موسى وجولييت الفصل الثامن عشر


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4574 - 2014 / 9 / 14 - 13:25
المحور: الادب والفن     


سيتزوج من جولييت لينتقم من يوسُفَ أخيه، ثم سيأخذ من أبيه إرادة أبيه، وكل مال الدنيا ماله، وكل ظلال الجنرالات القوية ظلاله. اقترب نوري من الكرسي العظيم، مقيمُ القيامة، وراح يلمسه بشهوانية. أَحَدَّ بصره إلى الصورة المعلقة لياكوف، وقهقه راضيا. هكذا ستركع على قدميه الريح. أما عنه، عن يوسُفَ، فسيبقيه جنديًا مثاليا، حدوةً في نعله، سيبقيه على الحدود سلاحًا وبين الحدود سلاحًا وعصا، سيضرب به فدائيًا هناك وهنا ولدًا شقيا، وبرصاصِهِ الزرعَ في الجهة الأخرى، وعلى الكرمل، يشعل النار في كرمة. سيتزوج من جولييت، ويجعل من روبيكا جاريته. كيف لا يجعلها جاريته وهو سيكون ملكًا للحوم؟ لبقرٍ أو لبشر. سيجعلها جاريته تارةً، وتارةً سيدته، وسيلقي بطفلها في البحر، ليرجع البحر بطفلها. عاد يقهقه، فانفتح الباب، ودخل القوي ياكوف، أبوه بالتبني:
- أجالسٌ أنت في مكاني، يا نوري، ولم يحن بعد الوقت لجلوسك؟
سقط نوري على قدمي أبيه القوي ياكوف بالتبني، وأراد تقبيلهما:
- آه، يا أبي ياكوف، إني أخطأت، فاغفر لي!
جَسَّ ياكوف رأس نوري بعطف، فعنقه، فكتفه، وقال له:
- في المرة القادمة، سأترك نوري يقبل لياكوف قدميه.
رفعه، وأخطره:
- ولكن حذار من الوقوع في أيدي رجال الشرطة!
- كانوا يجعلون من الظلام مخبأهم، ولم أدر كيف خرجوا عليّ كثعالب مكرت، وأحاطوا بي من كل أوبٍ وفج.
- لم يعد في الوقت الحاضر أي خطر يُذكر والضابط أفنيري قد تم استبعاده.
ابتسم نوري ببراءة، وياكوف، أبوه بالتبني، يضيف:
- وأنا ما زلت عند قراري فيما يخص زواجك من جولييت.
- أنا خادم قدميك المطيع، يا أبي ياكوف!
- لا أريدها الوقوع في حبائل ذلك العربيّ، فتكون نهاية، وتكون بداية.
- سأذبحه لو تشاء، يا أبي ياكوف.
- ستذبحه لو تتعقد الأمور.
فهل يبحث عنه بين اللاويين من أتباعه الذين انتشروا في الساحات، وهم يهتفون له، فما سمع لهم، وأصدر في حقهم جائر القوانين؟ تذكر كيف قتل منهم في زمن غابر لما كانوا عربًا بعد أن جاءهم كيلا يكون قتيلا، فكيف لا يقتل كيف؟ وكيف لا يشهد زورًا على بعيدٍ كيف؟ سيدفع عنهُ نوري خطاياه، فإلى المحرقةِ سيدفع حطبا، وفي العيونِ سيذر رمادا، وسيكون ما يريد أن يكون. أَوَ ليسه ياكوف القويّ؟ المتكبر المتعجرف؟ بضعفائه المحتمي؟ وفي لحظةِ ترددٍ تأتيه من وقت إلى آخر، رأى في الليثِ جبنَ كلبٍ يخشى الحملَ ويفزعُهُ قرنُ ظبيٍ عزمَ على الدفاع، ورأى في اللبؤة خِشيةَ امرأةٍ على أطفالها من يمٍ يجرف السهل والجبل، ورأى في النمرِ الممزقِ لعشرة خنازير برية بضربةِ مِخلبٍ هَرَبَ نضناضٍ أمام واحدٍ منها شجاع، وتذكر في أولئك البدو الذين عرفهم أول ما جاء طباع الضباع العطوفة والذئاب الحنونة في اللحظة التي تذكر فيها دموعهم لما كانوا يُقْتَلون، ورأى في بعضهم شيم الرجال لما كانوا يَقْتُلون. ومن جديد، نظر إلى ابنهِ بالتبني، وقال لا أحد ينقذني من ضعفي غيره والعناد وعدم الاعتراف إلا بشرطي والتشبث بضعف غيري من أعدائي والمصائب مما هم فيه وبقوةٍ عظمى يجري اللهاث على قدميها مثل إله أوحد. وكانت في سماء تل أبيب بعضُ صقورٍ جاءت بسهامِ حبٍ محطمة، لما رأتها جولييت بكت عليها، وامتنعت عن تناول طعام العشاء مع أبيها.


يتبع الفصل التاسع عشر