صكوك غفران السيّدين شتاينماير والفيصل


سعود قبيلات
الحوار المتمدن - العدد: 4604 - 2014 / 10 / 15 - 09:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


التقى وزيرا الخارجيَّة، السعوديّ سعود الفيصل والألمانيّ فرانك فالتر شتاينماير، في مقرّ فرع وازارة الخارجيَّة السعوديَّة في جدَّة، أمس الأوَّل، وقرَّرا حرمان الرئيس السوريّ الدكتور بشَّار الأسد مِنْ صكوك الغفران المتوفِّرة بحوزتهما، فأعلنا أنَّه فاقد للشرعيَّة!
يا للهول! كان ينقصهما فقط ارتداء زيّ باباوات العصور الوسطى!
ومع ذلك، فهذا الكلام الذي قاله الوزيران جدّيّ تماماً؛ بدليل أنَّنا لا نعرف كم مرَّة قالاه، معاً أو كلّاً منهما على حدة، طوال السنوات الأربع الماضية. وهذا ينطبق أيضاً على عدد المرَّات التي قاله بها «نظراؤهما» في حلف شمال الأطلسيّ وأتباعه.
وهو جدّيّ، خصوصاً، لأنَّه يُقال على أرض السعوديَّة؛ حيث ثمَّة تجربة ديمقراطيَّة عريقة، وحياة حزبيَّة نشيطة، ونقابات عمّاليَّة ومهنيَّة حُرَّة وفاعلة، ومؤسَّسات مجتمع مدنيّ متعدِّدة ومؤثِّرة، ودستور مِنْ أكثر الدساتير تقدّميَّةً وتحرّراً، وقوانين عادلة، ودولة مستنيرة ومتحضِّرة، والشعب هناك هو صاحب الكلمة النهائيَّة في كلّ الشؤون الأساسيَّة لبلاده.
وهذا على النقيض من الأحوال القائمة في بلاد «واق الواق» المجاورة التي تُحكَم بأشدّ أساليب القرون الوسطى عسفاً وتخلّفاً، ولا يعرف حُكّامها معنى الشرعيَّة أصلاً، ولا الدساتير والقوانين وضرورة الاحتكام إليها والحكم بموجبها، وليس في بلادهم نقابات أو أحزاب أو مؤسَّسات مجتمع مدنيّ، ولم يدخل مفهوم الشعب، بعد، قاموسهم السياسيّ.. إذ لا يزال الناس لديهم مجرَّد رعيَّة للحاكم (جلايبك يوم المبيع)، والخيار الوحيد المتاح لهم (أعني الناس هناك) هو «مبايعة» الحاكم (بالأحرى، بيع أنفسهم له) تحت حدّ السيف أو لسع السوط. كما أنَّ الحاكم في «واق الواق»، تلك، يملك البلاد كلّها بثرواتها ومواردها وناسها؛ بل وحتَّى اسمها أيضاً.. حيث يُنسب الشعب كلّه والبلد بمجمله إلى اسم الأسرة الحاكمة (واق الواق)! ويتقاسم عدد كبير مِنْ أفراد تلك الأسرة ليس المناصب العليا فقط، بل أيضاً المناصب المتوسِّطة والأقلّ قليلاً. وما على الشعب (عفواً، الرعيَّة) إلا الرضا بفتات السُّلطة والثروة الذي تمنّ به عليهم الأسرة الحاكمة.
لذلك، بالتحديد، اختار السيِّد شتاينماير أنْ ينطق بجواهره النادرة وهو يقف على أرض السعوديَّة، وليس على أرض «واق الواق»؛ وبالاشتراك مع وزير خارجيَّة السعوديَّة، تحديداً، وليس بالاشتراك مع وزير خارجيَّة نظام قروسطيّ متخلِّف!
