خطاب مفتوح إلى شيخ الأزهر د. أحمد الطيب


كامل النجار
الحوار المتمدن - العدد: 4586 - 2014 / 9 / 27 - 12:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الشيخ الدكتور أحمد الطيب، الإمام الأكبر وشيخ الأزهر
هناك الآلاف من الشيوخ والأساقفة الذين احتلوا مناصب قيادية في الأزهر أو الكنيسة وماتت أسماؤهم وسيرتهم مع موتهم لأنهم لم يكونوا من العظماء. العظماء فقط يخلّدهم التاريخ مثل مارتن لوثر، القسيس الذي ثار على مفاهيم الكنيسة الكاثوليكية وعارض بيع صكوك الغفران والممارسات الأخرى التي كانت من ثوابت العقيدة وقتها. تخليداً لذكرى هذا الرجل نشأت الكنيسة البروتستانتية التي ما زالت مستمرة جنباً إلى جنب مع اسمه. وكثير من الذين بدأوا ثورة التنوير الثقافية والعلمية في أوربا وأخرجوها من عصر الظلام كانوا من رجالات الدين المسيحي مثل جوردانو برونو وربيلى Rebelais و بيلسى Guillume Pellicier وهؤلاء خلّدهم التاريخ لعظمة أفكارهم
ما دعاني إلى كتابة هذا الخطاب إلى شخصكم الموقر هو الخبر الذي ذاع أخيراً عن تبرع الملك عبد الله بن عبد العزيز، ملك المملكة السعودية، بمبلغ كبير من المال لترميم الأزهر. وكما يعلم سيادتكم فإن الأزهر قد بناه القائد الفاطمي جوهر الصقلي حوالي العام 972م لنشر المذهب الإسماعيلي الشيعي في مصر. واستمر شيعياً حتى أتى إلى مصر صلاح الدين الأيوبي وانتزعه من الشيعة وعيّن مكانهم الأئمة السنة ليدعوا إلى الخليفة العباسي المستضيء بأمر الله عام 1171م.
ومنذ ذلك التاريخ استمر الأزهر يُدرّس كتب الفقه الإسلامي السني المكتوبة في ذلك العصر السحيق والمليئة بفقه الولاء والبراء، وتكفير الشيعة، وفقه الإماء والعبيد، وفقه الحيض والنفاس، وعداء النصارى واليهود، وأحاديث البخاري التي تسيء إلى الله ومحمد بن عبد الله. وازداد عدد مدارس الأزهر الدينية حتى بلغت الآن 4314 مدرسة تستوعب مئات الآلاف من التلاميذ والطلبة الكبار.
هذه لا شك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق رجل واحد ألا وهو الإمام الأكبر. وهذا الرجل المسؤول عن تربية وتعليم مئات الآلاف كل عام يجب أن يكون رجلاً على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه. ولذلك عندما قرأت خبر تبرع الملك عبد الله بالمال الكثير لترميم الأزهر، رأيت أن أخاطبكم لترمموا مناهج التدريس في هذا الصرح العظيم قبل أن ترمموا المباني. ولا شك أن محتوى أي خطاب أهم بكثير من زخرفة المظروف الذي يحوي ذلك الخطاب.
في عام 2004، قبل أن تتولى منصب الإمام الأكبر، وعندما مثلت الأزهر في مؤتمر روما عن صورة أوربا في العالم العربي، قلت "الحوار يجب أن يقوم على أساس الاعتراف بالآخر والابتعاد عن محاولات تذويب الهويات وتحقير الثقافات واعتماد منطق الاستعلاء والتفوق والإملاء وادعاء امتلاك الحقيقة في مشاريع الإصلاح". وهذا الكلام لا شك كلام جميل جداً ينم عن موقف حداثي مطلوب في هذا العصر، ولكن كما يقول المثل الإنكليزي The devil is in the details أي الشيطان يكون موجوداً في تفاصيل الخطاب.
