موسى وجولييت الفصل الثالث عشر


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4571 - 2014 / 9 / 11 - 12:54
المحور: الادب والفن     


راحت جولييت تجري على إثر موسى، ، وهي تترك من ورائها أعمدة المصابيح. الشارع طويل، والنجوم معتمة، والحوت في كل الزوايا جثةً منشرحة. هو ذهب من هنا، وهي تتبع خطواته، والبحر يموج بحمى، والليل حرير عات. توقفت جولييت لاهثة، وحدقت في ظله البعيد. ستذهب إليه، وتعيده إلى ذراعيها، ثم تذهب إلى البحر. في ذَماء الموج ستتحد به، ثم تترك نفسها مركبا. أَوَ لم تعد حرة؟ عقبتها كانت نوري، وزالت عقبتها. موسى الدقات. القلب الخافق. القلب الدافق. القلب الدافق والخافق. الحلم عندما يخرج من البحر، والبحر عندما يجعل من البحر عناقا. موسى الجميل. موسى الجمال. موسى الشهوات. الجسد المخلوق. الجسد الخالق. الجسد الخالق والمخلوق. طريقة في العيش من الطبيعةِ منبثقة، والطبيعةُ المُحُدَثَةُ ثقافة.
كان على نوري أن يرتكب جريمته لتجد جولييت حريتها! أشجتها الفكرة، ولكنها لم تتراجع عن مطاردة ظله البعيد. والظل لا يبقى أبدًا بعيدا. وجولييت تريد أن تقترب منه إلى اقترابه منها. هكذا سيمّحي فيها شبح الجريمة. وتتنفس. هكذا تتنفس ملء رئتيها هواه، هواء البحر المالح، وتبتعد فورًا عن القوة. تخلص من الشبح الذي يطاردها، وتنسى أنها ابنة لملك اللحوم والنوادي. تخلص من إرادته العليا. من اشتعال السيف. تخلص من إرادته الدنيا. من أطنان اللحم المذبوح. وتقترب من إرادتها الصغرى. من ظمأها إلى سلطة تتوله بها. هل تجدها في ظله المبتعد؟ كانت تجري صوب "رامات هاشارون"، وتتعثر. تجري، وتتعثر. تجري، وتتعثر. موجة صوب الرمل.
نادته على أبواب تل أبيب:
- أيا موسى!
فالتفت إليها دون أن ينتظر رؤيتها:
- أنت جولييت؟
- أنا جولييت!
ضم أحدهما الآخر بقوة وشوق، وهما يبتسمان لبعضهما، والبحر امتداد وامتداد، والليل أفلاك وأثداء. طلب إليها بلهفةِ من وفر على نفسه قطعَ المسافةِ إليها في الدماء والضوضاء:
- أنت إذن تأتين معي إلى بيتي، جولييت؟
ووضع إصبعين على شفتيها:
- لا تقولي لي شيئًا آخر.
وقالت شيئًا آخر:
- نوري في السجن، أترى أي خبر سار آتيك؟ أنا حرة من جديد، فلتسعد، أيها الحبيب!
رقصت به قافزةً ضاحكة، وشدت نفسها من جديد إلى صدره. قبلته من قلبه، وقبلته، وقلبه يخفق بقوة، إلى أن أحست بذراعيه تتركانها.
- أنت إذن لا تأتين معي إلى بيتي، جولييت!
- سنذهب إلى البحر، وأخدمك حورية.
- آه، يا صغيرتي! ستتعذبين سمكةً في مِشواة!
- سنذهب إلى فراشي، وأرضيك خائنةً لعهد الزوجية.
- آه، يا طفلتي! ستهلكين فرخًا يحاول الصعود على شجرة في الصحراء!
- سنذهب إلى نجمة، وأضيئك فكرة.
- آه، يا غرامي القادم! ستكونين على الشفاه حكاية حزينة تسحر الناس على الرغم من كل الاغتمام!
- ذهب نوري من طريقنا، ذهب نوري عن طريقنا.
- وما الذي تغير في هذا، وأنا لم أقتل بعد، ولم أغلب، ولم أقهر؟
- لقد عدت حرة لأكون لك عبدة.
- أنتِ بقيت أنتِ: جولييت، وأنا بقيت أنا: موسى، فلم أقتل أبا، ولم أبذر ولدا.
انعطفت جولييت على نفسها متسائلة متحيرة خائرة خائفة:
- ما هو قصدك، يا حبيبي؟
نظر موسى إلى الليل الذي فيها، وقال لها:
- اسألي الليل يقل لك إني لست أباك ولا زوجك، وما أنا إلا حبيب عابر، فلا تقبلي خبرًا كاذبا، ولا تضعي يدك مع المنافق لتكون شاهد ظلم. لا تتبعي الكثيرين إلى فعل الشر، ولا تجيبي في دعوى مائلة وراء الكثيرين للتحريف، ولا تحابي مع المسكين في دعواه. إذا صادفتِ ثور عدوك أو حماره شاردًا تردينه إليه. إذا رأيت حمار مبغضك واقعًا تحت حمله وعدلت عن حله فلا بد أن تحلي معه. لا تحرفي حق فقيرك في دعواه. ابتعدي عن كلام الكذب، ولا تقتلي البريء والبار، لأني لا أبرر المذنب. ولا تأخذي رشوة، لأن الرشوة تعمي المبصرين، وتعوج كلام الأبرار. ولا تضايقي الغريب، فإنكم عارفون نفس الغريب، لأنكم كنتم غرباء في مصر.

يتبع الفصل الرابع عشر