لا شأن للاسلام بما يفعله المسلمون


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4602 - 2014 / 10 / 13 - 22:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أولا :
1 ــ خطيئة فكرية وعقيدية سائدة تحمّل دين الاسلام أوزار ( المحمديين ) وخصوصا الوهابيين الذين أدمنوا رفع شعار الاسلام وإحتكار إسمه وشريعته ، وبالتالى يتيحون الفرصة لمن يعادى الاسلام بأن يجعل الاسلام متهما بكل ما فى الوهابية والوهابيين من وحشية وإرهاب وتزمت وتطرف وتعصب وجهل وظلم وتخلف . تعرضنا كثيرا لتبرئة الاسلام من أوزار المسلمين ، والى أهمية الفصل بين دين الاسلام ( وهو أوامر ونواهى نزل بها القرآن الكريم ) وبين المسلمين من محمديين ومسلمين صادقين ، لأن المسلمين هم بشر لهم حضارتهم البشرية وتاريخهم البشرى وتراثهم البشرى و ( أديانهم ) البشرية الأرضية . وهم إن أحسنوا فلأنفسهم ، وإن أساءوا فعلى أنفسهم ولا شأن للاسلام بهم فى هذا أو ذاك .
2 ــ ولكن مهما قلنا وأكدنا فالسائد هو تحميل الاسلام جرائم المسلمين وخصوصا الوهابيين ، ليس فقط لأن الوهابيين يختكرون لأنفسهم إسم الاسلام والحديث باسم الأمة الاسلامية ، ولكن لسبب أهم وأخطر . هو عدم الايمان باليوم الآخر . وهذا ما نتوقف عنده هنا .
ثانيا
1 ــ إن الله جل وعلا حين يزل رسالة سماوية لا يُنزل معها ملائكة تُجبر الناس على إعتناقها ، بل خلق الناس أحرارا فى الايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو المعصية ، فى إعتناق هذا الدين أو الكفر به ، وفى مقابل هذه الحرية فى الايمان أو الكفر بالدين فإن لهذا الدين يوما آتيا لا محالة ، هو ( يوم الدين ) . والذى يكذّب بالدين ويكذّب بيوم الدين سيخلد فى النار مُعذّبا أبد الآبدين .
2 ــ هذه قضية خطيرة منسيّة فى حياتنا الدنيا وحتى فى الخطاب الدينى فى الأديان الأرضية ، والتى تقوم بإختراع يوما للدين تجعله حفل تكريم لها ولأتباعها وآلهتها التى إخترعتها ، وبدلا من أن يكون الخالق جل وعلا هو ( مالك يوم الدين ) يصبح ملوك يوم الدين عندهم شخصيات بشرية تم تأليهها زورا وبهتانا مثل محمد والمسيح والأئمة والبابوات والأحبار والرهبان والأولياء ..هذه هو الكُفر العقيدى القلبى بيوم الدين الذى يجعل يوم الدين ـ ليس يوما للعدل المطلق يحكم فيه رب العزة وحده بين الناس ـ ولكن يوما للشفاعات والوساطات طبق ما يحدث فى مجتمعات التخلف والفساد حيث تسود الوساطات . هذا الكفر القلبى العقيدى باليوم الآخر يسود بين المتدينين من أصحاب الديانت الأرضية .
3 ـ ولكن الأغلبية من البشر يكفرون سلوكيا باليوم الآخر ( يوم الدين / يوم الحساب / يوم لقاء الله جل وعلا ) . يتواتر على ألسنتهم القول : مش حنعيش مرتين ، انت حتعيش مرة واحدة ، أو حسب التعبير القرآنى عنهم قولهم ( إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) المؤمنون ) ( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (24)) الجاثية ) . ولهذا يتصارعون حول حطام الدنيا ، لا يرون غيرها ، ثم يدركهم الموت ويصبحون ترابا .. ومن يأتى لا يعتبر ، يظل يتصارع حول الدنيا ناسيا الآخرة معتقدا أن الجميع سيموتون سواه ، الى أن يموت ويصبح ذكرى وفى ( خبر : كان ) .
4 ــ إنك مهما طال عمرك فستموت ، ولن تستطيع أن تهرب من الله جل وعلا ، ولن تغيب يوم الدين بل ستحضره رغم أنفك .