بالمناسبة (أو حتَّى مِنْ غير مناسبة)، مَنْ هو الحاكم الذي عاب جورج مارشيه على الرئيس الفرنسيّ الأسبق جورج بومبيدو أنَّه استقبله في مطالع سبعينيَّات القرن الماضي في باريس؟ فقال في كتابه «التحدّي الديمقراطيّ»، منتقداً بومبيدو على فعلته تلك، ما يمكن تعريبه على النحو التالي: يا للهول! لقد استقبل في الإليزيه آخر حاكم إقطاعيّ في التاريخ!
لا تحتاج الإجابة على هذا السؤال إلى إجهاد ذهنٍ وتفكير؛ إنَّه حاكم «واق الواق» الأسبق، بالتأكيد! والأحوال في بلاد «واق الواق» لم تتغيَّر قيد أنملة منذ ذلك التاريخ.
على أيَّة حال، لنضع شؤون «واق الواق» جانباً، ونعود إلى كلام الوزيرين المحترمين (الفيصل وشتاينماير) عن الشرعيَّة في سوريَّة؛ فهل يتفضَّل السيّد سعود الفيصل، فيشرح لنا ما هو مفهومه للشرعيَّة؟ هل هو، مثلاً، مطابق، للنموذج المتحقِّق منها في السعوديَّة؟ ذلك النموذج العصريّ الفريد الذي أتاح لبلاده أنْ تستفيد بقدراته الاستثنائيَّة في إدارة شؤونها الخارجيَّة كلّ هذه المدّة السخيَّة التي امتدَّت مِنْ مطالع شبابه وحتَّى الآن بعدما بلغ من العمر عتيّاً!
لا يعرف الشعب السوريّ، إذاً، ما هي الفرصة الثمينة التي يضيعها على نفسه!
وهل يقول لنا السيِّد فرانك فالتر شتاينماير، الواقف إلى جانبه (أعني إلى جانب سعود الفيصل) والذي يشاركه الرأي بشأن «فقدان الرئيس الأسد لشرعيَّته»، ما هو نوع الشرعيَّة الذي يقترحه لسوريَّة؟
هل هو، مثلاً، مِنْ نمط شرعيَّة حامد كرزاي، الذي كَرُمَ به حلف الأطلسيّ (وألمانيا مِنْ ضمنه) على الشعب الأفغانيّ السعيد (وعلى العديد من الشعوب الأخرى المحظوظة)؟
أم أنَّها كتلك التي كانت تتفضَّل بها واشنطن («صديقة» ألمانيا العزيزة) على شعوب أميركا اللاتينيَّة مِنْ خلال نموذج جمهوريَّات الموز الشهيرة وانقلابات الجنرالات الديمقراطيَّة في تشيلي والأرجنتين وسواهما، التي لم نسمع مِنْ الطبقة الحاكمة في ألمانيا أنَّه كان لها اعتراضٌ عليها؟
أم كتلك التي تمثِّلها ربيبة الغرب المدلَّلة («إسرائيل») والتي خدمت بها الشعب الفلسطينيّ أيّما خدمة؛ بل أفضل خدمةٍ قُدِّمَتْ لشعبٍ في التاريخ. الأمر الذي يجعلنا نفهم بسهولة سبب غرام البورجوازيَّة الحاكمة في ألمانيا وشقيقاتها الأطلسيَّات بتلك الشرعيَّة!
لكن، لماذا نذهب بعيداً؟ إنَّها، على الأرجح، يجب أنْ تكون مِنْ نمط تلك الشرعيَّة المتحقِّقة في بلاد السيِّد سعود الفيصل، الواقف إلى جانب السيّد الألمانيّ المتحضِّر، والذي يشاركه المفردات نفسها في الحديث عن الشرعيَّة التي قرَّرا انتزاعها من الرئيس بشَّار الأسد. وهذا مع أنَّهما لم يشيرا، لو بكلمة واحدة، إلى حال الشرعيَّة في السعوديَّة التي يقفان على أرضها وسواها من البلدان المماثلة.