أَهذه هي حقيقتنا الاجتماعية التاريخية؟!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4582 - 2014 / 9 / 22 - 13:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جواد البشيتي
نحن العرب، أو نحن "المواطنون" في الدول العربية، لِنَكُنْ صادقين صريحين مع أنفسنا؛ فإنَّ "دولة المواطَنَة" هي، حتى الآن، فكرة طوباوية، أو حديث خرافةٍ، من وجهة نظر الواقع الموضوعي العربي؛ وإنَّ من السَّذاجة بمكان أنْ يُدْعى إلى جَعْلها حقيقة واقعة؛ فعُنْصُراها الأوَّليَّان، وهما "الدولة" و"المواطِن (أو المواطَنَة)"، لا وجود لهما على أرض الواقع؛ وليس ممكناً، من ثمَّ، أنْ تُنْشِئَ هذا "المُرَكَّب"، المسمَّى "دولة المواطَنَة".
لقد ثار "الشعب"، ونزل عشرات ومئات الآلاف من السَّاخطين النَّاقمين إلى الشارع، وسَقَطَ (أو أُسْقِطَ، أو سُمِح بسقوط) زين العابدين في تونس، ومبارك في مصر، والقذافي في ليبيا، وصالح في اليمن؛ وكان هذا الحراك الشعبي الثوري مُزْداناً بمطالب وشعارات ديمقراطية، لو وُجِدَت لها قوى سياسية (وفكرية) حزبية (شعبية) تشبهها، لأَمْكَن تَرْجمتها بواقع جديد، مُتَوَّجٌ بـ "دولة المواطَنَة"، وبما تُمَثِّل من قِيَم ومبادئ الحياة الديمقراطية؛ لكنَّ ما أنْ "ضَرَبوا معاً"، وأُنْجِزت "مُهِمَّة الهدم"، في رأس (أو قِمَّة) هَرَم الحُكْم فحسب، وكُسِرَ بعضٌ من قيود عهد الاستبداد، حتى تَفَرَّقت بالقَوْم الطُّرق، وتشتَّتوا، وتَوزَّعوا، وذَهَب كلٌّ إلى حال سبيله؛ وكأنَّهم تواضعوا، ضِمْناً، على السَّيْر على حِدَة بعد الضَّرْب معاً!
القيود تحطَّمت؛ وكان بعضها قيوداً على حقوق دينية وطائفية ومذهبية وجهوية وعرقية لـ "المجتمعات المحلية" التي يضمها إقليم الدولة؛ واقترن تحطُّمها (بعد، وبفضل، سقوط الرأس) بالغياب الواقعي للقوى السياسية الحزبية التي في مقدورها التأسيس لدولة (حقيقية) جديدة، جيِّدة ديمقراطياً، تُنْصِف المظلومين، دينياً وطائفياً ومذهبياً وجهوياً وعرقياً، وتَجْعَل "المواطَنَة"، من ثمَّ، واقعاً نابضاً بالحياة؛ فكان أنْ نَتَجَ من اجتماع هذين الأمرين (تحطُّم القَيْد، وغياب قوى "البديل الجيِّد") ومن أَقْلَمة وتدويل الصِّراع، كلُّ هذا الذي نُعاينه الآن (وفي سورية والعراق وليبيا واليمن على وجه الخصوص) ونعاني من تبعاته.
"المواطنون" الآن هُمْ في غالبيتهم العظمى "أبناء الجذور"، لا "أبناء الآفاق"؛ هُمْ، بوعيهم، وثقافتهم، وشعورهم، وإرادتهم، ودافعهم، ومطلبهم، وشعارهم، أبناء "المجتمعات المحلية (الصغيرة، الضيِّقَة)"، مِنْ دينية وطائفية ومذهبية وجهوية وقبلية وعرقية، لا يعرفون من القادة لهم إلاَّ مَنْ كان على شاكلتهم في "الهوية الصغيرة؛ إنَّهم يقتتلون ويحتربون حتى ينال كل "مجتمع محلي" حقوقه؛ مع أنَّ موازين القوى على الأرض قد تتغيَّر بما يغري بعضهم ببخس حقوق غيره من "المجتمعات المحلية"، تؤيِّده، في مطمعه هذا، قوى إقليمية ودولية؛ أمَّا "الدولة النهائية" التي ستتمخَّض (أو التي قد تتمخَّض) عن هذا الصراع (الاقتتال والاحتراب) فلن تَعْدو كَوْنها "صِلَة اتِّحادية، مركزية، ضعيفة، هشَّة، وشكلية، بين هذه النوى الصلبة، أيْ المجتمعات المحلية، التي تَعْدِل الدُّوَل، في واقعها الفعلي".
إنَّ "حق تقرير المصير للشعوب (والأمم والقوميات)" سيُمْسَخ، في البلاد العربية، ليَغْدو حَقَّاً خاصَّاً بالطوائف (وأشباهها من "المجتمعات المحلية").