موسى وجولييت الفصل الرابع عشر


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4572 - 2014 / 9 / 12 - 14:11
المحور: الادب والفن     


لولاه لما كان الانتصار، أيها الجنرال! سلطتك هو، وحربك كانت سِكِّينَهُ إلى القلوب. السكين والسكينة. اسأل شعبَ هاتيكفا الجاعِلُهُ يقف من ورائكَ ياكوفُ، أبو يوسُفَ وجولييتَ ونوري بالتبني. أولاده الثلاثة هم له كلُّ شيء. أما هو، فهو أنت وهم والحرب، أيها الجنرال! والحرب هي البحر. بحرٌ غاضبٌ يجرِفُهُم، يُخْضِعُهُم لَكَ، فأنت المنتصرُ، وعليهم الركوع على قدميك. وتعودُ إليهِ. ليجعل من المنهزمين منتصرين. وليجعل منك العملاق الخارج من البحر. والبحرُ مع عبورِهِ يجرفُ كلَّ شيء.
هكذا هو وأنت، أيها الجنرال! هو ياكوفُ، أبو الشعب الطائع، وأنت الرصاصة المنتصرة. مجد الأزقة الفقيرة، مجد النهاية دون نهاية. ياكوفُ، أبو الشعب الطائع، يُنحت في قدميك وريدًا يتفجر بالحياة. هكذا هو وأنت، أيها الجنرال! الإرادة المتحدة، التلمود والخطأ، ملك اللحوم والجنرال، الخبز والحرب، النفط وتركيع العرب، القبر والدولار، الغد وبعد الغد، الأصابع واليد، حركة الأصابع والأصابع. هكذا هو وأنت، أيها الجنرال! توأمان يوحدهما الدم، وشعب هاتيكفا الطائع. أَوَ يبقى إلى الأبد طائعا؟ لم يشأ الكلام عن الذين ضحوا وملوا، عن الذين في أغلبيتهم ضحوا بدمهم في سبيل الأقلية، عن الذين تعبوا لخدمة مصالح البورصة، وعن أولئك الذين من نيويورك بأحزانهم يتداولون، بأوهامهم يتلاعبون. كانوا بالعشرات، بعشرات العشرات، ولم تكن المناسبة للحديث عن كل هذا، فأسدل الستار على صورتهم التي ستغدو صفراء بعد بضع سنين.
لم يُجْهِدْ ياكوف، أبوهم، نفسَهُ ليصل إلى موافقة الجنرال:
- سنطلق سراح نوري، أيها السيد ياكوف، فلا نفتقد ذنوب أبنائنا فينا.
انشقت شفتا ياكوف، أبي نوري بالتبني، عن ابتسامةٍ راضية، وسأل الجنرال:
- وماذا سنفعل بالضابط أفنيري؟
- سننقله أو نعطيه إجازة.
- في إجازة دائمة لو أمكن.
تنحنح الجنرال، فأضاف ياكوف، أبو نوري بالتبني، خلسةً:
- إنه ضابط واقعي جدًا...
- أرى ذلك.
- ليس له أي طموح.
- يحصل ألا يكون كل ضباطنا وجنودنا ملائكة.
- يحصل أو لا يحصل؟ إنه السؤال.
ازمهرت عيناه، ثم أضاف وهو يُحْدِدُ بصره إلى عيني الجنرال:
- أما أنت، يا جنرالي، فأنت ملاكي المفضل!
وضع حزمة من النقود على مكتبه، ونهض. عند الباب، التفت إليه، وقال:
- سأزوج ابنتي جولييت، يا جنرالي.
- يا له من سعيد الحظ، زوجها!
- سأزوجها من نوري.
تفاجأ الجنرال:
- ولكنّ نوريَ ليس ملاكا.
- سأصنعه ملاكًا على شاكلتك، أيها الجنرال، فالملائكة أنواع، بعضهم منا، وبعضهم علينا، وفي كلتا الحالتين عليهم أن يكونوا لنا، حتى أولئك الذين يجرؤون على وضعِ حجرِ أساسِ الهيكل في المسجد الأقصى هم لنا، هم سيُخضعون غيرهم، ونحن سنخضعهم، هم وغيرهم، فما المناطق إلا ملكنا. اسأل ولدي يوسُفَ يقل لك ما المناطق إلا جزء من إسرائيلنا، ولن نتخلى أبدًا عنها. أما عن هؤلاء الصراصير الذين تقودهم منظمة الإرهابيين التي أشاء لها أن تكون أو لا تكون وكما تشاء الظروف: لصالحي أو لغير صالحي، فلن يكون هناك سلام معهم، وسيلحقهم المزيد من الآلام. لهذا السبب، قل لهم أن يقعدوا كالأطفال عاقلين أحسن لهم، فلا نطردهم، ولا نقتلهم، وسنحل مسائلهم ككل الليبراليين المتحضرين ما بيننا.
ابتعد السيد ياكوف عن الباب، وكأنه عدل عن الذهاب، دنا من الجنرال، وأضاف:
- أنت أول من أدعو إلى عرس جولييت، فهلا شرفتني بالموافقة؟
انفعل الجنرال:
- كل الشرف لي!
- أتمنى أن يتم نقل الضابط أفنيري أو إجازته المفتوحة في أقرب وقت، وذلك قبل اليوم السابع ابتداء من اليوم.
- كن مطمئنًا، يا سيد ياكوف، وإن كان اطمئناني أقل بخصوص صراصير القطاع والضفة. إنهم صراصيرٌ صرصرٌ من عجينةٍ أخرى، صراصيرٌ تعض وتهجم وتهدد!
صرخ السيد ياكوف في وجه الجنرال صرخة مدوية زعزعت كِيانه:
- هؤلاء الخوافون لا حاجة لهم باستقلالٍ لن يبحثوا عنه، وهم إن بحثوا تعبوا بعد بضعة أيام، وصمتوا لنعالنا طوال الحياة، وإلى الأبد، لأن مملكتنا أبدية. أتذكر محاولاتنا مع بدوهم الخرعين وضباعهم الجشعة؟
- أذكر وأذكر.
- هم ليسوا بأحسن من بدوهم. دعنا منهم، فسيتعبون، ويتبعون. سنحكي في أمرهم في فرصة جِد قريبة، بخصوصِ مشاريعٍ تُربحنا تكون لنا هناك، فأصنَعُ إحسانًا إلى أُلوفٍ من مُحِبِّيّ. اليوم، فلننظف بيتنا هنا من أمثال ضابط اسمه أفنيري أو قائد اسمه بيليد أو ولد مزعج اسمه عموس عوز وآخر اسمه عموس كنعان.
- كن مطمئنًا، يا سيد ياكوف، لن يبقى في بيتنا إلا أبناء مارس الطيبون.
- وفيما يخص النوادي التي أحميها، إذا كانت هناك مباغتات للشرطة، فلا تتردد عن إبلاغي.
هتف الجنرال بحماس:
- لن أتردد بالطبع عن إبلاغك.
- شكرًا لك، أيها الجنرال!
أعطاه ظهره، وهو عازمٌ، هذه المرة، على المغادرة، وصفق الباب من ورائه.


يتبع الفصل الخامس عشر