موسى وجولييت الفصل الثاني


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4566 - 2014 / 9 / 6 - 14:57
المحور: الادب والفن     


الإرادة تتعدى الحدود إلى الإرادة، ولا يقف دونها شيء، بعدما تستطيع، عندما تصل إليها. وها هما، موسى وجولييت، يعودان إلى الرقص من جديد طائرًا وسمكة. القلب على القلب لا أدفأ ولا أروع، والبسمة على ثغر جولييت تسطع، ولحظة الغرام تبدو نهاية تاريخ طويل، شجرة ذات جذور، وامتدادات في الجهات الأربع. حتى أن يوسُفَ الذي لا يكف عن مراقبتهما لم يكن غريبًا عنها، كان جزءًا من تلك اللحظة: نظرته الفاحصة، العقدة بين حاجبيه، فكرته هو عن الحب وعن الحرب، والأهم من هذا كله، ذراع موسى حول خاصرة جولييت، هذه الذراع بإمكانها أن تكون مأساته.
رآهما يتسللان إلى الخارج، إلى قلب الليل النابض، وموسى كان سعيدا، لم يكن الماضي، كان الماضي والحاضر. وكانت جولييت تنظر إلى عينيه بلا قناع، إلى وجهه، وإلى شفتيه، وتلمس بشفتيها شفتيه، وموسى يقول لها:
- نحن نبتعد عن المعجزة.
وجولييت تقول له:
- نحن نقترب من المعجزة.
ويهتف موسى بها:
- لأن حبنا إعجاز الإرادة، فلا هو كبش من معدن، ولا هو صقر من صلصال.
وتهتف جولييت به:
- لم أنتظرك قبل سن البلوغ، لكن طفولتي كانت تعرف فيك رجلي إلى أن كان لقاؤنا.
ويؤكد موسى لها:
- غيرنا أعد لقاءنا في الكتب وفي الضمائر وفي الأفكار.
يسكت قليلا، ثم يضيف بغضبٍ يحاول ألا يكون قويا:
- غيرنا قاتل من أجل ذلك ومات.
قبل أن تضع جولييت خدها على قلبه، وتهمس همسًا زكيا:
- أخاف من الموت الذي يجيء بنا إلى نفسينا.
- أما أنا، فأخاف من الموت الذي له جدار يمنع روحي من عناق روحك، ويفصل جسدينا.
- أحس بالموت يترصد لنا.
- علينا أن نقاومه، نعم علينا، فلا نموت إلا إذا أراد لنا الحب أن نموت، وفي سبيله ألا نحيا. ماذا يهم الموت، وهو موت أكيد لا جحيم بعده، وحبنا جنة الدنيا؟
- لن نكون لأعدائنا غير كره وأنانية.
- حب موسى وجولييت! أنت يكفيك حبي، وأنا يكفيني حبك، وسنكون لأعدائنا حبًا وتفانيا، في اللحظة التي يخرون فيها لحبنا سجدا.
- وإذا ما فشلنا؟
- للحب إرادة البراكين الثائرة.
- كم أنا خائفة عليك عليّ! أخاف عليك وعليّ خوف قبرة تركها زوجها وحيدة في الشتاء.
- أما أنا، فأخاف عليك عليّ من خوفك عليّ عليك كيلا نكون وهم أنفسنا.
- هل نحن وهم غيرنا؟
- علينا أن نكون حقيقة أنفسنا.
- في الظلام؟ في عباءة الليل التي تلف جسد البحر؟
- يكفينا الضوء في حركة الموج.
سحبها من يدها إلى البحر، والبحر يطلق الأضواء والصرخات. خلعت جولييت ملابسها، وألقت بنفسها عارية في ضوء الموج. هتفت بموسى أن يأتيها، موسى الذي اختارته زوجًا وفيا، فأتاها ريحًا عطوفا، على مركب ممزق الشراع. ومن الطرف الآخر للرمل، شاهد يوسُفُ، أخو جولييت الجنديّ، كيف اتحد الجسدان العاصيان. وبعد انفصال لم يدم طويلا، رأى يوسف غرلة موسى، وهي تنبت في دغلٍ أسودَ العشبِ فِضِّيَّهُ لانعكاس مرايا الموج عليه، فقال هذا ابن بحر، وما هو سوى واحد من كائناته الكثيرة. ورأى في ساح أخته المفتوحة على وغاه وِزْرَ عارٍ لن يمحوه الدم بيسر، وعلى الخصوص أن يوسف رمزُ قوةٍ وتميزٍ بين حيتانٍ خانته جولييت بها. انفتحت أبواب السماء على مصاريعها، فتوجه يوسف إلى النجوم، وموسى إلى الذي يتجلى فيها.


يتبع الفصل الثالث