موسى وجولييت الفصل السابع


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4568 - 2014 / 9 / 8 - 11:57
المحور: الادب والفن     


هي سبب فرحه، وهو سبب تعاستها! كيف بإمكان إرادة أبيها عليها أن تصبح قدرها؟ كيف بإمكان مجد أخيها لها أن يصبح الارتقاء في أحضان الإرادة العاجزة عن الإتيان بفرحها؟ في أحضان قوة العجز أمام الفرح ليغدو للفرح معنى التعاسة؟ كلها أسماء وجولييت واحدة منها. أما قلب جولييت، فهو الذي يقلب التوازن رأسًا على عقب. قلبها العاشق أو الخاضع. وموسى في القلب نبضها. هو الفرح الذي يريدونه تعاسة. وهي التعاسة التي يريدونها فرحا. والبحر حقيقته عن مقربة: موج وضوء وملح وصيحات موت وحداد وامتداد وتراجع. لم يكن بإمكانها أن تجعل من نفسها في البحر مركبًا إلى شراعه. العاصفة هي أبوها. وأبوها هو الخلود. في السماء كان أبوها. وعلى الأرض كان أبوها. في السماء كان ملاكا، وعلى الأرض كان ملكًا للحوم والنوادي وضباط الشرطة الكبار أعوانه. ما العمل إذن أمام مهمة الخروج إلى الموج والميناء بعيدة؟ خرجت جولييت إلى شرفتها بين كل هذه الأشياء المحطمة، فإذا به يقف في جوفها مثل حوت أسود ظامئ، وإذا بها تترامى بين ذراعيه مثل مركب في الموج الصاخب:
- أيها الحبيب! أيها الحبيب! أنت لم تذهب، أيها الحبيب! لم يُذهبك حبك!
- بل ذهبت إلى غضب جعلته شديدا، وأعادتني إليك المآتم.
- أكان عليك أن تذهب، بعد كل ما فعلته بك، إلى رقة الكلام؟ قلبي الذي يحبك ليس قلبي، فلم أعد جولييت، هذه التي أنا هي غيري.
- أنت جولييت! أنت جولييت! لماذا جولييت غير جولييت، وأنا موسى غير موسى، لما أكون عنها بعيدا؟ كم هذه القلوب، قلوب البشر، تتبدل! ونحنُ، لِمَ لا نحب بعقولنا؟
- أريد أن أحبك بقلبي، بعقلي، بكِياني، أريد أن أحبك بناري، ببردي، بمآتم أهلي. أريد أن أمحو الفروق بين الصور لما أحبك، فلا يصبح لها إلا معنى واحد، وتصبح كل الصور صورة واحدة لحبك. والآن عليك أن تذهب إلى بيتك، سيعود أبي ومعه نوري القويّ، ولربما استعان بيوسُفَ عليك. اذهب الآن إلى بيتك.
- أريد أن آخذك إلى بيتي.
دفنت وجهها في صدره، وذرفت دمعها، وموسى يقول لها:
- تعالي معي فقط، تعالي معي إلى حيث نصون الصورة في جحيم الصور، تلك التي ستغدو صورًا عنا لها كل معاني الفرح في دنيا الأحزان.
- سيقتلونك.
- لن يقتلوني.
- اذهب وحدك لئلا أحرجك. اذهب وحدك لئلا أجرحك.
- سأدافع عن نفسي.
- اذهب وحدك لئلا أضعفك. اذهب وحدك لئلا أكربك.
- سأذهب وحدي معك إليّ، هناك حيث جولييت لن تغدو جرحًا ولا إحراجا، كربًا أو إضعافا، ففي هذه الجولييت التي أحب عائشة، ونحن شيء آخر، واحدٌ نحن في التشابه منذ آدم.
- سيبقى أبي قدري.
- قدرك هو أنت، أيتها الحبيبة!
- ما تقوله متعذر التحقيق وجميل.
- حققي خطوتك الأولى.
- هاءَنَذا أترامى بين ذراعيك، وأذرف الدمع، أيها الحبيب!
- لستِ عاجزةً وأنت معي... تعالي.
- لا أستطيع.
- سأساعدك. ستساعدنا قوانين المحبين.
- لن تستطيع ديانة آتون شيئًا في بلدنا.
- لا تتركيني وحدي مع الله.
- لن أتركك وحدك بأفكاري.
- إذن تحكمين عليّ بالشقاء الأبديّ.
- لا تنس أنني فرحهم.
- فرحهم وتعاستك.
- لا تنس أنني تعاستك.
- تعاستي وفرحك.
- أيها الحبيب! أيها الحبيب التعيس!
وراحت النجمات من حولهما تزهر وردًا أسود، والبحر لا يتوقف عن التقدم والتراجع بعد أن تراجع الموت عن أهلها لأجل دمعها. وصلهما وقع خطوات تقترب، فتقدمت جولييت من الباب لتفتحه، وهي تطلب من موسى أن يذهب بعجلة، فذهب على أن يرجع. شك في صفته محررا، ولما صار وحده في الليل مع الله، رفع رأسه إلى السماء، وجدَّفَ.



يتبع الفصل الثامن