فلاديمير بوتين وأبو بكر البغدادي!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4577 - 2014 / 9 / 17 - 14:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

فلاديمير بوتين وأبو بكر البغدادي!
جواد البشيتي
إنَّ بعضاً من أسباب الصراع الجديد المحتدم بين روسيا والغرب (وفي مقدَّمه الولايات المتحدة) يَكْمُن في "الحرب" الجديدة (الدولية ـ الإقليمية) طويلة الأمد (نسبياً، وعلى ما يبدو) التي أعلنتها، وتقودها، إدارة الرئيس أوباما على "داعش"، في شطري "إقليم" دولتها في العراق وسورية؛ ولقد حرصت تلك الإدارة، ووزير الخارجية جون كيري على وجه الخصوص، على إظهار "روسيا بوتين" في صورة "الدولة المارقة من القانون الدولي" في أوكرانيا، و"التي، بقوَّة السلاح تسعى في إعادة رسم خريطة أوروبا"؛ فَضَم روسيا لشبه جزيرة القرم إليها، مع دعمها (العسكري والسياسي..) لـ "الانفصاليين (القوميين الروس)" في شرق أوكرانيا، هو "المعنى الأساسي" لهذا الاتِّهام المُوَجَّه إلى روسيا.
ولَمَّل سُئِل كيري عن رأيه في قول موسكو إنَّ ضربات جوية تُوجِّهها الولايات المتحدة إلى "داعش" في الأراضي السورية من دون موافقة الحكومة السورية، أو مجلس الأمن الدولي، هو عمل عدواني، وفيه انتهاك لسيادة سورية، وللقانون الدولي، أجاب، في هزء وسخرية، قائلاً: إنَّ روسيا هي آخر مَنْ يحقُّ له التَّكَلُّم عن القانون الدولي (لجهة ضرورة مراعاته والتَّقَيُّد به).
وموقف روسيا من استراتيجية إدارة الرئيس أوباما للقضاء على "داعش"، إقليمياً، وفي آخر المطاف، ولدى التَّوسُّع في تطبيقها، يمكن (ولا بدَّ له من) أنْ يتطوَّر بما يسمح لهذه الإدارة بأنْ تُكرِّر التُّهمة نفسها، في طريقة مختلفة، قائلةً للعالَم: أُنْظروا، ها هي موسكو تحاوِل إعاقة وعرقلة هذا الجهد (العسكري) الدولي للقضاء على تنظيم وحشي همجي إرهابي سعى، ويسعى، بقوَّة السلاح، وبالإرهاب، لتغيير الخريطة في الشرق الأوسط (في إشارة إلى مَحْو "داعش" للخط الحدودي بين العراق وسورية).
روسيا الأسيرة لمصالح استراتيجية وحيوية لها في أوروبا والشرق الأوسط لا تستطيع إلاَّ أنْ تتصرَّف وتَعْمَل بما يُسهِّل على الولايات المتحدة تصويرها على أنَّها "مَصْدَر تهديد عظيم، متعاظِم" لأوروبا في أمنها واستقرارها واقتصادها وخريطتها السياسية، وعلى أنَّها، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، "حليف موضوعي" لـ "داعش" الإرهابي الوحشي الهمجي قاطع الرؤوس.. العابِث بالخريطة السياسية لهذه المنطقة؛ فَضْلاً عن كونها الحليف الطبيعي والحقيقي والواقعي للحكومات الاستبدادية، وفي مقدَّمها حكومة بشار الأسد (مع حلفائها الإقليميين المشابهين لها استبداداً وإرهاباً).
الولايات المتحدة هي الآن في صراع استراتيجي وتاريخي يَعْنُف ويشتد مع "روسيا بوتين" والصين (القوة الاقتصادية الثانية في العالَم بَعْدها) ومع "التحالُف الواعِد" بين الجاريْن العملاقيْن، والذي يُمثِّل النواة الصلبة لتكتُّل دولي كبير؛ وفي هذا الصراع وَضَعَت الولايات المتحدة نصب عينيها هدف "عَزْل روسيا والصين عن أوروبا والشرق الأوسط"؛ فالقارة الأوروبية (بغربها وشرقها) ومنطقة الشرق الأوسط يجب أنْ تكونا جزءاً لا يتجزَّأ من "إمبراطوريتها العالمية" في القرن الحادي والعشرين؛ وتَوَصُّلاً إلى ذلك، تتَّخِذ الولايات المتحدة مِمَّا حَدَثَ في شبه جزيرة القرم، ومِمَّا يحدث في شرق أوكرانيا، ومن "الاستبداد الروسي الغازي" بأوروبا، التي ما زالت في تبعية استراتيجية للغاز الروسي، الذي يَمُرُّ معظم ما يذهب إلى أوروبا منه بالأراضي الأوكرانية، مَصْدَر تخويف للأوروبيين، ساعيةً، في الوقت نفسه، إلى إغراء دول الاتحاد الأوروبي باستيراد الغاز منها هي. ولقد تحدَّث وزير الخارجية الروسي سيرغيه لافروف، صراحةً، عن خطة للولايات المتحدة لـ "دَقِّ إسفين بين روسيا وأوروبا". إنَّه عالَمٌ تريد له الولايات المتحدة العيش بين "بُعْبُعَيْن": "بُعْبُع بوتين" و"بُعْبُع داعش"!