5 ــ لك الحرية أن تكفر بالدين الالهى ، ولك الحرية أن تستخدم حريتك فى الكفر وفى الإساءة الى رب العزة جل وعلا ، أن تكفر بحريتك ثم تجعل رب العزة ( فاشلا ) فى هداية الناس ، تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . لك الحرية فى أن تستخدم حريتك فى صناعة دين أرضى وتنسب شرورك الى وحى كاذب تنسبه زورا وبهتانا لله جل وعلا ( الحديث القدسى ) ولرسوله ( الحديث النبوى ) . أنت لك مطلق الحرية فى كل ما تفعل ، ولكنك تنسى أنك مسئول عما تفعل ، وأنك ستُؤاخذ بما تفعل ، وأن كل ما تفعله وما تقوله يقوم بكتابته ملائكة كرام كاتبون يعملون ما تفعلون، وأن موعد المساءلة والحساب هو يوم الدين . يقول جل وعلا فى سورة الانفطار يخاطب الكفرة بالدين الحق : ( كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) ) ويقول بعدها حل وعلا عن إنقسام الناس يوم الدين الى أبرار وفُجار :( إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) ) ويقول عن حتمية حضورنا جميعا هذا اليوم : يوم الدين ( وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) ) .وتنتهى السورة الكريمة بأن هذا اليوم لا تنفع نفس بشرية نفسا بشرية لأن الأمر يومئذ لله جل وعلا وحده : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19))
ثالثا : حقائق لا سبيل لإنكارها
1 ـ إن الله جل وعلا أعطانا الحرية المطلقة فى الايمان أو الكفر : ( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ) الاسراء 107 ) والذى يكفر بهذه الآية فإن كفره بها فى حد ذاته دليل على حريته التى أعطاها له رب العزة .
2 ـ إنه فى مقابل هذه الحرية المطلقة فى الايمان أو الكفر سيأتى يوم الدين بخلود فى النار للكافرين وخلود فى النعيم للمؤمنين ، فالحرية مقترنة بالمسئولية ، والاقتران بينهما جاء فى سورة الكهف : ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) هنا الحرية ، تليها مباشرة تحمل المسئولية لينتهى الأمر بعذاب فظيع أو نعيم عظيم ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) ).
3 ـ والرسالة السماوية الخاتمة ( القرآن الكريم ) متروكة للبشر الحرية فى التعامل معها بالايمان أو بالالحاد . والذى يقوم بالالحاد فى كتاب الله يحذره رب العزة مقدما بأن الذين يلحدون فى كتابه لا يخفون عنه ، ومصيرهم ينتظرهم يوم القيامة ، ويقول لهم إعملوا ماشئتم : ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) ) فصلت )
4 ـ وبالتالى فإن الهداية مسئولية شخصية ، فالذى يهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومصلحة نفسه ، والذى يضل فضلاله على نفسه وضد مصلحة نفسه : ( مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الاسراء )
5 ـ النبى محمد عليه السلام لا شأن له بهداية أحد ، فليس عليه سوى البلاغ والانذار وليس وكيلا عن أحد : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) يونس ) (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ (92) النمل ) ( إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) ) الزمر ).وقال له ربه جل وعلا إنه مجرد مُذكّر بالحق ولا سيطرة له عليهم، وأن مصيرهم الى الله جل وعلا يوم الدين : ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) الغاشية) .
6 ـ ولهذا فلا يستطيع النبى أن يهدى من أحب : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص ) وهنا حقيقتان : أن النبى لا يهدى من أحب ، وأن الله جل وعلا يهدى من يشاء الهداية ، أى الذى يختار الهداية يزيده الله جل وعلا هدى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17) محمد ) والباحثون عن الهداية باخلاص يرشدهم اليها رب العزة : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69 ) العنكبوت ) . وأيضا فإن الذى يشاء الضلالة يزيده الله جل وعلا ضلالا ، فإذا كان مريضا بها زاده الله جل وعلا مرضا (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً ) (10) البقرة ) . فالله جل وعلا يزيد الضال ضلالا ويزيد المهتدى هدى : ( قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى (76) مريم )
7 ـ يترتب على هذا أن يكون القرآن الكريم كتابا فى الهدى وشفاء للمؤمن به الذى لا يؤمن بحديث سواه ، ويكون فى نفس الوقت خسارا لمن يدخل على القرآن بقلب زائغ يتلاعب بآياته ينتقى منها ماشاء ، ويحرّف معانيها كيف شاء ضلاله ، يقول جل وعلا : (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82) الاسراء ).
أخيرا
1 ـ أنتم أحرار فيما تختارونه لأنفسكم . وأنتم مساءلون يوم الدين عن كل أقوالكم وأفعالكم . ولنتدبر قوله جل وعلا فى تأكيد حريتنا ومسئوليتنا : ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) ) الزمر )
2 ـ ولنتذكر موقفين سيواجههما من أضاع حياته كفرا : الأولى عند الاحتضار : وندم الكافر وصراخه يرجو فرصة أخرى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ) المؤمنون ). والثانية وهو فى النار يصلى العذاب ويُقال له : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون ) .
3 ـ العادة السيئة للإنسان : أنه يتمتع بحريته المطلقة فى الدين كفرا وعصيانا ثم إذا وعظه أحد بالعذاب الخالد الذى ينتظر الكافر الظالم العاصى إستفظع العذاب . مع إن قسوة العذاب الأخروى تساوى حرية الانسان المطلقة فى الدين .