موسى وجولييت الفصل الثامن والعِشرون


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4579 - 2014 / 9 / 19 - 12:01
المحور: الادب والفن     


حبيبُها قاتلُ أخيها! تلتحم البِنَى، فتصبح دما، وتصبح عذابا، ونجمة الغرام تغرق في المساء! أينتهي الحب إذن؟ كيف باستطاعة القلب أن يغدو كفنًا وطائرا؟ كيف باستطاعة جولييتَ أن تختار بين حب موسى ودم يوسُفَ؟ أن تدفع ثمن حبها بدم أخيها؟ وكيف باستطاعة الرياح أن تحيد؟ وجولييت تحترق رغبةً بقدر ما تحترق غضبا، غضبها هي، ورغبتها هي، والدم دم أخيها القتيل. وتحيد الشمس عن صفحة الصحراء المذهبة بالدم، والتي تحترق رغبةً بقدر ما تحترق غضبا، تمامًا كجولييت، وتصبح لها حرارة جسدها الشهيّ، إلا أن جولييت تطفو تحت قوس الشمس، ويجرفها الجوع إلى الرمل. ولكنها تضم أخاها إلى قلبها، لتحس بقلبه يخفق مرةً واحدةً قبل أن يشق لها الذاكرة. الماضي هذا الثمن الغالي. هذه اللحظة الشقية. هذا الجسد الشقيّ المتفجر دمًا في الصحراء. هذا الجسد القويّ المدمرتُهُ رصاصة. هذا الجسدُ المُطْلِقُ كل حرارته دفعة واحدة، ثم يبردُ الجسدُ، ويصبحُ على قلب الصحراء قطعة ثلج. والحاضر هذا الثمن الغالي. مجد الإرادة الزائلة، فأين هي إرادة ياكوف من إرادة الصحراء؟ والصحراء لا انتهاء. شرسة كلما ابتعدت، عطوفة كلما اقتربت. وجولييت تبكي في العطف. بين ذراعيها حكاية أخيها يوسُفَ، وفي رأسها خطوات حبيبها موسى. خطوات تبتعد في الشراسة. ولا تستطيع جولييت إلا أن تبكي أخاها، فلم يعد جنديًا يطلق النار على الأطفال، ولم تعد له خطأً أخيرا.
انهارت روبيكا على صدره المتوهج دما، وبكت هي الأخرى. ذرفت دموعًا حارقةً بصمت. ثم أخذته بين ذراعيها إلى ذراعيها، وضمته كطفلها الذي ستلده يتيما. وفي لحظةِ توسلٍ، نظرت في عيني جولييت، فرأت ظلاً لجنرال. خفضت رأسها بسرعة، وأغرقت نظرتها في الجرح، فهل تنقذ الجرح؟ وهل باستطاعتها إنقاذ الجرح والجنرال ينكأه بأسنان القرش ليعمل جنة مال وأرض ميعاد ومحرقة للذين يُمسخون حطبًا وعاطلين عن العمل في وجه إلغاء السوبسيديا وإغراق السوق بأجنبيّ البضاعة، حُلْمٌ مجنونٌ يكلف المليارات من أجل التمسك بالمناطق ورفع المَراقب؟
سأل جولييتَ رجالُ الشرطةِ عن القاتل، فأجابتهم:
- أنا.
فتعجبوا:
- أنتِ جولييت!
- أنا جولييت.
- قتلتِ أخاك؟
- أراد أن يكون قدري، فإذا بي أكون قدره.
- أنتِ تخفين الحقيقة.
- أتخفّى.
- في الغموض.
- في الوضوح.
وابتسمت.
- الموت في كل مكان.
- لهذا أبتسم.
- الجنون.
- أدفعُ النارَ بشرارها.
وضعوا يديها في السلاسل، وقادوها إلى سجنٍ قرب نابلس. الكليم فيه والضرير، وكلمة الله يعبر عنها بكلمتينِ كيفيتيِ التفسير. هناك، ستسكب دمها لإنقاذ حيتانهم، غير بعيد عن سناجب تنفق، فتلك كانت سنينَ سوداءَ لها ولحيتانٍ ذات حدبة حطت على صدورها وطأة، بعد أن هُدمت مساكنها بأمرٍ عسكريّ، وصارت نسبة ازدياد صغارها في انخفاض. توجت جولييت المولودين منها ملوكًا للبحر، وعرفت فيها واحدًا كان لها خِلاً لِنَدْبَةٍ على ذيلٍ ضربته مرساةُ قاربٍ اسمه "آكل الموج". تأملت جولييت وجه المسيح وجهه، وجهًا أشد حزنًا من وجهها وأقوى خطبا.


يتبع الفصل التاسع والعِشرون