-داعش- في -وظيفته التاريخية-!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4570 - 2014 / 9 / 10 - 13:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جواد البشيتي
في هذا القرن الحادي والعشرين، وفي هذا المكان المسمَّى "الشرق الأوسط"، كيف يُمْكِننا أنْ نسيطر ونهيمن، أنْ نَحْكُم ونتحكَّم، وأنْ نبقى السَّيِّد المُطاع، الآمِر النَّاهي، زمناً طويلاً؛ لكن من غير أنْ يُقْتَل لنا، أو يُؤْسَر، جنديٌّ واحدٌ، ومن غير أنْ نلقى مقاوَمة تضطَّرنا إلى المغادَرَة والرَّحيل؟
إنَّه "سؤال القَرْن"، الذي استبدَّ بـ "التفكير الاستراتيجي" للقوَّة العظمى في العالَم، والتي شَرَعت قوى وتكتُّلات دولية تتحدَّى زعامتها العالمية؛ فهل نرى في "داعش" بعضاً من الإجابة؟
ما هي "الخصائص الجوهرية" لهذا "العدو الجديد (العالمي، الشامِل، المُطْلَق، الذي لا خَطَر ولا تهديد، يَفُوق خطره وتهديده)"؟
يقول "العراق (الذي ينادي بحربٍ لا هوادة فيها على "داعش")" إنَّه لا يستطيع وحده محاربة "داعش"، أو إلحاق الهزيمة (العسكرية) به؛ فهذا "التنظيم ـ الدولة" يُقاتِل في طريقة، وبأسلحة، وبقوى، وبموارد، وبدوافِع وعقيدة، تُعْجِز دولةً، بحجم ووزن العراق، عن قتاله والتغلُّب عليه.
وفي الخاصية الجوهرية الثانية لهذا "العدو الجديد"، ينبغي لكل طرف عراقي (الجيش و"البيشمركة" على وجه الخصوص) أنْ يُقاتِل "داعش" بما يقوده حتماً إلى استنتاج مؤدَّاه أنَّ الولايات المتحدة هي وحدها التي تستطيع قتال هذا "التنظيم ـ الدولة"، وإلحاق الهزيمة به.
وفي الخاصية الجوهرية الثالثة، لا بدَّ لهذا "العدو الجديد" من أنْ يؤكِّد، بأقواله وأفعاله، أنَّه الخطر المُحْدِق بكل الأطراف (أكانت متصالحة متعايشة، أم متصارعة متعادية).
هذا "العدو"، وفي خاصيته الجوهرية الرابعة، "أُممي" الطابع؛ فأعضاؤه ومقاتلوه وقادته من المسلمين السنة يأتون من أنحاء العالَم كافة، عابِرٌ للحدود، لديه قابلية للانتشار والتمدُّد الجغرافي والديمغرافي، ولوَصْل أجزاء "إقليم دولته" مع بعضها بعضاً، يُغلِّب "النَّوْع" على "الكم" في جهده القتالي والعسكري للسيطرة؛ فهو يذهب بمعاركه إلى حيث تتركَّز "مصادِر القوَّة"، كالنفط والغاز والكهرباء والسدود والمعابر والمصارف والمواقع الاستراتيجية ومستودعات الأسلحة والذخيرة.
أين ومتى يَظْهَر هذا "العدو"؟
إنَّه لا يَظْهَر إلاَّ حيث تغدو هزيمته على أيدي "قوى الدَّاخل"، أو "قوى من الدَّاخل"، أمْراً مُتَعذِّراً، مُمْتَنِعاً، صعب المنال؛ وهو لا يَظْهَر إلاَّ في مجتمعٍ بَلَغَ فيه الاقتتال (والتعادي) الديني والطائفي والمذهبي والعرقي.. مبلغه، وغدا، من ثمَّ، بين خياريْن مستحيليْن: "خيار استعادة وحدته"، و"خيار أنْ تَنْفِصل مُكوِّناته (الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية..) في دولٍ".
قبل أنْ يَظْهَر، ومن أجل أنْ يظهر، لا بدَّ لـ "الفوضى الخلاقة" من أنْ تؤتي أُكلها (الذي تُسْأل الولايات المتحدة عن ماهيته). لا بدَّ لها من أنْ تؤسِّس لـ "البُنْيَة التحتية" لدولة ("اتحادية") متَّحِدة ببُعْديٍّ "الطول" و"العرض"، ومنقسمة في "العُمْق"؛ وإنَّها لدولةٌ أقرب ما تكون إلى "دُوَلٍ في دولةٍ واحدة"؛ فـ "الخرائط" تبقى في الحفظ والصون؛ لكنَّها تتغيَّر في "بُعْدِها الدَّاخلي" فحسب. وفي هذا المجتمع، تختفي من الواقع والعقل والشعور خيارات: "الدولة القومية العربية"، "الدولة اليسارية"، "الدولة الديمقراطية (العلمانية الليبرالية..)"، "دولة الإسلام (السني) المعتدل"، "دولة العسكر".
وفي "المثال العراقي ـ النموذجي"، يَظْهَر "داعش"، بخطره العظيم، وشَرِّه المستطير، في نهاية "الفوضى الخلاَّقة"، فتَنْتَقِل الولايات المتحدة من مرحلة "التفكيك"، التي استُنْفِدَت وأُنْجِزَت، إلى مرحلة "التركيب"، والتي فيها يُكْرِه "داعش" المُقْتَتِلين المتصارعين (من شيعة وسنة وكرد) على "الاتِّحاد" في دولةٍ واحدة تَضُمُّ ما يشبه الدُّوَل، وعلى أنْ يُسبِّحوا جميعاً بحَمْد "المُنْقِذ (المُخَلِّص)"، وهو الولايات المتحدة، التي بـ "نقاط قوَّتها"، كسلاحها الجوي، وبجيشٍ (أو جيوش) من العراقيين المقاتلين على الأرض، حاربت (وهَزَمت) هذا "العدو الأخطر"؛ وهكذا يسود ويَعُم "السَّلام الروماني" في آخر المطاف!