الذي اصطحبه ليتوسط له لدي الامير سلمان في الرياض ،وبعد جلسة عاصفة وبعد خروج الشيخ بن باز تم القبض علي الشيخ يحي اليحيي . وحدث ما يشبه ذلك ؛ كان الشيخ محمد الفراج في زياة لابن باز فاعتقلوه بعد خروجه من عنده ،وعندما اعترض الشيخ ابن باز اطلقوا سراح الفراج ثم اعادوا اعتقاله يوم الاثنين 7 ربيع ثان 1415 هـ أي كانت حرية الشيخ ابن باز محدودة في مصلحة اللجنة ،حيث تسيطر عليه الدولة باعتراف اللجنة نفسها ،حيث تؤكد ان المباحث منعت وفود الطلبة من مقابلة الشيخ حين ارادوا منه التوسط لاطلاق سراح المعتقلين ،كما ان المباحث كانت تحيط به في ندواته الاسبوعية ،وعلي رأسهم سكرتيرهم د.محمد الشويعر لمنع وصول الاسئلة التي تحرج الحكومة من الوصول اليه . وقد كان صالح العامر في مكتبه ،وقد طرده ابن باز لعلاقته بالمباحث وكتابته التقارير لها ، ووقوفه ضدالاصولية السنية ،فكان ان تم تعيينه مديرا لمكتب الدعوة بالطائف بنفوذ وزارة الداخلية . وهذه المعلومات جاءت بها نشرة اللجنة [32] التي زعمت في نشرتها رقم 150 في 25/11/1998 ان الشيخ احمد إبن الشيخ عبد العزيز بن باز يقوم بالتجسس علي من يقوم بزيارة والده ويرسل تقارير عنهم الي المباحث .
4 ــ وفي النهاية ومع الشطط الذي دخل فيه المسغري في منهجه الفكري ونبرة اسلوبه فى الهجوم على الدولة السعودية إضطر الشيخ إبن باز الى أن ينحاز الي الدولة نهائيا .
ابن عثيمين :
ـ وسبقه في الانحياز الي الدولة مبكرا الشيخ ابن عثيمين الذي ايد علي حذر خطاب المطالب متأثرا بتأييد ابن باز ،وعندما تطورت الامور الي صراع اسرع ابن عثيمين بتأييد الدولة والعمل في صفها ،ففي مساء الجمعة 10/10/1993 وطبقا للنشرة التي اصدرتها ليبرتي من لندن في 15/10/1993 فإن الشيخ العثيمين اقنع مظاهرة مكونة من سبعة الاف شخص كانت ستقوم ضد الدولة احتجاجا علي اعتقال سفر وسلمان ،اقنع المتظاهرين بالعدول عن الظاهرة. ويذكر منشور اللجنة رقم 37 في 1/3/1995 تحركه لجمع التبرعات الخيرية لصالح مؤسسة الامير سلمان الخيرية في الوقت الذي تقوم فيه الدولة بتجفيف الميرات الخيرية الاصولية السنية .
ابن جبرين :
وعلي عكس الشيخ ابن عثيمين نجد الشيخ ابن جبرين الذي بدأ اصوليا متحمسا شارك قائدا في التحركات الاولي مع اللجنة ، ثم تعرض لضغط الدولة فانسحب ، ومالبث ان اصدر بيانا ضد اللجنة ، ولم تهاجمه اللجنة لعلمها بظروفه التي قدرتها ،بل ان اللجنة بادرت بتجميد عضويته بسبب الضغط الشديد الذي تعرض له، وانه لايزال متفاهما مع اللجنة مناصرا لها [33].
ثانيا : علماء ساندوا الدولة بلا تردد :
1 ــ ونصل الي العلماء الذين ناصروا الدولة السعودية بلا تردد ومنذ البداية وهاجموا اللجنة ،ومنهم الشيخ صالح الفوزان الذي لا تستغرب اللجنة هجومه عليها–علي حد قولها . ومثله صالح السولان .
2 ــ اما الشيخ عبد العزيز العسكر فقد اعترفت اللجنة بعلمه وذكائه وكثرة علاقاته ولكنها قالت استخدم كل ذلك في خدمة السلطة ،وقد كافأته السلطة علي جهوده في تشويه الشيخين سفر وسلمان بأن اعارته من جامعة الامام الي هيئة التحقيق والادعاء ،وقامت بتوزيع اشرطته مجانا .[34].
