موسى وجولييت الفصل السادس والعِشرون


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4578 - 2014 / 9 / 18 - 11:50
المحور: الادب والفن     


هي تتبع في ظله إلى حيث يشاء، فالصحراء لهبٌ ورمل، تلالٌ ووهاد، وهي لا تعرف الصحراء. كانت جولييت تتبع يوسُفَ في ظله العملاق، ويوسُفُ يفكرُ في أنه هكذا يحميها، ولا يكفُّ عن طرد سياط النار. سيحتمل محلها غضب اللهب، ويجعل من الحرارةِ والرمالِ المفتاحَ إلى خلاصها. أَوَ ليست هي مفضلته، جولييت؟ اتحاد القوة والجمال؟ أَوَ ما اعتقد في روبيكا مثلها آية من الآيات ثم أخطأ مع روبيكا الاعتقاد؟ جنرال أشقر وأهوج ما يشاء لها، فالسعادةُ بالإمكانِ جبلها كطينٍ يُنفخ فيه. وتسير جولييت في ظله أمام لهبٍ ينفتح بالتدريج. هناكَ الصحراءُ ممتدةٌ والغضب، وفي عينيها خوف الحب من الهلاك. أَوَ تكون النهاية؟ ومن أين يأتيها موسى؟ موسى يبتعد كلما اقتربت من الشمس جولييت، وتحترقُ الزهرةُ متحولةً إلى جمرة، فرملة، وبعد ذلك، ستهب الريح. لا أحد يعتقها من الريح. حتى ولا دم يوسُفَ المتفجر. ونجمة النهار تبحر في الطرف الآخر من العالم. آه، لو يذكرها موسى، لو يناديها، فتخرج من ظلِّ يوسُفَ إليه، آه، لو يرمي بحجرٍ تتعثر به!
قال لها يوسُفُ منهكًا مختنقًا من الحرارة والتعب:
- سنصل إلى أول كيبوتس عما قريب، فانتظري مني إشارة، وكوني أهبة.
أجابت جولييت مستسلمة:
- لن يكون باستطاعتي السير خارج ظلك، أحترقُ احتراقَ حطبٍ في لهب النقب لهب الآخرة.
- ابقي في ظلي إذن ولا تخطُ قدمك خطوة واحدة خارج حافته.
- ليس باستطاعتي في ظلك الابتعاد أكثر من ظلك، ليس باستطاعتي إلا السير في ظلك، وظلك يَكُفُّهُ اللهبُ والجمر.
- الكدرُ والكرب.
- الضَّوْرُ والضَّوْج.
- الضنكُ والضن.
أعادت جولييت يائسة:
- ليس باستطاعتي الابتعاد في ظلك أكثر من ظلك.
طمأنها:
- لا تخشي شيئًا طالما أنت معي، جولييت. أنا هنا، يوسُفُ، فاجعلي من يوسُفَ شهوةً ولَذَّة، ولا تخشي شيئًا قربه.
- وإذا ما ابتعدت بنا الطريق؟
- سيهبط الليل، ويلفنا بحنانه.
- ماذا تعني؟ في التعب، أنا لا أفهم ما تعنيه.
- في الليل تبرد الصحراء لِنَتَبَرَّدَ، ونرتاح. هم أيضًا يرتاحون في الليل، ولكن لما كنا نعدو كالأشباح في أزقتهم، لم نريحهم. كنا نُنهضهم، ونبحث بين أصابعهم عن رمل، وفي بطونهم عن ثقوب. انظري في عينيّ، يا جولييت! خَرَجَتْ مدنهم من عينيّ. لم أعد أريدها، وأريدك وحدك.
أمام سكوتها الطويل المحير، قال لها:
- لا تخشي شيئًا، جولييت، وأنت معي، لستُ شبحا، وسيرضخُ لنا أبونا الذي يراقب، ويعاقب، ويحظر، أعرف أنه سيرضخُ، فلا تكدريني، ولا تكربيني، وسيعدل عن قراره بخصوص زواجك.
- هل هو الابن هذا الذي يقول أم الجنديّ؟
- الابن والجنديّ.
زفرت جولييت:
- يا لكَ من وحشيٍّ مثاليّ!
- مثاليّ، نعم، لأجله، لأجلك! لأجل الجميع!
- وماذا عن قراري أنا؟
- ليس لك قرارٌ غيرُ قراري؟
سارعت جولييت الخطى إلى ظلِّ حبيبٍ بعيدٍ تود الاحتماء فيه:
- جولييتُ تحب موسى!
رأى يوسُفُ يوسُفَ ذائبًا في جولييت ذوبان نرجسٍ شبقٍ في بحيرة، وصاح:
- ويوسُفُ يحب جولييت!
واصلت السير إلى موسى الذي لا ترغب إلا في حبها له، فقط حبها له:
- ولكن ليس باستطاعة أخي أن يكون زوجي.
فعزم يوسُفُ:
- سأختار لك واحدا.
- فلأنتحر إذن أفضل بكثير من أن تجد لي زوجا!
- لن تستطيعي.
أكدت جولييت:
- سأنتحر، كما أقول لك، وسترى أنني فاعلة لا بد.
بدوره، أكد يوسُفُ:
- ليس لك من إرادة أخرى غير الحياة.
وأضاف بعد لحطة من الصمت:
- أنت تسيرين في ظلي، هذا الظل سيمنعك ويحميك في آن.
جمجمت جولييت:
- ما أمقته من ظل ظلك، عليه اللعنة!
حاولت الهرب إلى اللهب والجمر، وإذا بها وجهًا لوجهٍ مع نوري، فطلبت عونًا من يوسُفَ وحماية. لن يركب الأهوال والأخطار من أجل لا شيء، لن يخوض المعارك من أجل العدم، لن يملأ الكأس إلى سَبَلَتِها من أجل أن يشربها. سدد يوسُفُ مسدسه إلى قلبِ أخيهِ، وقتله.


يتبع الفصل السابع والعِشرون