أنا أعلم أن الفقه الإسلامي يبيح الكذب في الأمور التي ترفع من شأن الإسلام، ولكن لا يجب أن يكون هذا عذراً لرجل في مثل مكانتك. أنت تعلم علم اليقين أن مناهج الأزهر التي تعلمتها وأنت طالب، والتي ما زال الأزهر يدرّسها للطلبة، تقول بغير ذلك وتشجع على التعصب ضد المسلمين غير الملتزمين بالصلاة وضد الشيعة وضد الأقباط واليهود والمرأة. وهذا عكس ما قلته في المؤتمر. والأمثلة على ذلك كثيرة نجدها في كتاب "فتاوى الأزهر لمائة عام". فمثلاً في فتوى من الإمام الأكبر الأسبق الشيخ محمد عبد الحليم نجده يقول "المسيحيون كالمرض المعدي يجب الابتعاد عنهم واضطهادهم". أليس هذا تحقيراً للثقافات الأخرى التي قلت عنها في مؤتمر روما " الحوار يجب أن يقوم على أساس الاعتراف بالآخر والابتعاد عن محاولات تذويب الهويات وتحقير الثقافات واعتماد منطق الاستعلاء والتفوق"؟
في مقابلة مع مكرم عبيد في جريدة الاهرام قال سيادتكم "هناك ثوابت أساسية تحكم من يتقلد منصب الإمام الأكبر، أهمها وسطية الأزهر واعتداله وعالميته باعتباره المرجعية الصحيحة للإسلام ... الإسلام دين الفطرة الذي ينقذ البشرية من جاهليتها". ترديد الكليشيهات المحفوظة لا يجب أن يصدر من الرجل الكبير أو الأكبر. الفطرة ليس لها دين، ولو سلّمنا جدلاً أن لها ديناً، فقولك إن الإسلام دين الفطرة الذي ينقذ البشرية من جاهليتها قول ينم عن البعد الشديد عن الوسطية التي قلت إنها من ثوابت الأزهر. ماذا عن البوذية التي يعتنقها أكثر من ملياري شخص، وماذا عن المسيحية واليهودية والهندوسية وغيرها من معتقدات الناس الذين لا يتفاخرون بمعتقداتهم ولا يسيئون للإسلام أبداً. وقولك إن الإسلام دين الفطرة ينم عن امتلاككم للحقيقة وما يمتلكه الأخرون سراب
الشيخ أحمد الطيب !! هناك المئات من الرجال قد تولوا منصب الإمام الأكبر للأزهر منذ أن جعله صلاح الدين الأيوبي منبراً سنياً قبل ثمانمائة عام، وكلهم ماتت أسماؤهم مع موتهم. إذا أردت أن تكون رجلاً عظيماً يذكره التاريخ ولا يموت اسمك مع موتك، أقترح عليك الآتي:
1- كرجل قد درس في السوربون وتعلم على طرق البحث العلمية، عليك أن تفكر خارج الصندوق ولا تحصر نفسك في ترديد الكليشيهات القديمة
2- عليك أن تتحلى بالشجاعة الأدبية وتقول الحق حتى لو على نفسك، كما يقول الحديث. في المقابلة المذكورة أعلاه قلت إن الأزهر ليست من مهامه معارضة الحكومة. ولكن الرجل المسلم الحقيقي والشجاع عليه أن يقول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، وهذا أعظم الجهاد، كما تقول أحاديث الرسول. مبارك لا شك كان سلطاناً جائراً وكان يجب عليك أن تقول له كلمة الحق رغم أنك كنت عضواً في حزبه وهو الذي عيّنك في هذا المنصب. ولكنك تصرفت كأنك القاضي أبو البحتري الذي عينه الخليفة هارون الرشيد كبيراً للقضاة لأنه أفتى له بجواز تمزيق كتاب الأمان الذي كان الرشيد قد وقعه مع الثائر يحيى بن عبد الله العلوي بعد أن استسلم لهم، وكان بقية القضاة قد رفضوا أن يفتوا بجواز التحلل من خطاب الأمان ولكن القاضي أبو البحتري افتى له بذلك فعيّنه هارون الرشيد كبيراً للقضاة بعد أن قتل يحيى بن عبد الله العلوي. أتمنى أن تجمع من الشجاعة الأدبية ما يمكنك من الوقوف أمام شيوخ الأزهر الرجعيين الذين يرفضون الحداثة ويفتون لنا برضاع الكبير وبالتبرك بفضلات النبي
3- إرفع يد الأزهر عن مصادرة الكتب والمجلات والأفلام. الكنيسة الكاثوليكية فعلت ذلك لمئات السنين ولكنها لم تفلح في منع نور العلم من التسلل بين أصابع من أوكلت لهم مصادرة وحرق الكتب، بل وحرق المفكرين. ونحن الآن في عصر الانترنت حيث لا يفلح أي مجهود تقومون به لمنع الكتب. كل الكتب التي صادرها الأزهر ومنع نشرها منشورة الآن على الشبكة العنكبوتية وقد قرأنا أغلبها. الرجل العظيم البابا يوحنا بولس الثاني كان رجلاً كبيراً وقد اعتذر أمام الملأ عن دور الكنيسة في محاربة العلم والعلماء ومصادرة الكتب. وسوف يخلده التاريخ كرجل عظيم، هل يفعل سيادتكم ذلك؟
4- رمم منهاج التعليم في الأزهر قبل أن ترمم المباني ولا تحشوا عقول النشء بفقه الولاء والبراء وقتل تارك الصلاة وأكل لحمه بعد طبخه
5- نقحوا كتاب أحاديث البخاري لأن أغلبها يتعارض مع العقل وبعضها يسيء إلى الله ورسوله. أنا أعلم أن محامياً مصرياً قد رفع دعوى على الأزهر لأنه رفض تنقيح كتاب البخاري، فهل يملك سيادتكم الشجاعة الأدبية الكافية ليقوم بهذا العمل. كتاب البخاري كالخمر، ضرره أكثر من نفعه.
6- إسمح للطلبة الأقباط بدخول الكليات العلمية بالأزهر، مثل الطب والهندسة. الأقباط يدفعون الضرائب أكثر مما يدفعها المسلمون، وبما أن الأزهر مؤسسة حكومية يُصرف عليها من أموال الضرائب، يصبح من العدل السماح لأبنائهم وبناتهم بالدراسة في الأزهر. هل يجوز عقلاً أن يمنح الأزهر مئات الأماكن بكلياته لطلبة من نيجيريا والسنغال وسيراليون ومالي ويمنع الأقباط المصريين من الدراسة؟
7- أزح باب الجهاد من مقررات الأزهر. جهاد الدفع جاء في وقت لم تكن به جيوش نظامية محترفة. والآن كل بلاد العالم بها جيوش نظامية كفيلة بأن تدفع أي غزو أجنبي. وجهاد الطلب لم يعد له مكان في العصر الحديث الذي يبعد 1400 سنة من الزمن الذي قال فيه محمد "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي".
الشيخ الدكتور الإمام الأكبر أحمد الطيب هذا غيض من فيض من مثالب الأزهر التي أتمنى أن تعالجها ليذكرك التاريخ مع العظماء من الرجال