3 ــ ونال الشيخ اللحيدان الكثير من هجوم اللجنة فقالت ان تاريخه مفضوح في تنفيذ تكليفات الملك بأجر دنيوي واتهمته بأنه الذي جر العلماء الي اصدار بيان ضد اللجنة ،وتعترف اللجنة بعلمه وذكائه وفطنته ونباهته وقوة شخصيته وبلاغته ،ولكنها تري انه وظف هذه المزايا في خدمة الحكام وقام بتأويل التأويلات لهم من الآراء الشرعية . وزعمت اللجنة ان اللحيدان علن استعداده لتبرير موقف الدولة من الاعتقالات ،وتهجم علي الشيخين سفر وسلمان ،وكافأته الدولة علي وقوفه ضد خطاب المطالب باعطائه 25 مليون ريال ،وكافأته علي موقفه ضد مذكرة النصيحة باعطائه ارضا في البكرية [35].
ثالثا : الفرقة الجامية :
1 ــ ومالبث ان ظهرت فرقة الجامية من علماء اخذوا جانب الحكومة وضد اللجنة والاصولية .ومن خلال ما ظهر في نشرات اللجنة نتعرف علي مشاعرها تجاه هذه الفرقة ،فاللجنة تري ان الفرقة الجابية غطاء للمباحث السعودية اسسها محمد امان جامي، واقطابها فالح الحربي وفريد المالكي وعبد العزيز العسكر ، ووظيفتهم كما تقول اللجنة هي التجسس علي الدعاة وكتابة التقارير عنهم ،وقد انضم اليهم الامير نايف بن ممدوح ،والقي محاضرة في مكة سبّ فيها الشيوخ المعتقلين .
2 ــ ومما قالته اللجنة عن الفرقة الجامية نستنتج ان الجامية كانت تقوم بالدعاية الفكرية السلفية للحكومة في المناطق التي يتكاثر فيها النفوذ الشعبي للاصولية ،ورغم التأييد الرسمي للمحاضرات التي يلقيها اعيان الجامية الا ان الجماهير كانت تقاطعها او يقوم بعضهم بتعطيل الكهرباء ،وقد تحدث مشادة ينتج عنها اصابة المتحدث من الجامية او هربه ،وبالتالي تتدخل الدولة لتعتقل المعتدي. وتصور اللجنة في نشراتها ذلك الامر علي ان الجامية تقوم باصطياد شباب المعارضين ،مع ان الوارد ان تنفض الجماهير عن فقهاء السلطة اذا قامت هذه السلطة باعتقال الشيوخ المحبوبين لهذه الجماهير ،او اذا كانوا ينتمون الي هذه الجماهير بروابط فكرية او قبلية (نسبة للقبيلة ) او جهوية (نسبة للموطن او البلد ) ودليلنا علي ذلك ان هذه الاحداث وقعت في اماكن التذمر الاصولي السنى في القصيم و الجوف .كما ان اعيان الجامية حاولوا اقناع الشيخين سفر وسلمان بالاعتذار حتي يطلق سراحهما الا انهما رفضا .
3 ــ ومن الطبيعي ان تكافئ الدولة علماءها من الجامية فيتم مد عقد الشيخ ربيع المدخلي للمرة الثانية في الجامعة الاسلامية بعد تقاعده وهو –علي حد قول اللجنة –ممن يستمتع بسبّ الجماعات الاسلامية ،ويتم تعيين الدوسرى والسحيمي والرحيلي في الجامعة الاسلامية ،ويتم تعيين العيلان مديرا لمكتب الشئون الاسلامية في حائل برغم انه لم يحصل علي الدكتوراة ،طبقا لما تقول اللجنة في نشراتها .وكالعادة لا يتيسر لنا التأكد من صحة هذه الأخبار لأننا ننقل عن منشورات اللجنة ، ونضع تحفظا حول كل ما تنفرد بنشره عن خصومها .
4 ــ وبسبب الرفض الشعبي لمحاضرات شيوخ الجامية في المملكة –حسبما تصور اللجنة – فأنهم وجدوا القبول في الكويت ،واضطرت اللجنة للاشارة الي ذلك ،مع تأكيدها علي ان الاصولية السنية الكويتية وقفت للجابية بالمرصاد بأن تكتب عنها البحوث ، مثل (فاضحة المجرمين وناصحة الموحدين ) والذي يعدد بدع الجامية ومخالفتها الشرعية ،وتقول النشرة رقم 149 الصادرة من المسعري في 21/1/98 ان مسعد البريك مدير مكتب الامير عبد العزيز بن فهد زار الكويت واستقبلوه فيها استقبالا حافلا ،ورتبوا له محاضرات عن طاعة ولي الامر ومخاطر الفتنة والخروج علي السطان ، ودعاهم الى الانهماك فى العبادات بدلا من تكفير الحكام .