استراتيجية بنكهة توراتية!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4578 - 2014 / 9 / 18 - 13:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


في أسطورة توراتية، هي أسطورة "الوعد الرَّبَّانيِّ لأبرام العبراني"، جاء أنَّ الرَّب كلَّم أَبرام العبراني، فقال له واعِداً إنَّ هذه الأرض الواسعة الشاسعة الممتدة من نهر مصريم (أيْ النيل) إلى نهر فرت (أيْ الفرات) يَمْنَحها لنسله؛ وفي القلب منها تشمل هذه الأرض فلسطين، التي كانت مأهولة لدى صدور هذا الوعد الرَّبَّاني (قبل آلاف السنين من صدور وعد بلفور البريطاني).
واليوم، حيث أعلن الرئيس أوباما استراتيجيته للقضاء على "داعش" بـ "حَرْبٍ فريدة"، وإنْ فَضَّل اجتناب "الحرب" تسميةً لها، نرى شيئاً شبيهاً؛ فالولايات المتحدة، التي عَقَدَ لها التاريخ الزعامة على العالَم، واختَّصها بـ "قدرات فريدة"، تغنَّى بها الرئيس أوباما، شَرَعَت تُوزِّع "المُلْك" و"الأوطان"، وتَصْطَفي أقواماً، تَمْلكهم، فَتُمَلِّكهم؛ وكأنَّها الرَّب يتَّخِذ بني إسرائيل شعباً له، مُفَضِّلاً إيَّاه على العالمين!
وإنَّ "أرض الميعاد (الجديدة)"، في هذا القرن الحادي والعشرين، تَضُمُّ مناطق من شرق وشمال سورية، ومن غرب وشمال العراق، ويَقْطُنها الآن "قَوْمٌ جَبَّارون"، يُسَمَّوْن "داعش"؛ والبحث جارٍ الآن عن "أقوام تحبهم الولايات المتحدة، ويحبونها" حتى تَنْقُل إليهم مُلْك هذه الأرض من قَوْم "داعش" الإرهابيين الهمجيين الوحشيين الجبَّارين؛ فـ "صاحِب الوعد"، وصاحب "القدرات الفريدة"، سيَفْعَل بهذا "القَوْم" ما فُعِلَ بأصحاب الفيل، فيُرْسِل عليهم طَيْراً أبابيل، ترميهم من الجوِّ بحجارة من سجِّل، حتى يصبحوا كعصف مأكول؛ فإذا أصبحوا كعصف مأكول يَزْحَف إليهم، وعليهم، "القَوْم الطِّيبون المعتدلون"، الذين أشهروا إيمانهم بسيِّد العالَم، وأصبحوا "المارينز" العرب، في ولائهم ووعيهم وشعورهم، وأدُّوا، واحسنوا تأدية، الفروض والواجبات، فمَوَّلتهم ودرَّبَتْهُم وسلَّحتهم وجهَّزتهم.. الولايات المتحدة، فنالوا شَرَف القتال على الأرض، واقتحموا، وطَّهروا، وملأوا كُلَّ "فَرَاغٍ" تُخلِّفه الضربات الجوية (الأبابيلية).
مِنْ قَبْل، كانت الولايات المتحدة تكتفي باحتضان ورعاية ودعم وتمويل وتدريب وتسليح وتجهيز.. مَنْ تَعْتَقِد بولائهم لها في حروبها للهيمنة الإمبريالية، والتي كانت تُفضِّل الزَّج بجيوشها البرية فيها؛ فهي التي تغزو وتَقاتِل على الأرض وتحتل وتُسَيْطِر؛ ثمَّ تتوفَّر على نَقْلِ السلطة إلى هؤلاء الأصدقاء والحلفاء؛ لكنَّ خسائرها البشرية، وعلى ضآلتها النسبية، كانت أعظم من أنْ تَحْتَمِلها؛ وكثيراً ما ذهبت النتائج (العملية الواقعية) النهائية لحروبها بما تَوقَّعَت، وبما أرادت بلوغه من أهداف وغايات؛ فاشتدت لديها الحاجة إلى "استراتيجية جديدة"، تخوض بها حروبها بأقل قدر ممكن من الخسائر بالأنفس والأموال التي تخصها.
في بضعة أيام، احتلَّ "داعش (الخارِق)" نحو رُبْع أراضي بلاد الرافدين؛ أمَّا سيِّد العالَم فيحتاج، مع ما يتمتَّع به من "قدرات فريدة"، ومع تحالفه الدولي الواسع، إلى نحو عشر سنوات لـ "تحرير" ما احتله "داعش" من أرض!
إنَّه زمن لا تفسير، ولا تعليل، لطوله إلاَّ الرغبة في "التأسيس والبناء" لقوى من أهل العراق وسورية، ومن سائر أهالي الجوار الإقليمي، تَخْدم، وتُحْسِن الخدمة، في الجيش الإمبراطوري العالمي للولايات المتحدة، وتكون جديرةً بثقة سيِّد العالَم، تَحْكُم عنه، وله، ولا تَرْتَكِب "الخطيئة الكبرى" لأسلافهم.. خطيئة ".. فاذهب أنتَ وربك فقاتلا إنَّا ههنا قاعدون"!